البحث

التفاصيل

  قانون الجدل والتناقضات في القرآن بقلم عبد الرحمن شط 

الرابط المختصر :

قانون الجدل والتناقضات في القرآن
موضوع الفلسفة الكبرى التي اشغلت الفيلسوفين خلال التاريخ هو: هل للأشياء حقيقة أم خيالية، هل الشيء نفسه أو غير نفسه؟ والقرآن اجاب عن هذه الأسئلة، وقال نعم هي حقيقة.. كقوله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (لقمان 30) اي وجود الله حقيقة (1) له وجود موضوعي، وان ما يدعونه من الآلهة، ليس لها وجود موضوعي بل هي باطلة اي وهمية وخيالية. والموجودات في الأرض وفي السماء ايضا حق: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ} (انعام 73).  
اي ما ترونه في الكون حقيقة. وقوله تعالى لشيء كن فيكون يتحول العدم الى الوجود. وقوله تعالى أيضا حق يتحقق. إن الله لم يقل لنا صوموا أو صلوا بل أمرنا بالصوم والصلاة، لو قال صوموا لما استطاعة أحد أن يفطر، لأن قوله يتحقق. مخالفة الأمر ممكن، ولكن مخالفة القول غير ممكن. {قَوْلُهُ الْحَقُّ} رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار}ِ (191 ال عمران). الخلق حقيقة ليس وهم.  

الجدل:
وهو لغة امتداد الخصومة ومراجعة الكلام. {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (54 كهف).  أكثر لا أكبر، يدل على كثرة الأنواع الجدل. 

1- جدلية التناقضات في الشيء الواحد (جدل داخلي) وهو التطور والتغير المستمرين في هذا الكون. الحركة الجدلية الداخلية. ما أطلق عليه مصطلح النفي ونفي النفي. وقد وأطلق عليها القرآن مصطلح التسبيح: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (44 الإسراء). {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1 الحديد)، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (1 الجمعة). والتسبيح جائت من سبح. وهو الحركة المستمرة. هذا الصراع يؤدي الى التغير في لأشياء. وينتج عنه ان الموت حق والله حق. {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (88 القصص). وسيبقى هذا القانون سائدا حتى يهلك الكون. وقولنا سبحان الله في صلاتنا، هو اقرار العاقل بقانون التطور والهلاك. {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (الصافات 144) اَي لو لم يكن من المعترفين بالهلاك... التسبيح في أشياء الحي هو الموت. لان هلاكه يكون بالموت. والتسبيح في غير الأحياء يكون بالتغير. إذا قلنا سبحان الله، معناه ان الله منزه مما نحن فيه من الفناء والهلاك والعيوب.  عندما يقارن الله مع غيره من الأشياء يقال سبحان الله {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} (116 يونس).  {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ} (57 النحل). 

ولقد عبر القرآن عن قانون الصراع الداخلي بصيغة. مخلقة وغير مخلقة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} (الحج 5) (أضداد) المضغة اَي التكاثر فيها، اما مخلقة أو غير مخلقة. اَي بعض من الخلايا مخلقة صحيحة صحيّة، وبعضها غير مخلقة مريضة سرطانية تهلك. يعني كل شيء يتطور ويهلك. في كل لحظة في بدن الإنسان صراعين، خلايا المخلقة وغير المخلقة. إذا غلبت الغير المخلقة يصبح مريض السرطان. كل شيء متحرك بالجدل بنفسه، كالذرات، التناقضات كونترادكشن. contradiction في الأشياء. نتيجة الصراع الداخلي للمتناقضات في الشيء نفسه. فبدأت الحياة من نطفة واحدة "خلية" وتطورت بعملية جدلية، أدت باستمرار الى تغيير الشكل الخلقي، حتى ظهر البشر غير العاقل. ثم الإنسان العاقل. {وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ} (29 الشورى). أي فرق وأظهر. الانتشار والتغير عن طريق البث. 

وفي النخيل "وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ" صنوان: اي متقاربة تتحرك باتجاه التطور كي تتحول الى غير متقاربة - غير صنوان. {مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} {وجَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} متناقضين داخليا. صيغة (هو وغير هو) التجاذب والتنابذ عن تناقض مسمر، يؤدي الى حركة ضمن الشيء، ينجم عنها تغير مستمر لشكل الشيء، أي هلاك شكل، وولادة شكل جديد. 

 2- جدلية الأزواج التأثير والتأثر المتبادل بين الاشياء يفضي الى تلاؤمهما. جدل تلاؤم الزوجين (جدل خارجي) ورد مصطلح الزوج في آيات عديدة. {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ} (45 النجم). الذكر زوج الأنثى، والأنثى زوج الذكر. الزوج في اللغة مقارنة شيء لشيء بعلاقة ما. فالمرأة هي زوج إذا كان لها علاقة مع رجل. وقبل الزواج عزبة، وإذا مات زوجها فهي ارملة. {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} (36 يس).
 {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} (12 الزخرف). {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذاريات/ 49) هذا هو قانون التكيف. إن الأشياء في الكون المادي لا يمكن ان تكون منعزلة بعضها من بعض. علاقة ثنائية تقابلي يتميز عن الضدين. فالضدان لا يلتقيان ولا يوجدان معا. 

وجدل الأزواج: يكون في الأشياء، وفي الشيئ الواحد. هو التأثير والتأثر المتبادل. قانون التكيف المتبادل.  الانسان يتأثر من الطبيعة. ويتكيف بها بالجدل المتبادل. ويكون بين اثنين. بين ذكر وأنثى، وبين الناس والطبيعة، وبين الإنسان والأشياء، وبين الفكرين، وبين كل اثنين متلازمين. الحرية تؤثر على الأحادية. الدنيا تجذب القمر، والقمر تصنع المد والجزر. الأزواج في الأشياء الأضداد في ظواهر الأشياء كالليل والنهار، الحق والباطل. الغنى والفقر، القبض والبسط

3- جدلية الاضداد 
ا- في ظواهر الاشياء. بين ظاهرتين لا تلتقيان أبدًا. اذ ينفي وجود الواحد وجود الأخرى بالضرورة. كالليل والنهار، الفجور والتقوى، الهداية والضلالة. 
ب- في السلوك: كـقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا} (56 كهف) الجدل بين الرسل وبين الكافرين في السلوك. منطلق الرسل هو الحقيقة، ومنطلق الكافرين هو الوهم. 

قانون المتناقضات (الأضداد) 
الليل والنهار، الظلومات والنور، الأعمى والبصير، الغنى والفقير.  هذه الظاهرة لها شيء تجمعها. الليل والنهار يجمعها اليوم. الأعمى والبصر تجمعها العين.  المنطق يتطور بالتساؤلات الفرضية. الا رأيتية. (أرأيت لو كان كذا وكذا؟) بالأسئلة الفرضية يتوسع ساحة العلم حول الكون والتناقضات.. 

4- الجدل الفكري , ان المعرفة الإنسانية تنطلق من صراع المتناقضات الداخلي.  ان النقيضين غير الماديين الذين يعملان في الدماغ "الرحمن والشيطان" - الحقيقة والوهم- فهناك موقف رحماني (صادق حقيقي) في امر ما. وموقف شيطاني (كاذب وهمي) في الامر نفسه. {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} (45 مريم). فالفؤاد الرحماني هو الذي يثبت الصورة الحقيقية للأشياء مع مسمياتها. والفؤاد الشيطاني هو الذي يعطي صورة وهمية للمسميات. ومن هنا ظهر شيء اسمه وهم. لا يوجد في الخارج شيء اسمه وهم. والأوهام في الفكر الإنساني فقط. {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (98 النحل). (القرائة ليست التلاوة. بل الدراسة) اي فالشيطان يحوِّل فهم آيات القرآن من فهم مادي رحماني الى فهم وهمي مثالي شيطاني. هذا الجدل يكون بين الحق والباطل (الحقيقة والوهم) في الفكر الإنساني ملتبسا في علاقة جدلية لا تتوقف، بحيث يفرز الحق عن الباطل لفترة معينة، ثم يعود هذا الالتباس من جديد بأشكال جديدة فيحتاج الى فك جديد. كمثل الماء المتلوث يحتاج الى فرز وتنقية صافية.  {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (42 البقرة) 
قال النبي (ص) "الحلال بين والحرام بين". ولكن لم يقول: "الحق بين والباطل بين".  الزنا يفهمه ابو بكر كما نفهمه نحن. أما الأوهام التي كانت عند ابو بكرٍ والانتقال من الوهم الى الحقيقة يختلف تماما عن الأوهام التي نعيشها اليوم. لأن معرفة الإنسانية تطورت. فالمعرفة الإنسانية تبدأ بالمشخص الجزئي وتنتهي بالمجرد العقلي "القانون الكلي" انتقال مستمر من عالم الغيب الى عالم الشهادة. هذا يجري بين نقيضين في الدماغ الأنساني الذي يقوم على صراع بينهما في اتجاهين.  وقد ينتهي بإصدار حكم بتأييد أحدهما والغاء الآخر. تغليب عاطفي او عقلي.  ويتجلى في نفس الانسانية. كحب شيءٍ أو بغضه. فعل الشيء أو تركه. 

الحوار:
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (المجادلة 1)   هي ليست ضده. وهو تحاور بين اثنين ليس أضداد. كمناقشة علمية او تضاد في موضوع ما في مجلس البرلمان والشورى، ليصلوا الى أخذ قرار. 
الخطاب:
{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} (37 هود). الخطاب من طرف واحد.  
والجدل في الطبيعة: هو جدل البقاء والهلاك في الشيء الواحد. الحياة والممات. والظفر دائما للهلاك. الطبيعة متغيرة في كل سانية الى الهلاك. والله منزه من هذا النوع من الجدل.  عندما تذكر هذه الأشياء ويقارن الله بها، نزه الله ان يكون مثلها، ونقول سبحان الله. تسبح الأشياء هذا الوصف من الله. {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}. اَي ليس كمثله شيء. {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}.  جدل الأشياء، توارث في نفس الطبيعة والتكيف بالطبيعة. وجدل الناس هو الاعتراف بالفناء لما عدا الله. وقوله (سبحان الله) هو اعتراف العاقل. هو قانون البقاء والهلاك.
{لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (5 الحج). 

عبد الرحمن شط 
هنوفر / المانيا
05/05/2021

(1) المقصود من الحق هنا ضد الباطل (الوهم) ليس بمعنى الصادق. بل بمعنى الوجود الموضوعي حقيقة. وضده ما ليس له وجود موضوعي وهو الباطل. ليس معناه كل باطل شيء سيء. بل لا وجود له في الخارج. مثلا: ان افلام الكارتونية هي وهمية خيالية ليس لها وجود في الخارج، ولكن ربما تكن نافعة  


: الأوسمة



التالي
فتوى  حول بيع الشقق أو الفلل في إحدى الدول العربية من قِبل الدولة لمواطنيها

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع