رمضان بين مشقة الطاعة ولذة المعصية
بقلم: م. أحمد المحمدي المغاوري
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
يمضي بنا الليل والنهار وتنقص منا الأعمار، وها هو رمضان قد أذن بالرحيل بعد أن مضت أيامه المعدودات ، وهكذا كل يوم يمر، في إشارة إلى قرب انتهاء العمر!(يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ )النور(44) والفراق الحقيقي هو هناك (إذا وقعت الواقعة)
فسل؟ من امضوا نهار رمضان في حر الهجير صائمين بقلوبهم قبل بطونهم ، وأدوا ما عليهم من واجبات نحو والديهم وأرحامهم وجيرانهم ونفعوا غيرهم فادخلوا السرور على قلوبهم ، وسلهم عن ليل رمضان ؟ حيث أسهروه، قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، بين تهجد ودعاء يرجون رحمة ربهم , ويخافون عذابه، قال تعالى ( تَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )16السجدة،وقال عز من قائل( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ )الزمر.سل هؤلاء ؟عن تعبهم وسهرهم وظمأهم وجوعهم بعد انتهاء رمضان بل بعد انتهاء عمرهم ، يقولون قد مضى كل شيء؟ّ! وأصبح ذكرى، ولكن بقيت هذه اللحظات مكتوبة في صحائف أعمالهم نور يضيء لهم بعد مماتهم .
- وفي المقابل سل من ضيعوا أعمارهم وليال رمضان في اللعب واللهو والسهر وضيعوا نهاره في النوم والتسلية أمام الفضائيات وجعلوا من رمضان شهر للأكل والشرب وارتكاب المحرمات والجلوس مع مواقع التقاطع الاجتماعي بين اخذ وهات وصورة وشات! فصاموا عن الحلال وافطروا على الحرام . سل هؤلاء عن ما وجدوه من لذة حين ضيعوا هذه الفرصة (رمضان) في اللعب والنوم سلوهم؟ تجدوا أن لذتهم قد انتهت وأصبحت من الماضي، ولكنها بقت في الصحف بما فيها من سواد الأعمال التي عنها سيسألون(هذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية. فخابوا وخسروا.سبحان الله كيف يسعد؟ من دعا عليه الروح القدس جبريل وأمَّنَ عليه الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم فمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَمَاتَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأُدْخِلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ).لذا لن يضيع من أسهر ليله وقام وصام وأدى حقوق العباد وبذل في سبيل الحق كل غال ونفيس، وحسبه الناس أنه من البؤساء!،ولن يُنسى أيضا كل من ضيع وفرط وظلم وأساء إلى العباد وظن الناس انه من الأثرياء والنُعماء! لن يذهب كل هذا سدى عند العدل سبحانه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون.ففي الحديث الذي رواة مسلم(عن أنس بن مالك قال .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط). وما أروع قول ابن القيم (إنًّ لذةَ المعصية تذهب ويبقى عقابُها وإنَّ مشقة الطاعة تذهب ويبقى ثوابُها )لنسمع من القرآن عن أهل النعيم الحقيقي حين يروا جزاء شكرهم وصبرهم يقولون (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر.وفي المقابل من بارز الله بالمعاصي وضيع حياته يقول هذا المجرم (لَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) السجدة.
وهكذا تمر دنيا كل واحد منا بحلوها ومرها وما قدمه فيها من خير أو شر. وسينسى الذين عمروها بخير ما أصابهم من سوء من لأواء وضراء وشدة حين يرون الجزاء الأوفى، وأيضا يرى الذين أساءوا فيها وبارزا الله وتلذذوا بالمعاصي ينسون حياتهم المُنَعمَة القصيرة ليبقى المحسن عند الله محسنا ويبقى المسيء مسيئا وسيجد كل واحد من هؤلاء وهؤلاء ثمرة ما قدم (إذا وقعت الواقعة) حين يرفع الله أناس ويخفض آخرين.حين ينادي من فرط ونافق وظلم على من أحسن ووفي وبذل لأجل الحق (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ )والجزاء من جنس العمل
وها قد دخلت العشر الأواخر من رمضان وفيها ليلة خير من ألف شهر (ليلة القدر) فصبر جميل على الطاعة فمن لم يتحمل مشقة التعلم والطاعة بقي في شقاء الجهل والذنوب إلى قيام الساعة يقول ابن القيم ]إن الخيل إذا شارفت نهاية المضماربذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق فلا تكن الخيل افطن منك فإنما الأعمال بالخواتيم فإن لم تحسن الاستقبال فأحسن الوداع[. ا.هـ
فسلوا الله العفو والعافية فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» فالمبادرة المبادرة والتوبة التوبة فما زال في رمضان ساعات باقية وان انتهى فهل نعيش لرمضان قادم لكي نعوض ما فاتنا من خير؟!.
فمن زرع الحبوب وما سقاها ** تأوه نادما يوم الحصاد.
بين يوم بدر وليلة القدر علاقة عنوانها (الأزواج ناموس الكون) والذي به قامت الحياة على الأرض قال تعالى(والَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا )[الزّخرف 12] وقال تعالى(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذّاريات 49] .فليلة القدرهي الليلة التي نزل فيها القرآن ليفرِّق بين الحق والباطل ويُخرج الناس من الظلمات الى النور.ويوم بدرهو اليوم الذي التقى فيها الجمعان صناديد الكفر وأهل الإيمان ذاك يوم الفرقان كما سماه القرآن(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).فان يوم بدر وليلة القدر صنوان يسقى بماء واحد
تلك ثنائية...... هما رمزان وزوجان اثنان لا يتحقق أحدهما دون الاخر.بين قرآءة قرآن وابتهال ودعاء وسجود في ليلة هي خير من ألف شهر وبين مرابطة وتضحيه وبذل وجهاد وجود ، حالتان تمثلتا في صورة بشرية رائعة حدثت ، لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فكان لهم النصر ورفعة القدر في الدنيا والآخره.ثلاثة مائه رجل على رأسهم القائد العظبم محمد صلى الله عليه وسلم قد أعدوا ما استطاعوا ثم استغاثوا قال تعالى عنهم (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ(9) الأنفال، بل وزد على ذلك كان التثبيت من الله لهم قال تعالى( إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) صورة تكررت وما زالت تتكرر في كل زمان ومكان طالما وجد الرجال الرجال ، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.رجال جمعوا بين الظاهر والباطن والتوكل والإعداد والجهاد وبين القول والعمل والعلم والإيمانالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) الرعد هذه هي كلمة السر التى بها قادوا وسادوا !!
ويمضي بنا الزمان لنعيش هذه الفترة الصعبة التي تمر بالأمه (فترة حرمان وخلل ونسيان لماضينا التليد) حين عرف ذلك الجيل الفذ أن يجمع بين العلم والعمل والإيمان وما بين سورة الرحمن والحديد وبين سورة محمد وهود.
(إن الحقيقة المُرة افضل ألف ألف مرة من الوهم المريح) فواهم من فهم أن الصوم هو مجرد ترك للطعام والشراب والشهوة واعتكاف وعبادة ميته لا تثمرعن شبع للفقراء والمساكين ونصرة المستضعفين لا تثمرعن جهاد وتضحية وفداء بالأنفس والأموال لا تثمرعن خلق حسن وقول حسن وفعل حسن ذلك هو الصوم الحسن وما جزاء الإحسان إلا الإحسان. ذاك هو الإيمان الحق.اعتقاد سليم وعمل صحيح، جهاد وتضحية، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ولاء وبراء، مظهر ومخبر، بذل للندى، وكف عن الأذى،وخروج عن الأنانية المقيتة ونصرة للنفس المسلمة المظلومة فالخلق عيال الله واحبهم الى الله انفعهم لعياله وفي الحديث (ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، (المسجد النبوي) ! وكم من أخ وأخت مكلومين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، ليس لهم طعام ولا دواء ولا ماء، متركون في العراء ونحن نأكل ونشرب طيب الطعام وعذب الشراب..يا حسرة على العباد!
الإيمان ليس بضاعة مزجاة تباع وتشترى بأبخس الأثمان أو مجرد دعوة أحبار ورهبان وألقاب تجوز على كل لسان ، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل،
يقول د.علي الصلابي (إن مظاهر التّديّنِ أمرٌ محمود، ونحنُ نعتزُّ بديننا شكلاً ومضموناً .ولكن العيب أن نتمسّكَ بالشّكلِ ونتركَ المضمون .فالدّينُ الذي حوّل رعاة الغنمِ إلى قادةٍ للأممِ لم يُغيّر أشكالهم وإنّما غيّر مضامينهم . أبو جهل كان يلبسُ ذات العباءة والعمامة التي كان يلبسها أبو بكر
ولحية أُميّة بن خلف كانتْ طويلة كلحية عبد الله بن مسعود !وسيف عُتبة كان من نفس المعدن الذي كان منه سيف خالد وحمزة !تشابهت الأشكالُ واختلفت المضامين) ا.هـــ
هل أدركنا ماذا يريد الله منا ؟ صيام قلب مع الجوارح.(لعلكم تتقون )