البحث

التفاصيل

المثلية بالإكراه l د. فتحي أبو الورد

الرابط المختصر :

في تشريعنا الجنائي والأخلاقي ثوابت تعتبر أن الزني والقذف والإجهاض واللواط والسحاق جرائم أخلاقية ومجتمعية إلى يوم الدين، فهي جرائم ثابتة بنصوص لا تقبل الجدل أو التأويل، ولن يأتي يوم يتغير هذا التشريع، كما أن لها عقوبات مقررة - حدية أو تعزيرية - في كتب الفقه الجنائي، وأبوابه في الفقه المذهبي. 
ولكن الغرب الذي انقطعت صلته بالسماء، وأهمل تعاليم الديانات، وألقى بها خلف ظهره، وانساق وراء الشهوات والأهواء، غدا بلا ثوابت، لا تستقر له أخلاق، ولا تنتظم له قيم، واعتبر كل شيء قابلا للتغيير حسب ما يقرره أصحاب الأهواء، فمرة يجيز الإجهاض وأخرى يجرمه، سواء كان من سفاح أو نكاح، ومرة يرفض الشذوذ (اللواط والسحاق) وأخرى يقبله، بعد أن نجح في تذويب مفهوم الزني واعتبره حرية شخصية، ما دام يتم بالتراضي بلا إكراه أو إجبار.
والحقيقة أن الغرب في إقراره وإجازته لهذة المنكرات وتلك المساخر لم ينطلق من فلسفة أو فكر أو اعتقاد؛ بل انطلق من شهوة ورغبة جنسية جامحة، ثم حاول أن يلبسها ثوب الفلسفة، ويكسوها ثوب الأفكار؛ لتبدو وكأنها نظريات فكرية لمفكرين ومنظرين، وليست تشوهات أخلاقية، وانحرافات سلوكية، وعاهات اجتماعية لمرضى نفسيين وأصحاب هوى شهوانيين.
وفي الوقت الذي وجدنا فيه أعضاء في مجلس الشيوخ الإيطالي يحتفلون بعد إلغاء مشروع قانون من شأنه أن يجرم العنف وخطاب الكراهية ضد مجتمع المثليين في إيطاليا، في هذا الوقت وجدنا - أيضا - احتفاء آخر بإقرار مجلس الشيوخ الأميركي قانوناً يحمي زواج المثليين في سائر أنحاء الولايات المتّحدة، في خطوة تقطع الطريق أمام احتمال إصدار المحكمة العليا حُكماً يقوّض هذا الحقّ كما فعلت مع الإجهاض.
وقد يأتي آخرون يغيرون المشهد لأن الأخلاق عندهم متغيرة خاضعة لرأ ي المجتمع ولو كان يحكمه ثلة من المجانين، أو كان يوجهه حفنة من المعتوهين، فما أقره يمضي ولو كان فيه الهلاك، وما اعترض عليه يتوقف وإن كان فيه النجاة.
ومن المقرر بين عقلاء الدنيا أن الحرية المطلقة فوضى مطلقة، ومفسدة مطلقة، وأن الحرية المطلقة لا تكون إلا للمجانين فقط يفعلون ما يشاؤون ما دام قد غاب العقل الذي هو مناط التكليف والتمييز.

وقد أراد الغرب للحرية أن تكون مطلقة من كل قيد على مذهب المجانين، ومن ثم فهم بحاجة إلى علاج وتداو لا إلى نقاش وحوار، وإلى مشفى طبي لا إلى منتدى فكري.
بل إن الغرب في جنونه ذهب بعيدا في أفكاره وتصوراته، لقد تخطى مرحلة الحرية المطلقة، إلى الإجبار على حماية الحرية المطلقة.
فالمثليون عندهم يمارسون شذوذهم في مأمن، لا أحد يضايقهم، ولا أحد يتعرض عليهم، كل ما هنالك أن أصحاب الفطر السليمة يشمئزون من صنيعهم، ويتقززون من هذا الانحراف الذي يمثل انتكاسا للفطرة السوية، ويصادم النفوس الطبيعية، والخلقة التي فطر الله الناس عليها، ولكن مجرد هذا الاشمئزاز والتقزز مما يفعله المثليون يجب أن يختفي ولا يكون. هكذا قرر كثير من ساسة الغرب.
المثليون لا يمثلون إلا نسبة محدودة جدا في المجتمعات الغربية، وتكاد تكون معدومة في المجتمعات العربية والإسلامية، ومع ذلك نجد لهم كل هذه الضجة الكبرى المفتعلة في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، ونجد الدفاع المستميت عما يسمى بحقوق المثليين، والسعي الحثيث من أجل إقرار تشريعات وقوانين في المجتمعات تحمي رذيلتهم، وتصون قاذوراتهم. فهل هذه النسبة الضئيلة جدا تستطيع أن تحدث كل هذه الجلبة في العالم؛ بل وتحاول أن تفرض أجندتها حتى في أكثر بلدان العالم محافظة على الأخلاق والقيم؟ هل لهذه الفئة المنبوذة - حتى في المجتمعات الغربية - كل هذه القوة لتحدث كل هذا الزخم على الساحة الدولية، وكأن العالم كله أصبح شاذا، أو كأن العالم لم يعد له قضية إلا قضية المثليين؟ وهل تمتلك هذه الفئة المكروهة قدرات خارقة إعلامية لتفرض قضيتهم وتحشرها حشرا في الرياضة والسياسة والاجتماع والاقتصاد وكأنها قضية إنسانية عادلة؟
الحقيقة أن هذه الفئة من المخلوقات لا وزن لها ولا قيمة ولا تأثير لها في المجتمعات، وأن بروز الحديث عن هذه الفئة في الإعلام بقوة واستماتة - حتى وإن كانت قليلة جدا في الواقع - ما هو إلا ستار لقوى الشر في العالم التي تتحكم في منظمات وهيئات ودول كبرى، والتي تسعى باسم الحرية وحقوق الإنسان لإفساد البشرية، وفرض الرذيلة منهجا للحياة بديلا عن الفضيلة، وتقبل هذا السلوك البشري المستهجن ليصبح واقعا في المجتمعات بلا غرابة ولا نكارة، واستساغة هذه الممارسات التي تستهجنها حتى الحيوانات لتصبح شيئا عاديا مألوفا في حياة الناس؛ فيسهل انتشارها، وفرض التعايش معها، وتغيير النظرة إليها، وتجريم من ينظر إليها على غير هذه الوجهة وتلك الزاوية، وحماية هذا كله بالقانون والتشريعات، وهم يحاولون النجاح في هذا كما نجحوا من قبل في المجتمعات الغربية في تذويب مفهوم الزني بين الرجل والمرأة باسم الحرية الشخصية، وفرض مفهوم جديد في باب الزواج مؤداه: أن الحبّ هو الحبّ، ويجب أن يكون للغربيين الحقّ في الزواج من الشخص الذي يحبّونه. 

هذا المفهوم الذي شنع عليه القرآن الكريم على لسان لوط عليه السلام في قوله تعالى: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80].
ثمة خطورة أخرى تكمن في هذه الدعوات الخبيثة وهي قطع النسل وتوقف البشرية، وهذا يضاد مراد الله تعالى من الخلق والتزاوج بين الرجل والمرأة، وهو استمرار الحياة واستمرار النوع الإنساني، وامتداد الأجيال.
وقد كان أبلغ رد من رئيس زيمبابوي "روبرت موغابي" على دعاة وحماة المثلية أنه وعد بإطلاق سراح رجلين مثليين تم حبسهما عندما أرادا تسجيل زواجا أحادي الجنس في العاصمة هراري بشرط أن يحمل أحدهما من الآخر.
وإذا تحقق لهم ما يريدون وعلا صوتهم وكثر عددهم، سيصبح أصحاب الفطرة السوية وسط هذه المستنقعات الآسنة غرباء منبوذين، فإذا ما استنكروا هذا الجنون هب الشواذ جميعا في وجوههم، وقالوا كما قال أسلافهم: "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" [الأعراف: 82].


: الأوسمة



التالي
الصبر في المحن والشدائد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع