دراسة متخصصة: الأسرة النابضة بالحياة تعزز الانتماء الديني في فرنسا والإسلام يظل قوة مؤثرة (تقرير)
كشفت طبعة 2023 من دراسة "المهاجرون وأحفاد المهاجرين"، التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، عن الدور المركزي الذي تلعبه الأسرة في إعادة إنتاج الانتماء الديني، مؤكدة أن الأديان -والإسلام على وجه الخصوص- لا تزال تمارس تأثيرا قويا على الأفراد في فرنسا، وأنها أدوات تساعد في التكيف والتطور وسط عالم عدائي.
بهذه الكلمات المقتضبة، لخص موقع "أوريان 21" (Orient XXI) الفرنسي الدراسة التي تستند إلى الإصدار الثاني من استطلاع "المسارات والأصول" الذي تم إجراؤه بين عامي 2019 و2020 للتدقيق في فكرة العلمنة، ولا سيما بين المسلمين واليهود.
وقد أجري هذا الاستطلاع على عينة تمثيلية تزيد قليلا على 27 ألف شخص، تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عاما، وقد خلصت إلى إفادات مهمة، رغم أنها استثنت الجزء الأكبر من السكان الأكثر توجها نحو الدين حسب دراسات أخرى.
ناقل قوي داخل الأسرة
ومع أن الأوساط الأكاديمية والسياسية تعد العلمنة اتجاها يتقدم باستمرار في المجتمعات الغربية المختلفة، وأن أوروبا -وخاصة فرنسا- كانت في طليعة هذه الحركة من حيث الاعتقاد بأن الدين قابل للذوبان في الحداثة، فإن الأرقام التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية كشفت عن أن الكاثوليكية لا تزال الديانة الأولى في فرنسا بادعاء 29% من السكان لذلك، كما أن الإسلام يشهد نموا كبيرا في البلاد، حيث إن 10% من السكان يعلنون أنفسهم مسلمين، مما يؤكد مكانته باعتباره الديانة الثانية في فرنسا.
وعندما يسلط الاستطلاع الضوء على أهمية الممارسة الدينية بين المهاجرين وذريتهم، يجد أن 58% من الأشخاص الذين ليست لديهم أصول مهاجرة يقولون إنهم لا دين لهم، في حين تقل تلك النسبة لتصل 19% فقط بين المهاجرين الذين وصلوا بعد سن 16،علما أنه من المسلّم به أن الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عاما لادينيون في الغالب.
وفي ما يتعلق بالانتماءات والممارسات الدينية داخل عائلات المهاجرين وأحفادهم في فرنسا، يظهر الاستطلاع أن تناقص الممارسة الدينية بين العائلات المسيحية بشكل حاد لم ينطبق على العائلات المسلمة واليهودية، كما يظهر أن توريث الدين أقوى بين الأفراد الذين نشؤوا في أسرة مسلمة، إذ اعتبر 91% منهم أنهم ينتمون إلى ديانة آبائهم، مقابل 84% بين اليهود و67% فقط بين الكاثوليك.
التزام المرأة
ويمكن تفسير هذا الانتقال القوي للدين الإسلامي من جيل إلى آخر –حسب نبيل ماتي الذي لخص الدراسة للموقع- في ضوء أهمية الدور الإشرافي للأمهات -حتى في المجال الديني- داخل العائلات المهاجرة من شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى وتركيا على وجه الخصوص، إذ تبين إحصاءات المعهد أن 78% من النساء اللاتي يعلنّ أنفسهن مسلمات يعتبرن الدين مهما في حياتهن، مقارنة بـ73% من الرجال.
كذلك تظهر الإحصاءات أن انتقال الدين داخل أسر المهاجرين له أهمية كبيرة، وأنه غالبا ما يتم بإشراك النساء المسلمات في الجمعيات الدينية والثقافية.
من جهتها، تقول وردة، وهي معلمة ومديرة جمعية في سين سان دوني بباريس، إنه "لو لم تكن النساء المسلمات حاضرات في هياكلنا، لكان من الصعب على العديد من الجمعيات القيام بأنشطة، إذ تظهر هؤلاء الأمهات والأخوات تفانيا ملحوظا، كما أنهن مستعدات دائما للالتزام من دون مقابل".
وهو ما يؤكده مختار، النائب السابق لرئيس جمعية مسلمي الألزاس، قائلا إن انخراط المرأة في الأنشطة الدينية والجمعيات والمساجد وسيلة تحرر بالنسبة لها.
وتنصح الدراسة باستكمال نتائج الاستطلاع بتحليل معمق لعوامل انتقال الهوية الإسلامية في فرنسا، وخاصة تحليل تأثير خطاب اليمين واليمين المتطرف الذي يطالب بالاندماج، أي التخلي عن الثقافة والدين الأصلي، خاصة أن البحث أظهر أن النقاشات الحادة عن وصم المسلمات أدت إلى إنشاء النساء "درعا دينيا" لحماية أنفسهن، كما يرى مختار، مشيرا إلى أن انتقال الدين إلى الأطفال، في مثل هذه الظروف العدائية، يصبح أولوية حيوية.
المصدر: أوريان 21