البحث

التفاصيل

الفرق بين اسطاعة وبين استطاعة

الفرق بين اسطاعة وبين استطاعة

بقلم: د. عبد الرحمن شط

 

بزيادة التاء يزداد الفعل قوة وتفاعلا، وإذا نظرنا في المعاجم تقول: استطاع الشيء واسطاعه: أطاقه وقدر عليه وأمكنه. اي انها تعطي الفعلين معنى واحدا. إلا ان علماء فقه اللغة قالوا بأن الألف والسين والتاء تعني الطلب. (طلب الشيء)، ولكن ان ما يقال بحروف الزيادة لا توجد في المصحف. فلا يمكن ان يكون اسطاع واستطاعة بمعنى واحدة. {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}[1]  {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}[2] {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [3]

فهل هناك فرق بين اسطاعوا واستطاعوا وبين تسطع وتستطيع في الآيات الثلاثة.

نقول نعم صدق الله وكذب المعاجم. لأن القرآن خال من الحشو ومن الزيادة حقاً.

نعود الى الآية الأولى لنرى أن قوم ذي القرنين بعد ان بنى لهم السد، لم يتمكنوا من اعتلاء ظهره (يظهرون) ولَم يقدروا على خرقه (نقبا). وننظر في الفرق بين عملية اعتلاء ظهر جبل او سد، وعملية نقبه وخرقه، فنجد أن القدرة آلتي يجب بذلها في النقب أكثر كثيرًا من تلك التي تبذل في التسلق. مثلا: فالتسلق على جبل "هِمَلايا" اهون كثيرًا من حفر نفق فيه لنقبه من طرف الى طرف. ونفهم ان التاء في استطاعوا انماجائت للدلالة على الجهد والطاقة المبذولة في هذا الفعل، التي هي أكثر من الطاقة المبذولة في فعل اسطاعوا.

ويقابل موسى العبد الصالح عند الصخرة، ويطلب مرافقته ليتعلم، فيجيب العبد الصالح: إنك لن تستطيع معي صبرًا. اي مهما بذلت من جهد وعناء، فلن تقدر على احتمال مرافقتي. ثم يمضي الاثنان… وبعد أن يخرق العبد الصالح السفينة ويقتل الغلام ويقيم الجدار …وموسى يحتج في كل مرة، يحسم العبد الصالح الصحبة قائلًا: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}[4]  اي رغم ما بذلته من الجهد. ثم يبين العبد الصالح اسباب مافعل. ثم يختم حديثه مودعا: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}[5]  فما الذي حدث؟

ظاهرًا هناك تعارض. لان العبد الصالح قال في آية 78 ان موسى رغم الجهد لم يستطع الصبر. ثم عاد في آية 72 ليقول انه ما بذل الجهد. بحذف التاء. ونحن نقول ليس ثمة هناك اي تعارض. فموسى بذل كل جهده في الصبر فعلا على ما يرى من أفعال العبد الصالح قبل ان يعرف تأويله. أما بعد أن عرف، فقد وكأنه كان متسرعا بالإحتجاج، ولو أنه بذل مزيدا من الجهد في الصبر لجائه التاويل.

مثالا: ان رجلا دخل في مصابقة في السير معصوب العينين طُلب منه السير في ممر لا يعرف طول مسافته، ينتهي بجائزة قيمة، فيبذل المتسابق ما بوسعه وهو يمشي ثم يسقط لإعياء، ليكتشف بعد أن يرفع العصابة عن عينيه أنه على بعد خطوة واحدة من النهاية والجائزة، فيصبح آسفا: لو أنني بذلت من الجهد شعرة إضافية لفزت!! ولكن السؤال: هل كان بوسع وبإستطاعة وبمقدور هذا المتسابق أن يخطو خطوة الأخيرة، وهو لا يعرف انها الأخيرة؟

وإذا قلنا {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[6]  لا نقصد ما اطقتم بل إطاعة مع الجهد بقدر الإمكان. مثلا طاقتي ان أحمل 80 كم، وإذا أضفت 20 كم عليها لا أطيق حمله وهو فوق طاقتي، ولكن لو أحاول وأبدي الجهد، يمكن أن أرفع 100 كم. أي ما أطقت ولكن استطعت. الطاقة خاصة بجسم الإنسان وقدراته الجسمانية العادية، واستطاعة تتعدى ذلك. مثلا آخر: واحد شاب رياضي قوي لاعب الكرة يطيق الصيام، ولكن رئيس الفريق يمنعه من الصيام لوجود المباراة. وهو يطيق الصيام ولكن لا يستطيع الصيام لأنه منع من الصيام.  

وفي الفدية قال {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[7] ، وفي الكفارة قال: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}[8]  

نستعرض مثالا من اللغة مثل فعل "خرج" فنحن نقول خرج زيد من الجامعة ونعني أنه كان في داخلها وغادرها. وأما إذا قلنا زيد تخرج من الجامعة، فهذا يعني أنه درس فيها أربعة سنوات وأدى الامتحان ونال الشهادة وخرج.

ونقول أخرجت الأرض غلتها، فالجهد في الإخراج عادي، وأما إذا قلنا إستخرجنا المعدن من المنجم، فالجهد المبذول في الإستخراج أكبر. لأنه يحتاج الى حفّارات ومكاسر وأفران وسائرة. {.. وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا..}[9] فنحن نحتاج لإخراج اللؤلؤ من البحر إلى شباك وأجهزة الغوص في البحر وسائر من المحن.

 

[1] البقرة 97

[2] الكهف 75

[3] الكهف 72

[4] الكهف 78

[5] الكهف 82

[6] التغابن 16

[7] البقرة 184

[8] المجادلة 4

[9] النحل 14

 





التالي
كلمة إنصاف بحق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
السابق
معضلة الشر والمفاهيم الحاكمة لفهمها

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع