البحث

التفاصيل

الاستيطان الصهيوني على أراضي وقف آل التميمي

الرابط المختصر :

الاستيطان الصهيوني على أراضي وقف آل التميمي

بقلم: الشيخ د. تيسير رجب التميمي

 

     يتضمن الإنطاء النبوي الشريف كما ورد في كتاب مجير الدين الحنبلي الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل مكونات وقف تميم رضي الله عنه وحدوده ، ونص الإنطاء { بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أنطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وإخوته ، حبرون والمرطوم وبيت عينون وبيت إبراهيم وما فيهن نطية بتٍّ بينهم ، ونفذتُ وسلمتُ ذلك لهم ولأعقابهم ، فمن آذاهم آذاه الله ، فمن آذاهم لعنه الله . شهد عتيق بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ، وكتب علي بن أبي طالب وشهد}.

     وتمتد أراضي هذا الوقف لتضم أراضي كلٍّ من مدينة الخليل وبيت عينون والمرطوم (زيف) وبيت إبراهيم (قلب مدينة الخليل)، وحدوده من الغرب بلدة زكريا المحتلة منذ عام 1948 ومن الشرق عين جدي القريبة من البحر الميت، وتبلغ مساحته 86 ألف دونم.

     بعد وقوع باقي أرض فلسطين عام 1967 في براثن الاحتلال الإسرائيلي الغاشم ظل القضاء الشرعي صاحب الولاية العامة على الأوقاف (بما فيها وقف تميم الداري في الخليل)، ومع ذلك فقد جمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلية الأحكام الشرعية والقوانين التي تحافظ على حقوق أصحاب الأرض ومارست اعتداءات كثيرة عليها، وصادرت مساحات شاسعة منها سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة وأقامت المستوطنات في طول البلاد وعرضها، وعلى مداخل المدن وبمحاذاة التجمعات الفلسطينية وحواليها بما في ذلك أراضي وقف تميم الداري رضي الله عنه ، وكان الاستيطان دوماً مشروعاً مشتركاً بين الجيش والمستوطنين ، وسلطات الاحتلال تقوم بحماية ورعاية المستوطنين وتقدم لهم البنى التحتية اللازمة في المغتصبات والبؤر الاستيطانية.

     أما المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي أقامها الاحتلال على أرض الإقطاع النبوي وداخل حدود وقف سيدنا تميم رضي الله عنه داخل مدينة الخليل فلها وضع خاص ، فقد أنشئت داخل المدينة وفي بيوت أهلها وفيما بينهم ، ويسكنها غلاة المتطرفين والإرهابيين الصهاينة ، ومن وقت لآخر تتغير مساحات وعدد سكان هذه المغتصبات بناء على سياسة سلطات الاحتلال الإسرائيلية التي تقوم على توسيع وزيادة سكان هذه المغتصبات وغيرها على حساب الأراضي المصادرة من مالكيها الحقيقيين وهم أهل الخليل وكل أهل فلسطين ، ومن أبرزها:

* بني حيفر قرب بني نعيم ، وهي من أراضي وقف تميم الداري . وفي البداية أقامتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية على أراضي بلدة بني نعيم عام 1981 كنقطة عسكرية ، ولكن تقرر تحويلها إلى مستوطنة سكانية افتتحت في عام 1983 ، وتمت مصادرة نحو 4060 دونمًا إضافية في أوقات لاحقة لتوسيع هذه المستوطنة ، ومساحتها الآن تزيد عن سبعة آلاف دونم ، ويسكنها أكثر من 300 مستوطن من المتدينين.

* كريات أربع شمال شرق الخليل ، وهي أعلى مستوطنة صهيونية في الضفة الغربية  ، فهي على أرتفاع 1008م فوق سطح البحر ، ومقامة على أكثر من خمسة آلاف دونم من أراضي الوقف التي طرد سكانها منها ، ويزيد عدد سكاها الآن عن سبعة آلاف مستوطن من الغلاة المتطرفين ومعظمهم ينتمون لحركة غوش إيمونيم وكاخ ، وخططت سلطات الاحتلال الإسرائيلية لإسكان عشرة آلاف عائلة فيها ، وجاء إنشاؤها عشية عيد فصح عام 1968 كنقطة عسكرية ، لكنها تحولت إلى مستوطنة سكنية في عام 1970 على يد المستوطن المتطرف ليفنجر ، وهي تمثل دفيئة لتفريخ المستوطنات في الأراضي المحتلة بشكل عام وفي الخليل بشكل خاص ، ومن هذه المغتصبة انطلق الإرهابي الصهيوني باروخ غولدشتاين الذي نفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في عام 1994.

* جفعات خارصينا قرب كريات أربع ، وتقع شمال شرق الخليل ، وأقيمت في البداية على 500 دونم من أراضي الوقف بعد طرد أهلها منها منذ العام  1985 ثم جرى توسيعها بمصادرة مزيد من أراضي الوقف فأصبحت مدينة استيطانية كبرى تضاهي مستوطنة كريات أربع من حيث الضخامة والعمران وما ابتلعته من الأراضي ، والذين أقاموا هذه المستعمرة هم اليهود الذين طردوا من سيناء المصرية العربية بعد تحريرها ، فأطلقوا عليها اسم هارسيناء أي جبل سيناء ، وتبلغ مساحتها الأن أكثر من أربعة آلاف دونم ، ويبلغ عدد الوحدات الاستيطانية فيها وفق المخطط له 144 وحدة استيطانية.

* حاجاي (بيت حاجاي) بين الخليل ودورا، وبدأ العمل بها في العام 1984، ومساحتها تزيد عن (1000) الف دونم ، ويسكنها أكثر من (600) ستمائة مستوطن.

* وعلى أراضي المواطنين في هضبة أم الدالية وهي من أراضي وقف تميم أيضاً أقامت سلطات الاحتلال مقر إدارة الحكم العسكري والإدارة المدنية لمحافظة الخليل.

* الحي اليهودي: يقع في مركز البلدة القديمة من مدينة الخليل ، أقامت فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من مئتي وحدة استيطانية ، هذا بالإضافة إلى ما استولت عليه من البيوت الفلسطينية القديمة ؛ حيث قامت بترميمها لتشكل حياً يهودياً كبيراً في قلب مدينة الخليل ، وتتوسع هذه المغتصبة بشكل تدريجي لتتصل مع كريات أربع وتل الرميدة.

* رامات يشاي في تل الرميدة ، وصادق وزير الدفاع على إقامتها بين المنازل الفلسطينية في العام 1984  على دونم واحد في البداية ، ويقيم فيها أكثر من (15) خمسة عشرة عائلة متطرفة من حركة كاخ ، وهي نقطة استيطانية تقع بالقرب من المقبرة اليهودية في الخليل ، وتم احتلاله من قبل المستوطنين ، ويوجد في هذا المكان موقع أثري قديم ومصلى للمسلمين يطلق عليه اسم مشهد الأربعين ، وتعتبر هذه البؤرة من النقاط المعزولة والمحاطة من جميع الجهات بالأحياء الفلسطينية ، وهؤلاء المستوطنين دائمو الاعتداء على المواطنين ويمنعونهم المرور إلى بيوتهم وقطف زيتونهم.

* بيت هداسا في شارع الشهداء ، وهي مقامة في بناية الدَّبُّويَة التي كانت مركزاً صحياً ثم مدرسة ابتدائية ، استولت عليها مجموعة من النساء اليهوديات في العام 1979 وطردت التلاميذ منها بحماية من جيش الاحتلال ، وعاشوا في هذا المبنى حوالي سنة تحـت حراسة وحماية سلطات الحكم العسكري ، وتم توسيعها من جميع الجهات وإضافة بنايات حولها وإقامة أدوار فوقها ، وأقيمت بعد عملية الدبويا في 2/5/1980م حيث بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي العمل بتحويلها إلى منطقة سياسية ومركز ديني كبير ، بعد هدم عشرات المنازل الفلسطينية والاستيلاء على المزيد منها ، وفي عام 2008 كان يسكنها أكثر من عشرين عائلة.

* بيت رومانو ، وتقع في مدرسة أسامة بن منقذ بالقرب من ساحة البلدية القديمة وعلى مدخل قلب المدينة ، وأقيمت في العام 1980 بعد استيلاء جيش الاحتلال الإسرائيلي عليها والذي قام بتسليمها لاحقاً للمستوطنين ، ويجرى توسيعها وإضافة طوابق عليها باستمرار ، فقد كان مبنى المدرسـة يتألف مـن ثلاثـة طوابـق ، أضـاف المستوطنون بناء طابقين على المبنى فأصبح مكوناً من خمسة طوابق.

 

* أبراهام أبينو في سوق الخضار المركزي ، وقد صادقت سلطات الاحتلال على قرار إنشائها في العام 1984 ، وبدأت البؤرة بإقامة المستوطنين بناية ضخمة بجانب بناية دائرة الأوقاف الإسلامية بدعوى وجود كنيس يهودي في ذلك الموقع ، ثم تمت السيطرة فيما بعد على منطقة قنطرة الحمام ومسجد الأقطاب وبيوت بعض المواطنين في داخل البلدة القديمة لتوسيعها وإقامة البنايات الإضافية إليها ، ويحاول المستوطنون باستمرار تأمين امتداد لها باتجاه الحرم الإبراهيمي الشريف ، ولهذا الغرض فقد أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الدكاكين التابعة لسوق الخضار المركزي وضمتها إلى هذه المستوطنة ، ووضعت فيها الكلاب والحيوانات الضالة التي تستخدم في إرهاب أبناء الخليل ، ومنعت المرور ولو مشياً على الأقدام في شارع الشهداء الذي يعتبر الشريان الرئيسي في المدينة لأنه يربط بين شمالها وجنوبها ويؤدي إلى الحرم الإبراهيمي الشريف بهدف الاستيلاء على قلب المدينة وتحويله إلى حي يهودي.

     وأنشئت بؤر استيطانية كثيرة في مدينة الخليل بلد الإنطاء النبوي الشريف لتميم الداري ومنها على سبيل المثال:-

 * في العام 1980 وضعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي يدها على محطة الباصات المركزية وساحة الكراجات بجانب ديوان آل تميم الداري القديم بحجة الأمن والحفاظ على النظام ، وهي من أراضي الوقف وتقيم الآن بنايات ضخمة عليها.

* في منطقة البقعة شرق مدينة الخليل أنشئت على أراضي عائلة سلطان بؤرة استيطانية جديدة تقع شرق مستوطنة خارسينا ، ويوجد فيها مستوطن واحد أقام عدة مبانٍ بمساعدة عدد من المستوطنين من مستوطنة خارصينا.

وأخيراً أقول: على الرغم من أن جميع المغتصبات الصهيونية المقامة في الضفة الغربية المحتلة غير قانونية في نظر المجتمع الدولي بموجب القرارات والتشريعات الدولية ؛ إلا إن سلطات الاحتلال الإسرائيلية ماضية في إنشاء المغتصبات الجديدة وفي مصادرة المزيد من أراضي الوقف ، ولم تتوقف يوماً عن دعم وتوسيع الاستيطان فيها وفي محافظة ومدينة الخليل عموماً وعلى أراضي وقف سيدنا تميم الداري على وجه الخصوص.

     وهذه كلها اعتداءات غير قانونية وباطلة ولا تنشئ للاحتلال أية حقوق مكتسبة لأنها أرض وقف مرتبطة بعقيدة ملياري مسلم في مشارق الأرض ومغاربها ، وسيزول هذا الوضع العدواني الشاذ بزوال الاحتلال ، ولكن على إدارة الوقف تسليط الضوء على هذا العدوان واللجوء إلى كل المحاكم المختصة والدولية والمنظمات الحقوقية لاسترجاعها وبيان أن هذه الأراضي المغتصبة هي وقف إسلامي نبوي ولها أصحاب يطالبون بها ويدافعون عنها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* تيسير رجب التميمي؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قاضي قضاة فلسطين، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً، أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس





التالي
حملة للتعريف بالقضية الفلسطينية تحت شعار "حلم فلسطيني" خلال كأس العالم في قطر

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع