البحث

التفاصيل

أسباب تحريم بعض البيوع (3) سلسلة التفـقّه في البيوع

الرابط المختصر :

أسباب تحريم بعض البيوع (3) سلسلة التفـقّه في البيوع

بقلم: د. أحمد الإدريسي

 

إن نظرة الإسلام للعمل والاستثمار والعقود هي نظرة واضحة، حيث بيّن الطرق المباحة الجائزة للعمل والاستثمار وهي كثيرة؛ لأن الأصل في المعاملات الحل والجواز. أما الطرق المحرَّمة الممنوعة في الاستثمار، فهي محصورة ومحدَّدة نبَّه القرآن الكريم والسنة المطهَّرة إليها، وعلماؤنا ليتجنَّبها الناس.

 

وقد اهتم العلماء، فقهاء وأصوليون، بالبحث في أسباب تحريم بعض البيوع، وذلك بعد استقراء النصوص وضبط مقاصد الشريعة، وتقعيد القواعد الشرعية. وعلى هذا الأساس جمعوا أسباب تحريم عقود البيوع، وحصروها فيما يلي:

 

الأول: أن يكون المعقود عليه محرما أو نجسا، والقاعدة العامة هنا أن كل أمر حرمه الله تعالى، فقد حرم ثمنه ، ومن الأمثلة على ذلك تحريم بيع الكلب والدم، والأصنام ومهر البغي وحلوان الكاهن، فعن جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس، فقال: “هو حرام”، ثم قال صلى الله عليه وسلم عند ذلك: “قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه”)[1].

ويدخل في هذا أيضا تحريم بيع المعزة الشامية وهي منشرة مؤخرا في الخليج، وهذا نوع من ولع النفس بالباطل، يمارسه أهل الترف والتبذير والإسراف، مثل اللعب في الحمام والطير والتيس، وقد يصل أحيانا سعر التيس، أو الطير إلى مليون ريال، فمثل هذا سفه وإسراف محرم، والرجل إذا كان يشتري بهيمة بمثل هذا المبلغ الكبير لمجرد التباهي والتفاخر فهو سفيه يجب الحجر عليه.

الثاني: أن يشتمل البيع على مال يملكه الإنسان، مثل بيع سلعة عند غيره، وبيع الأعضاء البشرية، وغير ذلك، ولكن يجوز التبرع بالأعضاء البشرية بشرط أن يكون المتبرع له مضطرا تتوقف حياته على زرع العضو، وأن لا يُـعرض المتبرع حياته للخطر بسبب التبرع فإن الله تعالى قال: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، فإن كان المأخوذ منه العضو ميتا، يشترط أن تتوقف حياة المريض على أخذ العضو من الميت.

الثالث: أن يكون العقد ذريعة للوقوع في الحرام، مثل البيع وقت صلاة الجمعة، وبيع الخمر لمن يتخذه خمرا، وبيع السلاح زمن الفتنة.

الرابع: أن يشتمل البيع على الربا، أو أن يشتمل على حيلة على الربا، أو ذرائع إلى الربا مثل بيع العينة[2].

الخامس: أن يكون العقد يشتمل على غرر مثل القمار والميسر.

ومن الأمثلة: بيع ما لا يقدر البائع على تسليمه كبيع السمك في الماء والطير في الهواء.

ويدخل في هذا بيوع ورد النهي عنها، لما فيها من الغرر أو كانت عاقبتها مجهولةً، ومنها:

– بيع الملامسة، وهو أن يتبايعان الثوب باللمس من الظاهر دون نشره ومعرفة ما فيه.

– وبيع المنابذة، وهو أن يقول ألق إليّ ما معك وألقي إليك مع معي ويكون بيعا.

– وبيع المحاقلة، وهو بيع الطعام في سنبله.

– بيع المخاضرة، وهو أن يبيع الثمار وهي مخضرة لم تبين صلاحها بعد.

– بيع حبل الحبلة، وهو أن يبيع لحم الجزور بثمن مؤجل إلى أن يلد ولد الناقة. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كَان أهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لُحُومَ الجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الحَبَلَةِ. قال: وَحَبَلُ الحَبَلَةِ أنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِي نُتِجَتْ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِك)[3].

– بيع المعاومة، وهو بيع الشجر أعواما كثيرة.

ومن الأمثلة المعاصرة؛ بيع اللؤلؤ في المحار قبل فتحه، وصورته أن يشتري الرجل كيسا كبيرا مليئا بالمحار، راجيا أن يصيب اللؤلؤ فيه، فإن لم يجد شيئا خسر ماله، وقد يجد محارة فيها لؤلؤة، قيمتها أضعاف عشرة أكياس.

السادس: أن يكون العقد مشتملا على الضرر، ومن أمثلته؛ الاحتكار، وبيع المسلم على بيع أخيه، والغش، وهذه واضحة، ومن ذلك أيضا:

– النجش، ومعناه أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليخدع من يريد، ويكون ذلك في بيع المزاد.

– بيع حاضر لباد، ومعناه أن يأتي من يسكن البادية إلى المدينة يريد أن يبيع السلعة بسعر الوقت، فيقول له الحاضر، دعها عندي وأبيعها لك على التدريج بأغلى، فيكون في ذلك ضرر على الناس. وقد ورد حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد)[4].

 

– تلقي الركبان، ومعناه؛ النهي عن تلقي من يجلب البضائع إلى البلد من خارجها، بل يتركوه حتى يصل إلى السوق، ويعرف الأسعار فينتفع هو، وينتفع الناس. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلـــم: “لا تلقوا الركبان”[5].

فلا يجوز أن يتدخل بعض التجار، فيتلقون الجالبين للسلع، خارج البلدة، ثم يشترون منهم، فيضرونهم من جهة أن الجالبين لا يعرفون سعر السوق، ويضرون الناس من جهة أنهم يتدخلون في السعر،

السابع: أن يشتمل العقد على ما يجب بذله ولا يجوز للمسلم المعاوضة عليه، مثل بيع الماء حيث يشترك الناس فيه، والكلأ، والنار، وزاد بعض علمائنا البيع الذي يشمل على ما لا نفع فيه، ومثلوا له ببيع السنور[6]، لأنه صح النهي عن بيعه في صحيح مسلم، وكل ما ورد النهي عن بيعه لأنه يجب بذله، فلا يجوز أن يعقد عليه عقد البيع، ومن الأمثلة على هذا أن شيخ الإسلام ابن تيمية سئل عن قوم ينقلون النحل من بلد إلى بلد، فهل يحل لأهل البلد أن يأخذوا منهم أجرة ما جنته النحل عندهم؟ فأجاب رحمه الله:

(الحمد لله؛ لا حق على أهل النحل لأهل الأرض التي يجنى منها، فإن ذلك لا ينقص من ملكهم شيئا، ولكن العسل من الطلول التي هي من المباحات، وهذه الطلول هي أحق بالذل من الكلأ، فإن هذه الطلول لا يمكن أن يجمعها إلا النحل، ولكن إذا كان لصاحب الأرض فنحله أحق بالحناء في أرضه، فإذا كان جنى تلك النحل تضر بـــه، فله المنع من ذلك، والله أعلم)[7].

والحمد لله رب العالمين.

 

[1] – رواه الأئمة؛ البخاري ومسلم والنسائي، وغيرهم.

[2] – وهي أن يبيع السلعة إلى أجل ثم يعود فيشتريها بسعر أقل حاضرا ممن باعه.

[3] – حديث متفق عليه.

[4] – رواه البخاري ومسلم.

[5] – حديث متفق عليه.

[6] – السنور: هو الهر أو القط.

[7] – مجموع الفتاوى، ج:29 / ص:220.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* د. أحمد الإدريسي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

* (1) وجوب التفقّه في المعاملات | سلسلة التفـقّه في البيوع

* (2) بيوع الغرر والجهالة | سلسلة التفـقّه في البيوع





السابق
حرق المصحف الشريف عرض لمرض عضال!

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع