البحث

التفاصيل

الشيخ الشعراوي والحرب على رموز الإسلام

الرابط المختصر :

الشيخ الشعراوي والحرب على رموز الإسلام

بقلم: أ. د. علي القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

أصابني وجوم مما سمعت، وألم شديد من هجوم ممنهج على أحد رموز الإسلام في هذا القرن، وأحد مجدديه الذي لا يختلف على حبه واحترامه الدعاة والعلماء وعامة الناس -مهما اختلفت مشاربهم العلمية، أو مشاريعهم الحركية- ألا وهو الإمام المجدد الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى.

 

تشرفت به، فعرفته عن قرب، وظهر لي مدى صفائه ونقائه رحمه الله.

 

وأعجبت -وأنا طالب بالكلية عام 1971م أيما إعجاب- بمحاضرة له حول القضاء والقدر، ومسؤولية الإنسان، حيث أبدع فيها، لا سيما أنني كنت ممن درس بعمق علوم الكلام والفلسفة على أيدي مشايخنا، وكانت هناك إشكالية كبيرة في آراء المعتزلة والأشاعرة، فقام الشيخ بحل المشكلة وفقا لآيات القرآن الحكيم، ثم لما التحقت بالدراسات العليا بالأزهر الشريف عام 1976م كنت أتابع حلقاته حول تفسير القرآن الكريم في التلفزيون المصري، فكانت بحق رائدة ورائعة في التفسير.

 

ثم بعد ما ترك الوزارة طلبت مقابلته فرحب بي، حيث التقيته في مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه، فأخذني إلى شقته التي تطل على المسجد نفسه، فسعدت به، ولما عرفته بنفسي وأسرتي العلمية الحسينية رحب بي أكثر، حتى سألني عن مؤلف كتاب شرح الكلنبوي في المنطق، العلامة ابن عمر القره داغي، وقال: هذا كان معتمدا عندنا؟ قلت: هو من أجدادنا، ففرح كثيرا ورحب بي أكثر، وطلب ألا أترك زيارته، فقلت: يا مولانا، هذا شرف عظيم، ولكني مشفق على وقتك، فقال: (معلش) ثم قال لي: صل الجمعة معي غدا في مسجد سيدنا الحسين، ثم نذهب نتغدى معًا.

 

وفعلاً سعدت به وأخذني إلى مطعم أبو شقرة بالقصر العيني، واستقبله صاحب المطعم، وخصص لسماحته غرفة خاصة، ودعا على شرفه عددا طيبا من أصحاب الجاهة، ولكن المهم بالنسبة لي اللقاء به، والاستفادة منه، حيث سألته عما كان يجول في نفسي من بعض الإشكاليات الفكرية، فكنت أعرضها، وهو يتفضل بشرحها وإزالة التساؤلات، فقد استفدت منه الكثير والكثير، وتكررت مثل هذه الزيارة والحمد لله.

 

فقد صحبته -ولو قليلا- ولكني وجدته عالما ربانيًّا بحرًا -خاصة في اللغة والتفسير- ومتواضعًا حليمًا حكيمًا صادقًا متجردًا راسخًا في العلم، منصفًا للأشخاص والجماعات، فلم أسمع في مجلسه غيبة ولا ذكر أحدا بسوء، وإذا أراد شخص أن يذكر في مجلسه أحدا بسوء منعه ونهره، ورأيته لا يتوقف لسانه عن الذكر أو العلم.

 

وكنت من قبل أتابع محاضراته القيمة في السعودية والكويت، وأستفيد منها.

 

حذر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من معادات الصالحين، فقال: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب"

 

تحطيم القدوة

ماذا يعني الهجوم العنيف المليء بالكذب والافتراء على العالم الرباني الشيخ الشعراوي الذي لم يكن منتميا لأي جماعة سياسية، بل كان محل القبول لدى الجميع حتى كان وزيرا في عهد الرئيس السادات؟

 

لا يمكن تفسيره إلا بأنه يراد به النيل من الإسلام نفسه، وشيطنة كل رمز محترم، وداعية إلى الإسلام.

 

والغريب أن الهجوم على شيخنا الرباني جاء عنيفًا بشكل غريب، وتضمن اتهامات باطلة، وإفكًا عظيمًا، وافتراءات غريبة، يندى لها جبين من قال بها، ولكن لا قيمة لها، ولا أحد من العقلاء يصدقها؛ فالشيخ الشعراوي رحمه الله جبل شامخ وسامق.

 

فمن أراد النيل منه فمثله يكون كما قال الأعشى:

يا ناطح الجبل العالي ليكلمه ** أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

كناطح صخرة يومًا ليوهنها ** فلم يَضرْها وأوهى قرنه الوعل

 

فالإمام الشعراوي مغروس حبه في قلوب المسلمين بعلمه، وحكمته، وهدوئه، وصفائه، وصدقه، ومواقفه النبيلة. لذلك نرفض وندين بشدة الهجوم على مثل هؤلاء الربانيين الذين ماتوا، والعلماء والناس يثنون عليهم الثناء العاطر، فهذا الهجوم لا يمكن تفسيره إلا بأن المقصد هو تحطيم القدوة الذي هو من أخطر أهداف أعداء الإسلام.

 

ولذلك يجب على جميع العلماء واتحادهم ومؤسساتهم، وعلى رأسهم الأزهر الشريف – كما فعل- الوقوف بقوة أمام أي هجوم على مثل هؤلاء العلماء الربانيين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الإسلام وقضوا نحبهم في سبيل الله: (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23).

 

فالعلماء ورثة الأنبياء، "وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في جوف الماء"، و"إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب". رواه أبو داود (3941) والترمذي (2682) وابن ماجه (223) وأحمد (2\715)، وفي رواية صحيحة أخرى بلفظ "معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر"، صحيح الجامع (5883).

 

ولذلك حذر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من معادات الصالحين، فقال: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب".





البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع