البحث

التفاصيل

الفتاوى القاتلة

الرابط المختصر :

الفتاوى القاتلة

بقلم: د. محمد عياش الكبيسي

 

أرسل لي أحد الأحباب فتوى مسجلة (فيديو) لدكتور  صيدلاني (على ما أظن) له ثقافة إسلامية ومناقشات واسعة، اجتهد بكل ما أوتي من بيان ليقول للشعب التركي: حرام عليكم المشاركة في الانتخابات! وعلل فتواه بأن هذه المشاركة مناقضة لمعنى التوحيد. حيث هي احتكام لقوانين ومبادئ كفرية (هذه هي الخلاصة).

وأنا الآن ألخّص الرد لهذا الدكتور ولمن يتأثر بهذا الخطاب الغريب والخطير.

يا أخي لو أن المسلمين اليوم في (ألمانيا) وليس في (تركيا)، وترشح مثلا لقيادة البلاد حزبان كافران، أما الأول فيسعى لطرد المسلمين وانتهاك حقوقهم وأما الآخر  فلا شأن له بذلك، أفلا يجوز للمسلمين هؤلاء أن يدفعوا ذلك الحزب الحاقد بترجيح كفة هذا الحزب المسالم؟

ما علاقة عملهم هذا بمسألة التوحيد والشرك؟

وأنت يا دكتور لو تعرضت لاعتداء من عصابة مجرمة في بلد أوربي (نصراني علماني) أفلا يحق لك أن تذهب إلى الشرطة والقضاء لاستعادة حقك ودفع الشر عن نفسك وأهلك، أم أنك تعتقد أن هذا (تحاكم إلى لطاغوت) وأن الإسلام يوجب عليك السكوت حتى يظهر خليفة المسلمين الشرعي؟!

يا إخوة؛ التحاكم إلى الطاغوت ليس هذا معناه، وإنما معناه لو أنك اخترت حكم الطاغوت وفضلته على حكم الله في وقت التمكين لحكم الله، أما في حال غياب الحكم الإسلامي فإن التعامل مع النظام الوضعي وقوانينه بقدر ما يقيم الحياة ويحفظ الحقوق لا مناص منه، وما رأيت أحدًا استطاع أن يعزل نفسه عن ذلك، فأنت تحمل (وثائق هذا النظام) و تتوظف وفق قوانينه وتسافر وتبيع وتشتري وتذهب إلى المحاكم (الكفرية) لتوثيق عقود الزواج وعقود التملك ..الخ لا ينازع في ذلك أحد.

كلامي هذا لو أنك كنت تعيش في بلد كافر كألمانيا أو بريطانيا أو السويد، فكيف بهذه الفتوى التي تخص (تركيا) وهي بلد مسلم وفيه من الاقتراب التدريجي من أحكام الشريعة وآدابها ما لا ينكره منصف، والتدرج بالناس بحسب الطاقة أمر مشروع بلا شك (واتقوا الله ما استطعتم)، مع أن صلاحية (الحاكم) اليوم في تركيا وأمثالها ليست كصلاحيات الحاكم الذي نقرأ عنه في كتب الفقه. فالحاكم اليوم ليس سوى موظف كبير (محكوم) بنظام أكبر منه ومن حزبه مهما كان.

اسمح لي يا (دكتور) أن أقول لك؛ إن هذه الفتوى من شأنها -لو تأثر بها أحد-أن تمكن لأصحاب الأفكار الهدامة والمشاريع الباطنية المشبوهة في بلاد المسلمين، مما سيؤخر (تطبيق الشريعة) الذي جعلته مستندا لفتواك عقودا أو قرونا، وسينتشر المنكر ويمنع الحجاب والأذان كما كان في السابق، فهل اتقيت الله في نفسك؟ فاقرأ الواقع جيدا يا دكتور، ولا تستعجل في الإفتاء في مثل هذه الأمور الخطيرة والمعقدة، هذا إذا كانت لديك مؤهلات الفتوى. والله يغفر لنا ولك.





التالي
هل يُكلَّف المسلم بحج من تلزمه نفقته؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع