الرئيس المنتخب؛ أردوغان والتحولات الاقتصادية لدولة تركيا.
بقلم: الدكتور أحمد الإدريسـي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
تقديم:
لقد عرفت دولة تركيا منذ سنة 2013 تحولات اقتصادية واتخذت مواقف سياسية وعسكرية، جعلتها هدفا من قبل قوى إقليمية ودولية، فموقف تركيا المؤيد لثورات الربيع العربي واحتضانها المعارضين للثورات المضادة، من الدول العربية بل والإقليم، جعلها مستهدفة سياسيا واقتصاديا.
ومن الملفات المهمة التي كانت حاضرة بقوة في الانتخابات التركية؛ التحولات الاقتصادية التي عرفتها تركيا منذ عام 2018، وكذلك القضايا الاقتصادية التي ينتظر أن تحدد شكل المستقبل الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع التركي.
لذلك ذهب أغلب المتتبعين إلى أن الرئيس التركي المنتخب لولاية جديدة “رجب طيب أردوغان”، نقل تركيا نقلة نوعية؛ نقلة لم تتم باكتشافات حقول غاز أو معادن أو بترول، ولكن بنهضة علمية وتكنولوجية واقتصادية حقيقية.
وسأناقش في هذا المقال التحولات الاقتصادية، لكن لابد من الإشارة إلى الجوانب السياسية والاجتماعية، نظرا لتأثيرها وتأثرها بالمجال الاقتصادي.
أولا: من الناحية الدينية والاجتماعية.
على المستوى الاجتماعي، استبدل أردوغان العلمانية “علمانية أتاتورك” المعادية للدين بالعلمانية المحايدة، فأردوغان لم يتبنّ منهج الأصولية الإسلامية في الحكم، ولكنه أوقف الكثير من أشكال الاضطهاد والإقصاء التي عانى منها الإسلام تحت وطأة علمانية أتاتورك المناهضة للدين بكل تجلياته. من العقيدة، ثم المظاهر السلوكية، ثم الشعائر التعبدية.
ومن المتتبعين من قال؛ إن أردوغان أدرك أن الإسلام لا يحتاج إلى حكومة تتبناه، وقوانين تفرضه، بقدر ما يحتاج إلى نظام حكم عادل، لا يمارس التمييز أو الإقصاء ضده.
فألغى تباعا، وبحذر، القوانين التي تضيق على شعائر الإسلام.
ومنهم من اعتبر ثورته ثورة بيضاء؛ ثورة دون سفك الدماء. حيث ترك القيم والمبادئ والمعتقدات والأفكار تتفاعل مع المجتمع، حتى عادت قيم الإسلام ومبادئه لتسري في المجتمع التركي. فهو لم يفرض الحجاب، ولكن سمح للمحجبات بدخول المدارس والجامعات. ولم يُجَرِّم الإلحاد، ولكنه سمح بتحفيظ القرآن وفتح الباب واسعاً على مصراعيه لشتى العلوم والمعارف.
ثانيا: من الناحية السياسية.
استطاع أردوغان أن يوقف سيطرة الجيش على الحكم؛ فبعد أن كان رئيس أركان الجيش التركي هو الحاكم الفعلي للبلاد، استطاع أن يعزل الجيش التركي عن ممارسة أي دور سياسي، وذلك عبر مراحل متدرجة، ليتحول الجيش من الوصاية على النظام السياسي إلى الخضوع له تحت قيادة الرئيس المنتخب، ومن الحكم إلى الحماية.
كما تَحوَّل مقعد رئيس الأركان من جوار الرئيس، إلى الصف الأمامي، كغيره من الوزراء وأصحاب النفود. وهذا تغيير ثوري بالنظر لما كان يملكه الجيش التركي من قوة ونفوذ وطغيان.
ومن المتتبعين من قال: لقد منع أردوغان الهواء والماء عن العلمانية، حتى ماتت، بعد أن جرَّدها شيئاً فشيئاً من كل مضامينها. فتحولت من نهج مستبد، أحادي الرؤية، حاكم للواقع ومتحكم فيه، إلى مجرد حقبة تاريخية، وماضٍ يتغنى به الأتراك.
ثالثا: التحولات الاقتصادية.
تبنى أردوغان رؤية اقتصادية معاصرة تقوم على مبادئ ومنهج اقتصادي متقدم، ومن ذلك أنه:
– عارض ربط التضخم وتقلبات سعر صرف الليرة بأسعار الفائدة صعودا ونزولا، وواجه ما يسمى “لوبي الفائدة”.
– دعم مسار تطوير الإنتاج المحلي وتقليل الاستيراد لتخفيف الضغط على العملات الأجنبية.
– أصر على تقليص فاتورة استراد الطاقة وبالتالي تقليص التبعية للأسواق الخارجية.
– استطاع مضاعفة الناتج المحلي التركي إلى ما يقارب أربع مرات؛ من 240 مليار دولار في 2002 إلى أكثر من 900 مليار دولار حاليا.
ومن جهة أخرى سهر الرئيس رجب طيب أردوغان على عدد من الإنجازات الكبرى ودشن مجموعة من المشاريع العملاقة، ونذكر منها:
– افتتاح مطار إسطنبول: افتتح أردوغان مطار إسطنبول الدولي (أكتوبر 2018)، والذي يتسع في المرحلة الأولى لخدمة 90 مليون مسافر سنويا، وستكتمل مراحل عمله الأربعة سنة 2028، ليصل طاقته القصوى لخدمة المسافرين، ويسع حينها نحو 200 مليون مسافر سنويا، ليصبح أكبر مطار في العالم.
– كهرباء الطاقة الشمسية: تطور كبير في إنتاج كهرباء الطاقة الشمسية.
– ثروة النفط والغاز الطبيعي: مما تحقق في عهد أردوغان الحفاظ على حقوق تركيا وقبرص التركية في ثروة الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط، واستعداد تركيا للدفاع عن حقوقها في ضوء قواعد القانون الدولي. وفي غشت 2020، أعلن أردوغان عن اكتشاف أول بئر لغاز طبيعي بمنطقة البحر الأسود، وقد توالت فيما بعد اكتشافات لآبار أخرى للغاز في نفس المنطقة، وتشير التوقعات إلى أن إمكانيات الغاز في البحر الأسود، تغطي كامل احتياجات تركيا من الغاز لمدة سبع سنوات. وتم اكتشاف آبار للنفط في محافظة ماردين بالقرب من الحدود السورية، وهي نقلة جديدة في أوضاع الطاقة بتركيا. في حين تركيا تستورد 90% من احتياجاتها من الطاقة، وبما يكلفها نحو 45 مليار دولار سنويا.
– الصناعات الدفاعية والسلاح: سجلت بيانات معهد ستوكهولم للسلام، أن تركيا خلال الفترة من 2016 – 2020 قد زادت صادراتها من الأسلحة بنسبة %30، مقارنة بالخمس سنوات السابقة عن عام 2016، وانخفضت واردات تركيا من الأسلحة خلال الفترة 2016 – 2020 بنسبة %59، مقارنة بما كانت عليه خلال السنوات الخمس السابقة لعام 2016. وهذا لا شك له آثار إيجابية على الاقتصاد التركي.
قناة إسطنبول: دشن الرئيس أردوغان مشروع قناة إسطنبول، (يونيو 2021)، وذلك من أجل تخفيف الزحام الشديد على مضيق البسفور، الذي يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة. ومن المتوقع أن يبلغ عدد السفن التي تمر بمضيق البوسفور في 2050 نحو 78 ألف سفينة، ومن المستهدف أن تبلغ تكلفة قناة إسطنبول 15 مليار دولار.
– صناعة السيارات: أصبحت تركيا مركزا استراتيجيا لصناعة السيارات، حيث يُضم إلى شركاتها المحلية، نحو 13 شركة عالمية لعلامات تجارية كبرى في مجال السيارات، وتتخذ هذه العلامات التجارية من تسع مدن تركية مكان لإقامة مصانعها.
وتشير البيانات الخاصة بالتجارة الخارجية لتركيا، إلى أن أنقرة صدرت خلال السنوات من 2016 – 2021 نحو 900 ألف مركبة إلى 180 دولة، كما أن صادرات السيارات من تركيا في عام 2020 بلغت 25 مليار دولار، موزعة على نحو 118 دولة. وتحتل صناعة السيارات صدارة القطاعات المصدرة، وتستهدف تركيا أن تكون الأولى أوروبيا في صناعة السيارات الكهربائية والخامسة على مستوى العالم.
– قطاع السياحة: تعد تركيا ضمن أكبر عشرة مقاصد سياحية على مستوى العالم، واستطاعت سنة 2021، أن تستعيد حيوية قطاع السياحة في ظل جائحة كورونا، حيث تشير بيانات معهد الإحصاء التركي إلى أن عدد السائحين لتركيا بلغ 29.4 مليون سائح مقارنة بـ15.8 مليونا في عام 2020.
خــاتمـة:
استطاع أردوغان ازعاج نظام مالي عالمي قائم على تجارة الديون. وأبعد تركيا من التبعية الاقتصادية للغرب خاصة، وانتقلت تركيا من دولة مَدينَة مُنهارة اقتصادياً، تقف على حافة الإفلاس، إلى دولة دائنة، تقف بين الدول الأكثر تقدماً.
ولعل هذا من أهم الأسباب التي دفعت الغرب إلى دعم معارضي أردغان، والسعي الحثيث للإطاحة به من رئاسة الدولة.
لقد واجهت التجربة الاقتصادية للرئيس أردوغان، كباقي التجارب الاقتصادية في العالم وعبر التاريخ، تحديات ومشكلات، أثرت بشكل ملحوظ على أداء الاقتصاد الكلي، وما يرتبط به من تداعيات اجتماعية، فأثرت على مستوى الرضا لدى المجتمع، وعلى شعبية رجب طيب أردوغان، لكنه استطاع إقناع الناخبين بمزيد من الرفاه والسلم الاجتماعي والنمو الاقتصادي.
فهل ستكون ولايته الجديدة أفضل مما سبق؟. هذا ما سنكتشفه مع مرور الأيام والسنن.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين