البحث

التفاصيل

مفتاح التعليم والتعلم

الرابط المختصر :

مفتاح التعليم والتعلم

 

نَتْلُو أول آية نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وننظر الى المصطلحات التي وردت فيها على حدة، ثم نرى ما ذا تطلب منا والى أين ترشدنا: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[1]

المصطلحات هي: القراءة، والاسم، والخلق، والعلق، والقلم.

 القراءة: هو العَمَليّةُ التَعْلمِيةُ، القراءة ليست التلاوة،[2] يقال أنا وفلان قرأنا معًا في الجامعة. اَي درسنا وتعلمنامعا.

 {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[3]  القراءة هي عملية عقلية، وتعني إدراك القارئ للنص المكتوب وفهمه واستيعاب محتوياته، وهي عملية تفاعلية بين القارئ والكاتب، أو بين الطالب والأستاذ، وتعتبر نشاطاً للحصول على المعلومات.

الاسم: من الوسم، أي الذي يوسم صاحبه، أي يميزه ويفرقه من الآخرين. {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}

أي أن الله علم آدم أن يميز كل شيء، إن الله وهبه معرفة الربط بين الاسم والمسمى. علاقة الصوتية بين الدال والمدلول، ليس معناه أن الله علمه جميع أسماء الأشياء بنفسها، ليس من السمو (العلو) أي الذي يعلو صاحبه، كما فهمه البعض. {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} أي المسميات {عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[4]  أي عِلْمُنا وقَلَمُنا هو التسبيح، لا نعلم هذه الأشياء. أي أن الله ما أعطاهم القلم الذي أعطاه لآدم ولذلك ما استطاعوا أن يقلم الأسماء، تقليمهم مختلف عن تقليم البشر.  

الخلق هو التصميم، ليس الإيجاد من العدم. لأن كلمة خَلَقَ تستعمل بـــ (من).. خلق من.. (البارئ والبديع) هو الإيجاد من العدم. {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} أي صمّمَها.

العلق: جمع الجمع من فعل عَلَقَ، أي أن الله خلق الإنسان من عدة علاقات، علاقات من عدة معادن فزيائية وكيمائية متشابكة بعضها مع البعض. متداخل من العروق والعظام والأعصاب. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ* ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ}[5]

القلم: هو تمييز الأشياء بعضها من بعض. من فعل قَلَّمَ أي مَيَّزَ.  القلم: هو أساس المعرفة لجميع العلوم، للناس وللحيوانات كلها. العين تقلم الألوان، والأنف تقلم الروائح، والأذن تقلم الأصوات، والجلد يقلم الحرارة والبرودة، البقر تقلم ولدها، تميز عجلها من الآخرين. والكلب يقلم الأشياء بالشمّ. {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}[6]  (بالقرعة) لكل واحد إشارة تتميز عن الآخر. سمت الآلة التي نكتب بها قلما، لأنها تميز الأحرف بعضها من بعض.

وإذا سئل كيف نعرفها؟  قال الله تعالى قَلِّمْهَا أي ميّزها بعضها من بعض. قَلَّمَ أي ميّز.

Identification

  ثم نرى ان القلم ربط بالتسطير في قوله تعالى: {ن والقلم وما يسطرون} في سورة القلم. أي يأتي بعد التقليم تصنيف الاشياء حسب مواضعها وهذا ما يسمى بالتسطير. {كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}[7] ان كل الامور والاشياء صغيرها وكبيرها تدخل ضمن التصنيف.

  عُلم أن احدى وسائل التمييز التي لعبت دورا في الكلام العربي المجرد هو صوت (الــنون) ان صيغة العامة في لسان العرب التي تشمل العاقل وغير العاقل هي صيغة "ما" {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}[8]  "ما" صيغة عامة سبق استعمالها تاريخيا.

"من" صيغة خاصة للعاقل جاءت بعد (ما) وقد استعمل فيها صوت النون. وكذلك لعبت النون دورا في التمييز بين الذكر والانثى وذلك في "نون النسوة"، حيث "أنتم" صيغة عامة للذكور والاناث، سبقت "أنتن" للنساء فقط. ان صوت النون في سياق التاريخي كان له دور كبير في التمييز "التقليم" والتفريق، لذا اتبع هذا الصوت بقوله {والقلم} وبزيادة التقليم زاد التصنيف للأشياء. وهذا ما يسمى بالتسطير. لذا اتبعها {وما يسطرون} وهو من فعل سطر. استطار الشيء اي صنفه.  السطر سمي سطراً لأنه يصنف المكتوب صنفا صنفا.

Classification

يعلمنا الله تعالى في بداية الوحي بأن مفاتح العلوم والفحص كلها هو: تمييز الأشياء بعضها من بعض أولا ثم تصنيفها بأنواعها وأقسامها وأجناسها ومواضعها. وهذا هو أساس البحث والفحص العلمي في كل الجامعات العالم الى اليوم. (تقليم وتسطير)

 

 

عبد الرحمن شط

هنوفر / المانيا

17.03.2023

 
 

 

[1] العلق 1-5

[2] القراءة هي عبارة عن عملية تفكيرية تشتمل على فك الرموز المختلفة للوصول إلى المعنى المرجو منها، أو هي عملية معرفية يتم من خلالها بناء معاني الكلمات، ومن ثم فهم النص المكتوب، وتُعرف القراءة بأنها المعرفة السابقة، حيث إن المرء أثناء قراءته لكتاب أو نص ما يستخدم معلوماته السابقة لتنظيم أفكاره وفهم النص الذي يقرأه.

تعريف آخر للقراءة: بأنها قدرة المرء على تمييز الأحرف الهجائية والربط بينها، ومن ثم ترجمة ٍهذه الأحرف الى معان، وأخيراً فهم هذه المعاني للوصول إلى المعنى المرجو من النص المقروء، حيث إنه لا يمكن للقارئ فهم معاني الكلمات إن لم يقم بتحليل الرموز التي تتكون منها، فهي مهارة لغوية، وعملية بصرية، ونشاط فيزيائي، وعصبي، وعقلي وعاطفي أيضا.

 

[3] عنكبوت 48

[4] بقرة 31

[5] المؤمنون 15

[6] آل عمران 44

[7] القمر 53

[8] النحل 49





التالي
العيد في غزة | فرحة الأطفال تعلو على نار الحصار
السابق
المقال الثالث- الحاجة إلى القرآن لتحديد الصلة بين الدين والعلم

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع