البحث

التفاصيل

السلم والقتال

الرابط المختصر :

السلم والقتال

القتال: 

القتال: مصدر الفعل الرباعي "قاتل" ومثله جادل وخاصم وشارك. فــ"قاتل" جمعها "قتلة" "ومقاتل" جمعها مقاتلون، من فعل "قاتَل" والقتال مفردة قرآنية وردت مشتقاتها 71 موضعا في المصحف.

والقتال: موقف تصادمي بين الطرفين. وإذا كان من طرف واحد يسمى قَتْلاً لا قِتالًا. {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواشَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (216 بقرة) الكُرْهُ بضم الكاف اي الكره والكراهية الفطرية. اي ثقيل على نفس البشرية. وصيغة "وكُتِبَ" تقتضي الوجوب التكليفي على القادرين. والقتال ركن من اركان الإيمان. ولكن القتال ليس الجهاد، وليس الغزو، كما فهمه البعض. لأن الجهاد يشمل العشرات من المجالات كالسعي في طلب العلم والرزق والوقوف في وجه المغريات، وعانات الولادة مما ليس له علاقة بالقتل، بل قسم من الجهاد قد يؤل الى القتال.

وأن القتال (الجهاد) من اركان الإيمان، لأنه ليس من الفطرة. انما هو تكليف. القتال الذي فرض على المؤمنين {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} هو لتكون كلمة الله هي العليا. وكلمة الله العليا، التي سبقت للناس اجمعين، هي الحرية. مطيعين وعصاة. بأنهم عباده، يطيعونه بملء ارادتهم، ويعصونه بملء إرادتهم أحراراً. وعلى هذا الاختيار يحاسبون. لذا فإن أساس الأسس في اي وعي جمعي، وفي أي مجتمع يريد بناء دولة، هي الحرية. كلمة الله العليا، كلما ازدادت الحرية في الدولة ازدادت التقرب الى الدين. والحرية ليست فطرية إنما هي معرفة، الصدق فطري، والكذب مكتسب.

إن چورچيل (الجنرال الإنكليزي) في الحرب العلمية الثانية ما اراد ان يحارب هتلر في البداية، وتلقى الحرب شراً لشعبه، وبعد فوات الاوان ندم كثيراً لتأخر دخوله في الحرب. ربما لو دخل الحرب مبكرا لما خسر، إنه كَرَهَ شيئا كان خيراً لشعبه وهو لم يعلمه. هذه الآية محكمة. تفصيل هذا المحكم هو:

{أَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ} (ما قال تحاربون لان الهدف عدم حصول الحرب. بل هو الزجر) {عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (60 أنفال) {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (195 بقرة.)  وإذا كنتم ضعفاء احذروا من الحرب ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة. {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (75 النساء) 

الخطاب للجمع ولكن كيفية القيام بهذه العملية ليست كما كان في القرن العاشر. اليوم الدول تقوم بهذا الشيء. 

 

الجهاد:

الجهاد مصدر فعل الرباعي (جاهد) عل وزن (فاعَل) كالجدال والقتال والخصام. وقول من قال ثلاثي وألف المشاركة زائدة من الجهد فعندي ليس بصحيح. ولعل أحسن التعريف نجده في حديث النبي (ص) قال لأصحابه: {قدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. قالوا وما الجهاد الأكبر؟  قال: مجاهدة العبد هواه} (رواه البيهقي) هنا ذكر الجهاد في غير ساحة القتال.

وفي كتب الفقه الجهاد: هو "قتال الكفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله" حصروا الجهاد بالغزو وحولوا القتال الى القتل لمصلحة الحكام. وحملوا الآيات المخالفة له على انها منسوخة. وقالوا: 120 آية من القرآن نسخت بآية السيف، وهي: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} (البراءة 191) مع أنه لا يوجد نسخ في الرسالة الواحدة، بل النسخ تكون بين الرسالات. فإنها من قصص المحمدي لا يؤخذ منها احكام، بل هي للعبرة فقط. فهي تَعْرِضُ لنا الحَدَثَ تاريخيا في حينه. فالقتال عام والقتل خاص. كيف يفسرون جهاد الأولاد مع الوالدين، هل يقاتلونهم؟ (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (15 لقمان)

إن آيات القتال والجهاد إذا رُتـِلتْ بمواضعها وجمعت المعاني يرى جليا أن الجهاد هو القتال ضد الظلم والظالمين مسلمين كانوا او غير مسلمين. (فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (بقرة 193)

وعبارة "فِي سَبِيلِ اللَّهِ" وردت في المصحف سبعين مرة. واقترنت في هذه المواضع بالقتال حينا وبالإنفاق حينا وبالجهاد والهجرة تارة وبالضرب في الأرض تارة أخرى. لكنها لا تخرج عن معنى واحد وهو: "ضمن طريق الله ووفقا لمنهجه" مثالا: فالإنفاق لا يكون في سبيل الله الا إذا وافق منهج الله بعيدا من الحرام. والضرب في سبيل الله لا يكون في سبيل الله الا إذا كان في طريق رباني مثل طلب العلم وطلب رزق العيال وآية (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) تشير الى طلب الرزق كالتجارة لا الى القتال.

ومن الغريب أن أصحاب التراث (كتب السّيرة والفقه) سمو حروب الرسول (ص) بالغزوات. مع أنها كانت كلها دفاعية. لأن للغزو معنى سلبي. فيه هجوم على الأبرياء. فنقول ان هتلر غزا اوروبا ولا نقول حارب. وهذا الفكر السياسي بدأ من عثمان بن عفان في الأمويين حتى وصل الى عبد الرحمن الداخل بين أمراء المروانيين والسفيانيين. تحول الجهاد الى خدمة السياسة وتحول الشهيد الى العسكري يسقط في دار المعركة دفاعا عن النظام. والدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة تحولت الى سلب أموال الناس ونهب الممتلكات وهتك الأعراض. 

 القتال يكون لهدفين:

 1-القتال في الدين:

{لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ..الخ} (8-9 الممتحنة)                 وهو القتال في سبيل الله، وهو في سبيل ان تكون كلمة الله هي العليا، وهي لا إكراه في الدين، هو القتال لرفع الظلم على الحرية للناس التي هي كلمة الله التي سبقت على أهل الأرض جميعًا. الحرية هي الشكل الوحيد للتعبد الى الله. هذا الجهاد جاء لأتباع أمة محمد (ص). تكليفا ولم يجيء الى غيرهم. وهو القتال ضد الاستبداد ورفع الإكراه عن الناس بغض النظر عن معتقداتهم وسياستهم. ولا يجوز قتال الأمم والملل بحجة انهم غير مؤمنين. فهذا القتال لرفع الظلم عن حرية الآخرين وعلى رأسها حرية اختيار العقيدة. (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) والإكراه مرفوض، لقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس99).  

قال ابن تيميه: [إن الله أمر بقتال الكفار ليس لأنهم كفار ولكنهم اعتدوا، فالعدوان لا الكفر هو سبب القتال، والله أمرنا بعدم إكراه أحد على الإسلام، {لا إكراه في الدين} (257 بقرة) وأمرنا بالقتال لرد العدوان فقط {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} (190 البقرة)، ولو كان القتال غايته أن يُسلم الكافر لكان هذا أعظم الإكراه على الدين.]

2- والقتال لدفع الإخراج من الدار والديار:

كقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ} (الحج 40). أذن الله تعالى القتال ضد الذين يخرجون الناس من ديارهم. وكقوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} الإخراج من الديار بالطرد أو النفي {وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ} المساعدة على الإخراج من الديار بالتحريض، كأن يضغط عليهم دينيا، أو سياسيا أو اقتصاديا حتى يملّوا من الأوضاع ويطّروا الخروج {أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (9 الممتحنة). نهانا الله من الذين يقاتلوننا في الدين ويخرجونا من ديارنا أو يساعدوا في الإخراج، أن نوليهم ونطيعهم والا كنا ظالمين. وهذ النوع من القتال ايضا قتال في سبيل الله، أذن الله به لإقامة العدل على الأرض. {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (25 الحديد) 

إن القتال دفع للظالم ودفاع عن المظلوم بغض النـظر عن الدين. فالدين في الـدنيا مبني على قاعـدة "الدين المعـاملة". وفي الآخرة مبني على الكفر والإيمان بغض النظر عن شعوبهم ومللهم. ويدخل في هذا القتال دفع الاعتداء من الداخل والخارج على الأنفس، والأموال، والأعراض أو الحريات بكل انواعها. (حرية العمل، والكسب، والتجارة، والتنقل، حرية التعبير حرية العقيدة والشعائر) لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة 194) اي إذا كنتم أقوى منهم فالتقوا الله في المقابلة، أي أنهم لو دمروا بيتا لا تدمروا عشرة بيوت.

 الفرق بين الدار والديار:

الدار: هي قطعة من الارض ما تسمى بمفهوم اليوم الوطن. {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} (31 الرعد) اي مجاورة لحدودهم. والديار: أبنية لها جدران. {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (هود 67) أهلكوا في بيوتهم. قوم ثمود فيئتين: فيئة منهم كانوا يعيشون في الكهوف. فهؤلاء ماتوا بالصيحة (الموج الصوتية) في كهوفهم. كان لها جدران وابواب ولكن بدون نوافذ. والفيئة الثانية كانت تعيش في الارض المستوي له حدود. {تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا..} (الأعراف 74) القصور جاءت من فعل قَصَر إذا وضع احد حدودا على قطعة من الارض واصبحت هذا الارض مقتصرا له، (حور مقصورات في الخيام) فهذه الفيئة أهلكت بدارهم بالزلزال {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (الاعراف 78) أي في وطنهم. هذا الفرق نجده في شعر قيس بن ملوح:

أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى

أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا

وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفْنَ قَلبي

وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا

(قيس بن الملوح والملقب بمجنون ليلى (24 هـ / 645م - 68 هـ / 688)، شاعر غزل عربي، من المتيمين، من أهل نجد. عاش في فترة خلافة مروان بن الحكم).

وحث الله المؤمنين على القتال:

1- {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (75)

2- {‏فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ ‏سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُالثَّوَابِ} (آل عمران ١٩٥) 

3- {ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (85 بقرة)

4- {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (8 الحشر.) 

5- {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (نساء ٦٦)

6- {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (التوبة 111) الذين يقاتلون في سبيل الله لهم الجنة ولكن ما وصفهم الله بالشهيد والشهداء.

قانون الحرب في شريعة موسى: (وعيسى أيضا لان الشرائع عند عيسى كان شريعة موسى). 

في التوراة في سفر الـتـــثــنــيـة: {حينما تقرب لمدينة كي تحاربها استدعيها للصلح. فان اجابتك للصلح وفتحت لك فكل الشعب يكون لك للتسخير يستعبد لك. فان لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها فإذا دفع الرب إلها يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. واما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدية كُلْ غنيمتها فتغنمها لنفسك وتأكل غنيمة اعدائك التي اعطاكها الرب إلهك. هكذا تفعل في المدن البعيدة منك التي ليست من مدن هذه الأمم.}

وعلماء السلاطين نقلوا نفس العبارة من التوراة وأدخلوها في الفقه الموروث. والحقيقة بخلاف ذلك تماما.

وأما الحرب في شريعة محمد (ص) :

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (194 البقرة).  إذا كنتم أقوى منهم اتقوا الله ان تعتدوا عليهم أكثر مما اعتدوا عليكم. 

{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَالشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (76 نساء)

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (190 البقرة). (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} (126 النحل). 

 

السلم:

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (208 بقرة)

{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْيُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاإِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} (90 النساء)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (94 النساء.)  نهى الله تعالى التعامل مع الناس على معيار الكفر والإيمان. ولا يجوز ان نقاتل لإدخال الناس في الدين.  ونهى الله تعالى الجهاد للغنائم. لأنه لأغراض دنيوية وليس لله. المسموح هو التبليغ، وبعد التبليغ والبيان لكل نفس الحرية في الاختيار. وما أدخل في الفقه الموروث في كتب الفقه من فتح المدن، ليس له أصل.

{وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (61 أنفال) السلم اساس المجتمع، والمطلوب من الناس تأسيسه مهما أمكن. {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (25 سبأ) اي لكل حريته ليس هناك تدخل. {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} (رحمن 10) والأرض للجميع من الناس والحيوانات. على الناس مراعات البيئة وحمايتها. {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (7 توبة) التعامل الدولية في السياسة تقتضي المقابلة المثل بالمثل.

[رأي الشيخ مصطفى السباعي:

1- الأصل في علاقتنا مع الشعوب جميعاً، المسالمة والمهادنة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة:208].

2- وهذا السلم سلم متعاونٍ بَنّاء لا سلم منكمش منعزل.

3- وهو تعاون يقوم على احترام عقائد الشعوب وحرياتها وأموالها وكرامتها (لا إكراه في الدين).

4- وهو تعاون يحمل على الاستفادة من كل ما عند الشعوب من علم وصناعة وحكمة.

وأما الحرب التي يعلنها الإسلام لتأمين السلام العالمي، فهي التي يعبر عنها القرآن بالجهاد في سبيل الله، وهو ليس كما يصوره المتعصبون من الغربيين حرباً دينية لإكراه الناس على الإسلام، فذلك ليس من طبيعة الإسلام الذي أعلن حرية العقيدة، وإنما هو معركة يخوضها الإسلام لتحرير الأمة من العدوان الخارجي، ولتأمين الحرية الدينية والعدالة الاجتماعية لجميع الشعوب]. (السباعي، مصطفى. نظام السلم والحرب في الإسلام. الطبعة الثانية. دار الوراق، 1998)

{ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} (126 النحل) هذا هو الأصل في ستراتجية الدعوة. إن رسول الله استعملها ضد المشركين في مكة. وقال لهم: اذهبوا وأنتم الطلقاء. 

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّافِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} (4 محمد).  الأسير لا يقتل ولا يُجْعل عبيداً بل: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّافِدَاءً}{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (119 هود).  خلقهم لتكون عندهم حرية الاختيار والإختلاف. {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (10 المزمل)

تدريب القتال لازم ان يكون للبقاء حيا ولحماية الناس حيا.  إذا كان التدريب للموت فهو فساد. لا انتحار في الدين. ان رسول الله ما امر به احدا. 

أهداف القتال:

الهدف لأول: إعلاء كلمة الله. (الحرية)

 (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) (40 التوبة) وكلمة الله ليست كلام الله. الكلمة هي الوجود الموضوعي. وجميع الميزات التي اعطاها الله للإنسان العاقل. مثل حرية الاختيار. القتال: لتكون كلمة الله هي العليا ويسقط الظلم وتعلو كلمة الله في الحرية والعدل والمساوات، ورفع الإكراه عن كل الناس بغض النظر عن عقائدهم ومللهم. ولا علاقة له بفتح البلاد قط. وبغض النظر من ان الظالم من امة محمد او من غيرهم. وصدق من قال: "خير للناس من تعيش في ظل حاكم كافر عادل من ان تعيش في ظل حاكم مؤمن مستبد ظالم لأن كفره على نفسه وعدله للعباد". ولكن ثقافـــتــنا الموروثة تقول: "إن كان الحاكم ظالما فعليه الوزر وعليك الصبر وإن كان عادلا فله الأجر وعليك الشكر" والثقافة تقول: سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها. وفي الدولة الديموقراطية السلطان يخاف من الرعية.

وكلمة الله السفلى: كأن تُكرِه الناسَ على شيء ما. خيرا كان او شراً. كان تسوق الناس الى الفساد أو الى الصلاة جبرا او تحجب النساء كرها.

الحرية هي ضد الطاغوت. الطغيان هو الإكراه والضغط. إذا قيل (لا اكراه في الدين) اي عكس الإكراه موجود، وهي الحرية. ونفهم أن القتال في سبيل الله، هو القتال في سبيل (لا اكراه) عموما، وفي سبيل (لا إكراه في الدين) خصوصا. مبدأ (لا إكراه في الدين) في الآية، مرتبط برفع الطغيان (الطاغوت).

هناك عوامل ومرجعيات تؤثر على الحرية، إيجابيا وسلبياً:

الأولى منها: المرجعية المعرفية. كأن يقتنع الناس بمعرفتهم بضرر الشيء او نفعه، فيقومون به بملء ارادتهم، او يتركونه بملء ارادتهم، في الطاعة والمعصية، اي في فعل الطاعة واجتناب المنهيات والحرام. مثلا إذا اقتنع الناس بضرر التدخين، يجتنبون منه بأنفسهم بملء ارادتهم. عمل الغربيون دعاية ثلاثين سنة حتى يقتنع الناس. وبعد ثلاثين سنة حينما منعوا التدخين في الاماكن العامة استقبل إيجابياً، لأنه تشكل عندهم معرفة ووعي بضرره.

الحرية قدس الأقداس بنسبة لكل الناس، يتنازلون عن قسم من حريتهم بملء ارادتهم (الميثاق الاجتماعي) مقابل ان يعيشوا ضمن مجموعة واعية عاقلة، وكلما زاد تحضر الإنسان ورقيه، زاد التزامه الطوعي بالحد من حريته من أجل الآخرين.

الثاني: القيم الأخلاقية التي تراكمت طول تاريخ الأنبياء من المحرمات والمنهيات. كمفهوم العدل، والوفاء بالعهود والعقود وكسوء الكذب والسرقة واكل اموال الناس الخ... تشكل عند الناس القبول بالقيم الإنسانية، والالتزام بموجبها.   

الثالث: الاجتماعية. كلمة عيب. مثلا إذا عمل وليمة يلتزم نفسه بأشياء حسب منصبه. يقول لا يليق لي الا إذا كان كذا وكذا وإلا فهو عيب. من العادات والتقاليد. احيانا يعيش الناس تحت ضغط حتى لا يتكلم الناس عليهم.

الرابع: المرجعية الجمالية. واحد في سن السبعينات لا يلبس شورت في الشارع. ضغط بحسب السن والموقع والمكان في اللباس والزينة.

الخامسة: السلطة السياسية تتغط على الحرية أو تسمح بها.

الهدف الثاني: دفع الفساد من الأرض. {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} الدفع من التدافع، فعل رباعي لا من الدفع الثلاثي الذي يحتاج الى فاعل ومفعول به. والتدافع له فاعلان ومفعول بهما. هنا الطرف الأول {بَعْضَهُمْ} والطرف الثاني {بِبَعْضٍ} وهو التدافع الفطري. لأن القتال موقف تصادمي ويحكمه العنف ويحتكم فيه السلاح. ولا يكون الا في ساحات المعارك. وقد يقع ضحايا من قتلى وجرحى.

وأما التدافع (التنافس أو قوة مقابل قوة) مختلف تماما. نجده في المستشفيات والمستوصفات (المدافعة المدنية) ونجده في الأسواق التجارية بالمساهمة على الأسعار ونجد في ملاعب الكرة لأخذ الكأس. ونجده في المحاكم كل طرف يدافع عن حقه. ونجده بين الأحزاب السياسية وبين شريكات التجارية.  وقد يقع الحرب نتيجة التدافع. إذا تناقضت المصالح أو إذا لم يكن حلها سلميا. ومعظم الحروب حصلت من هذا التدافع. {لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} اي لولا التدافع في المصالح الدنيوية ستـــؤول الحياة الى الفساد. فأما فساد الأرض هو فساد مجازي. والمقصود من الأرض الكون بدليل قوله تعالى {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (251 بقرة) اي لولا تدافع الناس في مجالات الحياة الذي أوجده الله تكويــنــياً عند خلقه لفسدت المصالح المادية لأهل الأرض في الكون.

الهدف لثالث: حفظ بيوت الله من ان تُهدَم.  {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج 40) لو لم تكن التدافع بين الملل لهدمت المعابد. هذه الآية تعطي حرية العقيدة وتمنع هدم بيوت الله من ان يذكر فيه اسمه بإحراقها او تخريبها. هذا الدفع والدفاع يجعل الناس يتراجعون في الطغيان. وهذا رحمة من الله لحرية الناس. وإذا حصل الهدم نتيجة التدافع لا تكن في سبيل الله.  ولذلك لم يسمح الله الأغلبــيــة في العالم للديانة الواحدة. وما سامح للمؤمنين ان تكون عندهم الأغلبــيــة. لو كان المسلمون ثمانين في المئة من الكرة الأرضية لهدموا المعابد كلها. الإكراه مرفوض لقوله تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس99)

فأما مفسدات القتال: كما أن لصدقات مفسدات. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} فهكذا للقتال في سبيل الله أيضا مفسدات، ومفسدات القتال هي:

1- الفرار من الحرب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (سمي العدو كافرا مع انه قد يكون العدو مسلما ظالما؟ لأن المقابل في المعارك يسمى كافرا. أي انه كفر برأي الآخر وموقه. أصحاب أمّنا عائشة رضي الله عنها كانوا كافرين بنسبة عليّ رضي الله عنه. لأنهم رفضوا موقف علي) {زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} (انما سمي الفرار "تولي الأدبار" لأنه قد يكون تراجعا للترتيب ليس للفر) {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (الأنفال 16) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (أنفال45)

2- التكاتف في المعركة وعدم التفرق. {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (4 الصف) {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (46 الأنفال) (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران 103)

3- إذا اَعْرَضَ طرف من القتال فعليهم الاعتزال من القتال: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} (90 النساء) لأن القتال بين الطرفين. إذا سقط طرف من القتال سقطت المشاركة لأنه يتحول الى قتل. وهذا منهي عنه (نساء 90). إذا طلب طرف الصلح فعلى الطرف الآخر القبول.

4- ألا يبدأ بالقتال. أن يقاتلوا من قاتلهم: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (190 البقرة). {فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة 194). {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} (126 النحل). 

5- البداية بالقتال ضد الظلم {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (بقرة 193) إذا كان الظلم موجوداً. لقوله تعالى: {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} بخلاف من قرأ بفتح التاء من "يقاتلون". وهي قراءة حفص وعاصم وابن عباس. والذين قرؤا بكسر التاء حمزة كسّائ عليّ ابن ابي طالب ابن الكثير واهل الكوفة. وهذا أصح عقلا. لأنه إذا كان بفتح التاء لا يحتاج الى الإذن في قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} لأن المدافعة فطرية مثل الأكل والشرب.

6- عدم القتال على كون العدو ليس من عقيدته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (94 النساء.) الكفر والإيمان ليس سببا للقتال. ولا يجوز ان تقاتل لإدخال الناس في الدين.  والجهاد ليس للغنائم وللأغراض الدنيوية. لأن حساب الأيمان والكفر عند الله يوم القيامة.

 

عبد الرحمن شط

 هنوفر / المانيا

21/03/ 2007

 

 

 


: الأوسمة



التالي
فقه النوازل
السابق
النظام النَّقديّ ومستقبل الاقتصاد العالميّ

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع