البحث

التفاصيل

حكم صوم النصف من شعبان وقيامها ومنهجية التأصيل في ذلك

أي مسألة تريد تأصيلها والكلام حولها فإنك تسلك لذلك طرق التأصيل والتنزيل المنهجي المرتب القائم على دقة ومنهجية فائقة. وقد نظرنا في هذه المنهجيات وأرجعناها إلى مراحل سميتها خارطة النظر الفقهي _ مرحلة الأسئلة التأصيلية الخمسة _ مرحلة التأصيل الكلي والجزئي _ مرحلة الانتزاع التعليلي _ مرحلة المنهجية الدلالية لدى الطرق الفقهية والمذاهب لتنظر في المنهجية الموصلة لا فيما تم التوصل إليه . _ مرحلة التقعيد _ مرحلة النظر المصلحي _ مرحلة دوائر الإنتاج _ قاعدة انحصار الحرام وتفصيله _ مرحلة التنزيل ولها عشرة محددات وقد شرحت جميعها في كتاب جعلته مقدمة لموسوعة معالم الاجتهاد في فقه العصر (خارطة النظر الفقهي ) وكتبت حولها كثيرا من المقالات والقراءات

..........

والآن أبين فقط كيفية إعمال التأصيل الكلي في مسألة صوم النصف من شعبان فمن المعلوم أن النصوص في الصوم والترغيب فيه لا تحصى فهو من الأعمال الصالحة لذلك ندب الشرع إليه وجعل منه الفرض والنفل وخص بعض الأيام بالفضائل كرمضان وعاشورا والست وعرفة والبيض والاثنين والخميس. وترك البقية على أصل المشروعية وعلى أصل الفضل العام والكلي والندب. وبين النبي صلى الله عليه وسلم في باب الصوم أن أفضله أن يصوم يوما ويفطر يوما مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك أبدا طوال حياته رحمة بأمته أن تقتدي به في ذلك . فتبين أن باب الترك في الصوم مبني على هذا. فمن أراد بلوغ الغاية صام يوما وأفطر يوما فهذا أصل الشرع في الصوم المباح

................

وكره الشرع أنواعا من الصوم منها صوم الدهر سوى العيدين والتشريق وعلتها ما ينال الصائم من المشقة والضعف وهذه علة منصوصة في الصحيحين : عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((قال لي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّك لتصومُ الدَّهرَ وتَقومُ اللَّيلَ؟ فقُلتُ: نعم. قال: إنَّك إذا فَعلْتَ ذلك هَجَمتْ له العَينُ، ونَفِهَت له النَّفسُ، لا صام مَن صامَ الدَّهرَ، صومُ ثلاثةِ أيَّامٍ صَومُ الدَّهرِ كُلِّه. قلتُ: فإنِّي أُطيقُ أكثَرَ من ذلك. قال: فصُمْ صَومَ داودَ عليه السَّلامُ؛ كان يصومُ يومًا ويُفطِرُ يومًا، ولا يَفِرُّ إذا لاقَى )) ولأجل هذه العلة المنصوصة فهم الفقهاء أن النهي ليس للتحريم بل للإرشاد إلى ما هو أفضل وأحب في الشرع. وقد أصابوا في ذلك : وهذا ما جنح إليه الحَنَفيَّة، وقولٌ عند المالكيَّة، وقولٌ عند الشَّافِعيَّة وقولٌ لبعض الحَنابِلة، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّةَ، وابنِ القَيِّمِ والشَّوكانيِّ وقيد الكراهة الشافعية بمن أصابه ضرر قال النووي في المجموع 6/442 : ( وحاصل حكمه عندنا أنه إن خاف ضررًا أو فوت حقًّا بصيام الدهر كره له، وإن لم يخف ضررًا ولم يفوت حقًّا لم يكره، هذا هو الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به المصنف والجمهور. انتهى وعليه فالمحرم إنما هو من صام الأبد مع العيدين والتشريق. وعليه حمل النهي عن ذلك في أحاديث . ........................

وقسم آخر من الصوم : وهو الحرام بلا خلاف وهو صوم العيدين لحديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أنه قَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الْآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. رواه البخاري وحكى ابن عبد البر الاجماع في حرمة صوم التشريق ونقله ابن قدامة عن الأكثر بدليل ما جاء عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قالا : ( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ) رواه البخاري وورد النهي عن صيام يوم الشك وورد النهي عن إفراد الجمعة كما في الصحيحين وأما ما ورد من حديث في المنع من إفراد السبت بصيام فلا يصح وبسط كل هذا في موضعه ومقصودنا الآن بيان التأصيل الكلي والجزئي فتحصل من هذه التأصيل : أن الحرام البين هو صيام العيدين على كل حال وما ثبت فيه النهي كالتشريق يليه يوم الشك وعليه فما بقي من الصوم الأصل فيه الترغيب لعموم الأدلة على ذلك ومن هذا صوم النصف من شعبان من غير جزم بسنيتها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الصوم عمل صالح والقيام وتلاوة القرآن عمل صالح والدعاء عمل صالح ولعل هذا المدرك هو ما جعل السلف من الأئمة كالشافعي لا يمنع الدعاء فيها وهو ما حمل مكحول الشامي وبعض تابعيي أهل الشام على قيامها وإحيائها وخالفهم غيرهم .

.............

وأنت ترى أن المسألة ليس فيها نص يحرم على وجه الخصوص ولا ينهى ، ولا يأمر على وجه الخصوص ولا يندب. فدخلت في عموم العمل الصالح وعموم فضل الصوم خاصة وقد وردت فيها سبعة أحاديث لا يخلو أي منها من تضعيف وهو ما جعل البعض يحسنها باعتبار المجموع .

................

وزعم البيهقي أن مرسل مكحول جيد وليس كذلك بل هو مضطرب لا يثبت بين ذلك الدارقطني في العلل وقال أبو حاتم منكر «المسند المصنف المعلل» (24/ 487): وقد ضعف الحديث أئمة الشأن كالبخاري وغيره. فلا منجى من التضعيف إلى كلام البيهقي هذا ما أراه

.. ......

والحاصل أن من أراد أن يصوم ويقوم ويعمل من الصالحات شمله عموم الترغيب بالعمل الصالح وفضل الصيام. ولا نقول أنه بدعة إلا إن اخترع صلاة معينة كصلاة الرغائب وقد نص النووي على بدعيتها وغيره وكل هيئة منكرة من الاحتفالات والصياح واللياح ليست من العبادة . أما مجرد الصوم والتلاوة والقيام فلمن فعل ذلك سلف من السلف وكفى ومن جرحهم وبدعهم فقد أخطأ وبالله التوفيق. #فضل_مراد





التالي
أخطاء يجب ان تصحح
السابق
لجنة التزكية والتعليم الشرعي تصدر 1117 شهادة إجازة في 6 مجالس سماع

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع