مهابة الفاروق رضي الله عنه في وسط المجتمع
بقلم: د. علي الصلابي
كان لعمر ـ رضي الله عنه ـ هيمنةٌ على النُّفوس والقلوب، ومهابةٌ تكبح من جماح النُّفوس، وتضبط من نزواتها، وأصحُّ دليلٍ على ذلك عزله لخالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ وهو في أوج شهرته، وقد اقترنت به تجارب الانتصار في كلِّ حرب، وأحاطت به هالات الإِكبار، والإِعجاب، وقد أنفذ أمر عزله يوم كان النَّاس في أشدِّ حاجةٍ إِليه، ووصل أمر العزل والنَّاس مصافُّون جيوش الروم يوم اليرموك، وأمَّر على الجيوش أبا عبيدة، فقال خالد: سمعاً، وطاعةً لأمير المؤمنين. ولمَّا نبَّه أحد الجنود على وقوع الفتنة بهذا التَّغيير؛ قال خالد: لا مجال لفتنةٍ ما دام عمر. (البلاذري،1997، ص219)
وهذا إِن دلَّ على خضوع خالدٍ لأمر الخليفة ـ وهو القائد المنصور المحبَّب ـ وتنازله عن القيادة في تواضعٍ، وإيثارٍ قلَّما يوجد له نظيرٌ في تاريخ القيادات العسكريَّة، والإِمارات الحربيَّة، فهو يدلُّ كذلك على سطوة سيدنا عمر، وامتلاكه لزمام الأمور،(الندوي،1998، ص106) فقد كانت له مهابةٌ عظيمةٌ في قلوب النَّاس، فعن الحسن البصريِّ ـ رحمه الله ـ قال: بلغ عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ: أن امرأةً يتحدَّث عنها الرِّجال، فأرسل إِليها ـ قال: وكان عمر رجلاً مهيباً ـ فلمَّا جاءها الرَّسول؛ قالت: يا ويلها ما لها ولعمر ! فخرجت فضربها المخاض فمرَّت بنسوةٍ فعرفن الَّذي بها، فقدمت بغلامٍ، فصاح صيحةً، ثمَّ طفا، فبلغ ذلك عمر ـ رضي الله عنه ـ فجمع المهاجرين، والأنصار، واستشارهم، وفي اخر القوم رجلٌ، فقالوا: يا أمير المؤمنين! إِنَّما كنت مؤدِّباً وإِنَّما أنت راعٍ، قال: ما تقول يا فلان؟ قال: أقول: إِن كان القوم تابعوك على هواك؛ فوالله ما نصحوا لك! وإِن يك اجتهادهم أراهم، فوالله فقد أخطأ رأيهم يا أمير المؤمنين! قال: فعزمت عليك لمَّا قمت، فقسمتها على قومك، فقيل للحسن: من الرَّجل؟ قال: عليُّ بن أبي طالبٍ، واجتمع عليٌّ، وعثمان، وطلحة، والزُّبير، وعبد الرحمن، وسعد رضي الله عنهم.
وكان أجرأهم على عمر عبد الرحمن بن عوف، فقالوا: يا عبد الرحمن! لو كلَّمت أمير المؤمنين للنَّاس، فإِنَّه يأتي طالب الحاجة، فتمنعه هيبته أن يكلِّمه حتَّى يرجع، ولم يقض حاجته. فدخل عليه فكلَّمه في ذلك، فقال: يا عبد الرحمن! أنشدك الله! أعليٌّ، وعثمان، وطلحة، والزُّبير، وسعدٌ، أو بعضهم أمرك بهذا؟ قال: اللَّهمَّ نعم! فقال: يا عبد الرحمن! والله! لقد لنت للنَّاس حتَّى خشيت الله في اللِّين، ثم اشتددت عليهم حتَّى خفت الله في الشدَّة، فأين المخرج؟ فقام عبد الرحمن يبكي، ويجرُّ إِزاره، ويقول بيده: أفٍّ لهم بعدك! أفٍّ لهم بعدك! وعن عمر بن مرَّة، (الحنبلي،2000،ج1، ص273) قال: لقي رجلٌ من قريش عمر، فقال: لِنْ لنا، فقد ملأت قلوبنا مهابةً ! فقال: أفي ذلك ظلمٌ؟ قال: لا. قال: فزادني الله في صدوركم مهابةً.
وحدَّث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ فقال: مكثت سنةً وأنا أريد أن أسأل عمر ـ رضي الله عنه ـ عن ايةٍ، فلا أستطيع أن أسأله هيبةً. وعن عكرمة مولى ابن عبَّاسٍ: أن حجَّاماً كان يقصُّ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وكان رجلاً مهيباً، فتنحنح عمر، فأحدث الحجَّام، فأمر له عمر بأربعين درهماً، (ابن الجوزي،2001،ص 135) وكان عندما يرى شدَّة هيبته في نفوس النَّاس يقول: اللهم تعلم أنِّي منك أشدُّ فرقاً منهم منِّي!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مراجع البحث:
- علي محمد الصلابي، عمر ابن الخطاب، شخصيته وعصره، دار ابن كثير، 1424ه-2003صص176-178
- يوسف بن الحسن بن عبد الهادي الدِّمشقي الصَّالحي الحنبلي، محض الصَّواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب، دار أضواء السَّلف، الرِّياض، الطَّبعة الأولى 1420 هـ 2000 م.
- أبو الفرج عبد الرَّحمن بن الجوزي، مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب دار الكتاب العربي، بيروت ـ الطَّبعة الرَّابعة 1422 هـ 2001 م.
- أبي الحسن النَّدوي، سيرة أمير المؤمنين، دار القلم، دمشق، الطَّبعة الثَّانية 1419 هـ 1998 م.
- الشَّيخان أبو بكر، وعمر برواية البلاذري في أنساب الأشراف، تحقيق د. إِحسان صدقي العمد، المؤتمن للنَّشر، السُّعوديَّة ـ الطَّبعة الثَّالثة 1418 هـ 1997 م