أثر قدمي إبراهيم الخليل في حجر المقام
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
بقلم: د. علي محمد الصلابي
إنَّ من آيات الله البينة الباقية على مرّ الأزمان في حرم الله الآمن أثر قدمي نبيه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في ذلك الحجر الكريم {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ}، وقد جعل الله ذلك معجزة له حين قام عليه، وهو حجر صَلد، فلانَ تحت قدميه حتى أصبح كالطّين وغاصت قدماه فيه، ثم لما رفع قدميه عنه خلق الله فيه الصلابة الحجرية مرة أخرى، وبقي أثرهما طاهراً فيه من ذلك العصر - من حوالي خمسة آلاف سنة - إلى يومنا هذا إلى ما شاء الله(1).
وقد كان أثر أصابع وأخمص قدميه الشريفتين في الحجر واضحاً إلى زمن الصحابة رضوان الله عليهم: ففي موطأ ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب، عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت المقام فيه أصابع إبراهيم وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم(2).
وأخرج الطبري في تفسيره من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في تفسير قوله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قال قتادة: إنما أمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه ولقد تكلفت هذه الأمة شيئاً مما تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه، فما زالت هذه الأمة تمسحه حتى اخْلَولَق وانمحى(3).
وإنه يظهر من نص أثر سيدنا أنس رضي الله عنه المتقدم في الموطأ أن أثر الأصابع وأخمص القدمين كان ظاهراً، لكن كاد أن ينمحي بسبب مسح الناس للمقام، ولكن لم يذهب الأثر كلية، فمن عاينه عن قرب شديد وأمعن النظر فيه، ظهر له بعض ذلك الأثر كما ذكر هذا مؤرخ مكة في القرن الرابع عشر الشيخ محمد طاهر الكردي رحمه الله حين فتح المقام ونظر فيه(4).
قال ابن حجر: ولم تزل آثار قدمي إبراهيم عليه السلام حاضرة في المقام معروفة عند أهل الحرم حتى قال أبو طالب - عمّ النبي صلّى الله عليه وسلّم- في قصيدته المشهورة:
وَمَوْطِئِ إِبْراهيمَ في الصَّخْرِ رَطْبَةً
عَلى قَدَمَيْهِ حافِياً غَيْرَ ناعِلِ(5)
ويظهر من أثر القدمين الشريفتين في المقام أن إبراهيم الخليل عليه السلام كان حافياً حين رقى المقام كما هو ظاهر أثر قدميه وكما ذكر أبو طالب في قصيدته(6).
ويقول الشيخ محمد طاهر الكردي المكي - رحمه الله - بعد فتحه للمقام وإمعان النظر في موضع قدمي إبراهيم الخليل عليه السّلام، وقياسه لذلك: والذي نستنتج من رؤيتنا للقدمين الشريفتين أن طول سيدنا إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه، هو كطول الرجل العادي في زماننا - القرن الرابع عشر- لا بالطويل ولا بالقصير.
ولذلك كان نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم يشبه جده إبراهيم عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام، ففي صحيح البخاري قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الإسراء في وصف سيدنا إبراهيم عليه السلام: ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به(7).
وفي طبقات ابن سعد عند ذكر خبر كفالة عبد المطلب للنبي صلّى الله عليه وسلّم قال ابن سعد: وقال قوم من بني مدلج(لعبد المطلب - جد النبي صلّى الله عليه وسلّم- احتفظ به- أي: بالنبي صلّى الله عليه وسلّم - فإنّا لم نرَ قدماً أشبه بالقدم التي في المقام - مقام إبراهيم- منه(9).
مراجع الحلقة السابعة والثلاثون بعد المائتين:
(1) فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم، سائد بكداش، ص108.
(2) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، (8/169)، وسكت عنه.
(3) فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم، سائد بكداش، ص113.
(4) المرجع نفسه، ص113.
(5) الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام ومعه السيرة النبوية، ابن هشام((2/13.
(6) فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم، سائد بكداش، ص114.
(7) صحيح ابن حبان، رقم(51).
(8) فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم، سائد بكداش، ص115.
(9) المرجع نفسه، ص115.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي