البحث

التفاصيل

د. علي الصلابي: "الصيام يعمّق الإيمان بالله ورمضان موسم الطاعات والعبادات والخيرات" (حوار)

د. علي الصلابي: "الصيام يعمّق الإيمان بالله ورمضان موسم الطاعات والعبادات والخيرات" (حوار)

 

أكد فضيلة الشيخ الدكتور علي الصلابي، الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن الصيام من العبادات التي تعمق الإيمان بالله، وتقود الإنسان إلى تقواه، ولذلك الرسول علَّم أمته أصول وفقه الصيام، فربط الهدي النبوي بأهمية الصيام مثل الاثنين والخميس وعاشوراء وعرفة، وحث الشباب على الصيام في غير شهر رمضان الكريم.

واسترجع د. الصلابي شريط ذكرياته مع رمضان، متناولا العادات والتقاليد التي يحرص على إحيائها في الشهر الفضيل، مشيرا إلى الفرص المتاحة لتقوية أواصر القربى والأخوة بين المسلمين في الشهر الكريم، مؤكدا أن الغيبة والنميمة في مقدمة الأمور التي تذهب بأجر الصيام وتقلل من تأثيره على النفس، وغيرها من التفاصيل والتساؤلات التي سنطالع الإجابة عنها في سياق الحوار التالي:

- بدايةً لو طُلب منك أن تقدم نفسك، ماذا تقول؟

عبدٌ من عباد الله؛ يرجو رحمته، ويخاف عذابه.

- كيف توجهت فضيلتكم إلى طريق الدعوة بشكل جاد؟

إن الفضل لله، ومن ثم لوالدي (رحمه الله)، فهو الذي أخذ بيدي، وفتح لي أبواب المعرفة بعلم الدعاة والعلماء والمدارس الفكرية، والتي كانت سائدة في السبعينيات من القرن الماضي، ومتابعة أخبار العالم الإسلامي ومآسيه وأحزانه وانتصاراته، وقضية فلسطين والاحتلال الصهيوني، فكل تلك المواقف والقضايا شكلت الحافز نحو طريق الدعوة إلى الله.

- من كان له الأثر في تحفيز الجانب الدعوي لدى فضيلتكم؟

كما ذكرت والدي العزيز رحمة الله عليه، والعلماء الأجلاء مثل أبي الأعلى المودودي والشيخ الشعراوي ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي، والخطباء مثل حسن أيوب وأحمد القطان وعبد الحميد كشك، رحمهم الله.

- برأيك هل الشخصية الدعوية ثمرة علم أم موهبة؟

هي توفيق من الله تعالى، (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَٰبُ وَلَا ٱلْإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلْنَٰهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِىٓ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ) الشورى: 52

الخطاب الدعوي

- هل الناس الآن في احتياج إلى تجديد الخطاب الدعوي؟

لا شك في ذلك، وخصوصاً في أبعاد الخطاب الروحية والأخلاقية والقيمية، وفي الأصول والكليات المتعلقة بالأسئلة الوجودية الكبرى التي جاءت أجوبتها في كتاب الله تعالى، والتي بيَّنها رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) كقضية التوحيد، وروعة خطاب الأنبياء في عرضها على الناس، ومخاطبة الوجدان الإنساني والفطرة البشرية، والعقول الواعية.

- كيف تنظر إلى الانفتاح الإعلامي ومنصات التواصل الاجتماعي التي عمت الكون؟

إذا أُحسن استعمالها، فهي خير عظيم في نشر دعوة الله، ومن أساء استخدامها في المعاصي والذنوب والتفاهات، ومحاربة دين الله، فلا شك تكون باب شر ونهاية وخيمة في دنياه وآخرته إن لم يرجع ويتوب إلى الله.

- كاميرا الجوال.. هل هي وبال على المجتمع أم تقنية لمصلحته؟

هي آلة من الآلات، وإنجاز من إنجازات العلم الحديث التي وصل إليها العقل البشري، وهي في حياة الناس مصدر للخير والشر. فتقوى الله في استخدام هذه الأجهزة العصرية هي علامة نفع ومفتاح خير.

- هل وصلتم فضيلتكم إلى ما كنتم تصبون إليه في مجال الدعوة؟

لا أبداً. فالعبد الفقير يحب الدعاة والعلماء، ويحاول اقتفاء أثرهم والسير على خطاهم رغم ما فينا من ضعف وتقصير، ونسأل الله السداد والتوفيق وحسن الختام.

الاستقبال الأمثل

- كيف يكون الاستقبال الأمثل للشهر الكريم..؟

بالاقتداء بالنبي الكريم، والسير على هديه (صلى الله عليه وسلم) في استقبال رمضان وإشغاله بالعبادات، ومن ثم هدي الصحابة رضوان الله عليهم، والذين كانوا يجتهدون ويتعبدون في هذا الشهر الكريم بكل طاقتهم. فالاستعداد للمزيد من الطاعات سواء كان بتلاوة القرآن والتدبر والتراويح والصدقات وصلة الأرحام، وفعل الخير والصلاة على النبي والذكر والأمر بالمعروف والإحسان وصلة الأرحام أعمال بر وصلاح، فمعرفة هدي النبي ومحاولة الالتزام به، والسير على هديه، وبهذا نستقبل الشهر الكريم لننال رضا الكريم المنان في الدنيا والآخرة.

- هل تتذكر أول يوم صيام لك وأي ذكرى تركها ذلك اليوم في ذهنك...؟

أذكره جيداً، وقد كانت من عادة والدي حين يصوم أحد من أشقائي وشقيقاتي يحضر له حفلة عامرة بالذكر والحلوى، فاليوم الأول بمعية والدي كان يوماً مشهوداً في بنغازي، وكانت الثقافة التربوية لمدرسة الصيام في حياة والدي والجيل الذي عايشه التدرج في أداء الصوم كاملاً؛ في البداية كنا نصوم نصف النهار، وبعدها للعصر، وبعدها يأخذون بيدنا لنصوم يوماً كاملاً، وهنا الحفلة المشهودة، وفيها كل ما لذ وطاب، وأتذكر في أول يوم صيام لي أخذني والدي في رحلة داخل مدينة بنغازي، وأتى بي قبل الغروب إلى البيت رحمه الله تعالى.

- ما العادات والتقاليد التي تحرص على إحيائها في هذا الشهر الفضيل..؟

قدر الاستطاعة أحاول الاستفادة من هذا الشهر مثل عامة المسلمين، ولعل العادة الأهم في السحور والإفطار على التمر، والتواصل مع الأبناء ومناقشتهم في أمور العبادات وسير أولي العزم، وأضفنا في هذا الموسم الرمضاني نكهة فكرية ودعوية وقرآنية ماتعة على مائدة نبي الرحمة ويوسف الصديق وإبراهيم خليل الرحمة والأنبياء الملوك سليمان وداود (عليهم السلام)، وفي العادات والتقاليد العامة بحكم تنقلي في أكثر البلدان من ليبيا إلى السودان واليمن والسعودية وقطر ومصر وبلاد المغرب وتركيا، فقد أخذت من كل ثقافات أمتنا بفضل الله وتوفيقه، فهناك تقارب بين الشعوب الخليجية والشام والعراق وأم الدنيا والسودان والمغرب في استقبال الشهر الكريم والاحتفاء به.

الفرص المتاحة

- ما الفرص المتاحة لتقوية أواصر القربى والأخوة بين المسلمين في رمضان؟

صلة الأرحام والجلوس معهم، ومع كبار السن.

- ما الرسالة أو النصيحة التي توجهها إلى الشباب في هذا الشهر..؟

العيش مع كتاب الله سبحانه وتعالى، والمحافظة على الصلوات، ومن كان متورطاً في عادات سيئة مثل التدخين ليتخلص منها، ولا بد من الجلوس مع النفس للتفكر والتدبر، والتفكر في مصير الإنسان وعظمة الخالق، والجنة والنار وكيف البشرية ذاهبة إلى عالم البرزخ، ومعرفة سير الأنبياء والتابعين بإحسان والمصلحين للخروج بقارب النجاة ونيل رضا الله سبحانه وتعالى.

الرسالة: رمضان هو فرصة للقراءة والتدبر في كتاب الله سبحانه وتعالى.

- ما الرسالة التي ترغب في إرسالها إلى سيدات البيوت في رمضان..؟

احتساب الأجر والمثوبة عند الله في ما يقدمون من طعام والشراب، وفي عباداتهم والاعتدال والتوسط والابتعاد عن الإسراف والبهرجة وإخلاص النية لله سبحانه وتعالى في إطعام الفقراء والمساكين والتهادي بين الجيران، وكذلك تذكير الأنباء والبنات بالقيم السامية، وأهمية هذا الشهر، وأننا ضيوف على هذه الدنيا وراحلون عنها، وهو فرصة للتزود فتزودوا فإن خير الزاد التقوى.

- ما أبرز الأمور التي تذهب بأجر الصيام وتقلل من تأثيره على النفس..؟

في مقدمتها الغيبة والنميمة والكذب والفحش في القول والعمل وأكل المال بالباطل، ومتابعة المواقع الهابطة التي تورط الإنسان في الذنوب أكثر.

عوناً للمؤمن

- كيف يكون الصيام عوناً للمؤمن أمام الإغراءات ومقاومة الملذات والشهوات..؟

يقول رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم): يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ.. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فطبيعة الصيام يهدئ ثوران الشهوة، ويزكي النفس البشرية، ويرتقي بها نحو تقوى الله، والنجاة من الذنوب والمعاصي، وتتنقى الروح ويستشعر الإنسان مراقبة الله، كما أن الصيام من العبادات التي تعمق الإيمان بالله، وتقود الإنسان إلى تقواه، ولذلك الرسول علَّم أمته أصول وفقه الصيام، فربط الهدي النبوي بأهمية الصيام مثل الإثنين والخميس وعاشوراء وعرفة، وحث الشباب على الصيام في غير شهر رمضان الكريم.

- حدثنا عن الطريقة المثلى للتعامل مع القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك..؟

قال تعالى: «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ» فالأصل في القرآن الكريم التدبر والتأمل والتفكر بحكمة وموعظة، واستخراج السنن والأحكام، وإن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم في رمضان كان يختم في القرآن، ويفترض قدر الاستطاعة أن يُكثر المسلم من الختمات في رمضان، ومراجعة التفاسير النافعة عندما تمر بعض الكلمات غير الواضحة والصعبة، مثل تفسير السعدي وتفسير ابن كثير والجلالين وغيرها.

- كلمة أخيرة؟

نسأل الله أن يتقبل صيامنا وقيامنا، وأن يخرجنا من هذه الدنيا بسلام، وأن يحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يتقبل منا ومنكم، وأطلب من الإخوة والأخوات الذين شهدوا أو اطلعوا على هذا اللقاء أن يدعوا لنا بالمغفرة والرضوان وحُسن الختام.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* حوار جريدة الوطن القطرية، مع الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د. علي الصلابي، وذلك بالتعاون مع المكتب الإعلامي للاتحاد.





التالي
د. البشير عصام المراكشي: "الواجب بث الوعي بالقضية الفلسطينية وثوابتها العقدية وبشائرها الإيمانية"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع