البحث

التفاصيل

نظرية الخوارزمي الرياضية حول جمال الخَلْق وجمال الخُلُق

الرابط المختصر :

نظرية الخوارزمي الرياضية حول جمال الخَلْق وجمال الخُلُق

بقلم: الأستاذ بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

(سلسلة خطبة الجمعة)

عباد الله، قال تعالى في سورة التين: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [التين: 1 – 6]

عباد الله، لقد أقسم الله تعالى في سورة التين؛ بأطهر الأرض التي خلقها، فالتين والزيتون، هي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى بن مريم  عليهما السلام. وطور سينين، هو جبل سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه السلام، ومكة، هو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أُرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم. أقسم سبحانه وتعالى بهذه البقاع الثلاث؛ على أن  الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم وأطهر، وأحسن شكل، إذ صيّره على أحسن ما يكون في الصورة والمعنى والإدراك، وفي كل ما هو أحسن  من الأمور المادية والمعنوية، فجواب القسم وهو قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )، جاء مناسبا مع المُقسَم به والذي هو هذه البقاع الطاهرة الدالة على الرسالات الكبرى الثلاثة، تناسباً لطيفاً، ولاءمه ملاءمة بديعة، على بداية الإنسان ونهايته، فقال سبحانه: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وهذه بداية هذا الإنسان، ثم قال عز وجل: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين)،  وهذه نهايته والتي تعتبر قانونا إلهيا مطردا في كل عصر ومصر، قال تعالى في سورة  فاطر: ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) [فاطر: 43] ، ولما كان الناس في إجابة دعوة  الرسل عليهم السلام عموما، ودعوة هؤلاء الرسل الثلاثة خصوصا، فريقين: منهم مَنْ أجاب، ومنهم من أبى وأعرض، ذكر سبحانه  وتعالى حال الفريقين، فذكر حال الأكثرين وهم المردودون إلى أسفل سافلين،  والآخرين وهم المؤمنون الذين لهم أجر غير ممنون، ولما كانت الرسالات إنما هي منهج حياة للإنسان وشريعة له، كان جواب القسم يتعلق بالإنسان طبيعة ومنهجاً، فذكر سبحانه طبيعة الإنسان في قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)،  وذكر منهج  حياته في قوله: (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)، وفي هذه إشارة إلى أن منهج الحياة، لا بد أن يكون متلائماً مع الطبيعة البشرية؛ غير مناقض لها، وإلا فشل. وبهذا كان جواب القسم أوفى جواب وأكمله، وأنسب شيء لما قبله وما بعده.

عباد الله، في سورة التين، أسند سبحانه وتعالى الخلق إلى نفسه فقال: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ)، لأن المقام مقام تفضل وتذكير بنعمة الله على الإنسان، وبيان منهج حياة للإنسان، فأراد عز وجل، أن يبين أن واضع المنهج للإنسان هو خالق الإنسان،  وهو الأعلم به من غيره، قال تعالى في سورة الملك: ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14]، ولا أحد غيره عز وجل أعلم بما يصلح له، وما هو أنسب له، وإسناد الخلق إلى ذات الله العلية، أنسب شيء في هذا المقام، كما أسند سبحانه وتعالى الرد إلى أسفل سافلين إلى نفسه  عز وجل كذلك فقال: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ )، وذلك أنه سبحانه أراد أن يُذكّر أن بيده البداية، و بيده وحده النهاية، وأنه القادر أولاً وأخيراً، وأنه لا معقّب لحكمه، يفعل ما يشاء في البداية والختام بمقتضى حكمته وعدله، وهذا لا يكون إلا بإسناد الأمر إلى ذاته العليّة. وجاء سبحانه وتعالى بين البداية والنهاية بـحرف(ثم)التي تفيد الترتيب والتراخي، لأن الرد إلى أسفل سافلين، هو عقاب من الله تعالى، للذين لم يلتزموا بمنهج الله في الحياة ، والذي جاء على يد رسله الكرام عليهم السلام، والله تعالى لا يعجل بمعاقبة خلقه – الذين أعرضوا عن منهج الله الموافق للفطرة البشرية، واختلقوا مناهج مضلة  – كعجلة خلقه، بل يتراخى سبحانه عنه في الزمن، فحرف (ثم) من حيث الوقت؛ يفيد التراخي، كما أنه من حيث الرتبة؛ يفيد التراخي، فرتبة كون الإنسان (في أحسن تقويم )، تتراخى وتبعد عن رتبة كونه في أسفل سافلين، فثمة بَوْن بعيد بين الرتبتين، فأفاد حرف (ثم) ههنا التراخي الزماني، والتراخي في الرتبة. فقانون الرد إلى أسفل سافلين الإلهي، هو في الدنيا وفي الآخرة، ففي الآخرة يكون في الأماكن السافلة، وهي: جهنم، أو الدرك الأسفل من النار  – والعياذ بالله – ، ومعنى الاستثناء  في قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)، هو على ظاهره، فالصالحون مستثنون من الرد إلى أسفل السافلين دنيا وأخرى. أما أسفل سافلين في الدنيا، فتشمل الظاهر والباطن، الجسد والروح، الجسد بإصابته بأنواع الأمراض الجسدية  الفتاكة نتيجة تعاطي صاحبه للمحرمات التي ما حرمت شرعا إلا لضررها بالإنسان، أما الباطن فالمتعلق بالجانب الروحي، فبانتكاستها إلى أسفل سافلين، حين ينحرف الشخص عن الفطرة، ويحيد عن الإيمان المستقيم معها.

عباد الله، إن الإنسان مهيّأ لأن يبلغ من الرِّفعة مدى يفوق مقام الملائكة المقربين، كما أنه مهيأ حين ينتكس لأن يهوي إلى الدرك الذي لا يبلغ إليه مخلوق قط: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ )، وهذا قانون إلهي مطرد في كل زمان ومكان، حيث تُصبح البهائم أرفع وأقوم لاستقامتها على فطرتها، (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، فهؤلاء هم الذين يبقون على الفطرة السوية، ويكملونها بالإيمان والعمل الصالح. ويرتقون بها إلى الكمال المقدّر لها، فحياة غير المؤمن؛ نكد وغمّ، وعيشة ضنك وشقاء، قال تعالى في سورة طه: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى، فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا، وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 123، 124]، فحياة هؤلاء هابطة سافلة، بل هم في أسفل سافلين. ثم لننظر إلى الاستثناء وهو قوله تعالى: (إلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )،  فإنه سبحانه وتعالى استثنى من الرد أسفل سافلين، مَنْ آمن وعمل صالحاً، ثم قال سبحانه : (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)، غير ممنون ، أي غير منقوص ولا منقطع، و غير مكدر بالمنّ عليهم، و كل ذلك مراد، وهو من صفات الثواب، لأنه يجب أن يكون غير منقطع ولا منغصاً بالمنة. فالذي خلقك في أحسن تقويم، يرسم لك أحسن منهج حياة، تسعد به في الدنيا وفي الآخرة.

عباد الله، من التقويم الحسن الذي خلق الله عليه الإنسان، أنه جعل له مظهرا ومخبرا، ظاهرا وباطنا، وفي تغييب منهج الله في حياتنا، نجد الكثير من الناس بإيعاز من النفس الأمارة بالسوء، والشيطان اللعين، يولون اهتماما أكبر للجمال الخارجي للإنسان، من جماله الداخلي، بل ينفقون المال الطائل على الخارجي، من مساحيق، وعمليات جراحية للتجميل، وألبسة، وغيرها، ويهملون الداخلي، مع أن الواقع المعيش الذي هو محك التجارب، يشهد أن العاقبة والنجاح الأكبر للجمال الداخلي؛ والذي يتوج بطلا في آخر المطاف؛ بحيث يتنافس جمالنا الخارجي مع جمالنا الباطني في كل مرحلة نمر منها من مراحل حياتنا، فيتسابق كل واحد منهما لنيل شهادة النجاح في كل طريق نضع أرجلنا فيه، ابتداء باختيار الصديق، وانتهاء باختيار الرفيق الذي سيكمل معنا الطريق!

عباد الله، لنبدأ  بالمرحلة الأولى، ففي مرحلة اختيار صديقنا لا ننظر إلى وجهه وخلقته، بقدر نظرنا إلى خُلُقه وتعامله، وصدقه، وأمانته، فيفوز دائما من يتصف بالأوصاف القلبية العالية، وليس من يملك وجها ناصع البياض، أو عينين واسعتين..، يفوز من يملك ابتسامة عريضة ووجها بشوشا، وقلبا سليما.

وقد يولد بعضنا من حيث الخلقة جميلا عن الآخر، إن صح ذلك؛ لأن الجمال نسبي، ولكن ما فائدة ذاك الجمال، إن كان هذا الشخص لا يتعامل بلطف، وليست لديه أخلاق حميدة، فيم ينفعه بياض وجهه إن كان قلبه أسود؟

عباد الله، إن من لا يملك روحا طيبة، وجوهرا نقيا صافيا، لا يعدو وجهه أن يكون كقلادة ذهبية، تلبس في المناسبات الفاخرة فقط. بل إن جمال الجوهر، ترجمة لجمال المظهر؛ فإذا كان داخلك جميلا، فسيشع مظهرك أيضا، وينبعث النور الداخلي إلى الخارج، وستغلب روحك وجمالك الباطني، وسينتصر وسيفوز باللقب، وسيحتل المرتبة الأولى.

عبد الله، إن الجمال الخَلقي عطاء إلهي ونسبي، أما الجمال الخُلُقي فاكتساب بشري يحتاج إلى جهد واجتهاد وتضرع ودعاء، لهذا علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء الذي ينبغي أن نداوم عليه طيلة حياتنا، كما داوم هو عليه صلى الله عليه وسلم، رَوَى أَحْمَدُ في المسند، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ، وإسناده جيد جدا، عن عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اَللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي، فَحَسِّنْ خُلُقِي). [رواه الطيالسي (372)، وابن حبان (959)، والطبراني في الدعاء (404) واللفظ له]. (اَللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي)، أي: أكمَلْتَ خَلقَ الجسَدِ في أحسَنِ صُورةٍ، (فَحَسِّنْ خُلُقِي). أي: حَسِّنْ أخلاقي وكَمِّلْها بالتَّحلِّي بأحْسَنِها، وهذا دُعاءٌ وطلَبٌ لكَمالِ وإتمامِ النِّعمةِ عليه بإكمالِ دِينِه. وهذا تَعليمٌ نَبويٌّ ؛ بأنْ يَطلُبَ المؤمِنُ معاليَ الأخلاقِ في دُعائِه للهِ؛ فاللهُ سُبحانه وتَعالى هو الموفِّقُ إلى كلِّ خيرٍ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع كَمالِ خُلقِه، يَطلُبُ مِن اللهِ أنْ يُحسِّنَ أخلاقَه، وما فعَلَ ذلك إلَّا ليكونَ القُدْوةَ لنا في ذلك، ولِيَعلَمَ كلُّ مُؤمنٍ أنَّ أصلَ الأخلاقِ غَريزيَّةٌ في العبْدِ، ولكنَّه يُصقِلُها بفِعلِ الطاعاتِ والتَّحلِّي بمَكارِمِها .

عباد الله، بعد الكشف عن هذه الحقائق، نوجه رسالة لكل من يظن أنه قبيح  الخِلْقة الجسدية الظاهرية، كان ذكرا أو أنثى، ونقول له: أنت لست كذلك، فكل ما عليك؛ هو أن تُحسّن مواطن الضعف فيك، وتعزز مواطن القوة، ثم اشعر بجمالك الداخلي، ليشعر به الآخرون. فهو المعتبر، وله العاقبة الحسنى في الأولى والآخرة.

عباد الله، إننا ونحن في حياتنا المعيشية، وفي مرحلة اختيار شريكنا ورفيق دربنا، هل نبحث جميعا عمن يملك مواصفات محددة؛ مثل البياض، والطول، والشعر، والرشاقة،… والقائمة طويلة جدا؟. وهنا يتكرر السؤال نفسه: فيم تفيد هذه المواصفات إن كان الشريك سيئ العشرة، مريض النفس، لا روح له؟

عباد الله، إن المشكلة تبدأ في حياتنا أثناء تعاملنا مع الغير، بدءا بين الزوجين، عندما نعتقد أن الجمال الخارجي هو كل شيء، ونعطيه أكثر من حجمه الطبيعي، إننا هنا ؛ لا نبخس قيمة المظهر، ولا ندعي أنه غير مهم بتاتا، إلا أنه  ينبغي ألا ننسى أنه مرحلي ولا يدوم، فإذا ركزنا عليه فقد دخلنا في صفقة خاسرة في نهاية المطاف، بل يجب أن نوازن بينهما، وأن لا نهتم بأحدهما ونهمل الآخر، والموفق؛ هو من وفقه الله إلى أن يكون حسن الخُلُق والخليقة، وقد وصانا الله تعالى، ورسولُه الكريم صلى الله عليه وسلم بالاعتناء بنظافة الجوهر والمظهر، وأن نولي الاهتمام للروح أكثر؛ كاهتمامنا بأن نكون رائعي المظهر أمام الناس. ففي كثير من الأحيان، يكون لاهتمامنا بجمالنا الداخلي الأثر الواضح على مظهرنا الخارجي، فحين تكون طيب السريرة، يجعل الله لك سر القبول بين الناس، وإن كنت قليل الجمال الظاهري، وعشرة صاحبة الجمال الروحي، تدوم مع زوجها إلى أن يفرقهما الموت لحظة، ليجتمعا  أبد الآبدين في مستقر رحمته في أعلى عليين. بينما عشرة صاحبة المظهر الخارجي، المهملة للجانب الداخلي، لا تدوم مع زوجها إلا لحظات من حياتهما ويتفرقان في الدنيا قبل الآخرة، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.

 

عباد الله، لقد أصبح جمال الأخلاق في نظر الكثير من الفلاسفة ، نظرية معيارية للخير والشر، وقد بقيت الأخلاق إلى عهد قريب، مبحثا فلسفيا نظريا، وقد وضعها الفلاسفة على قدم المساواة مع المنطق وعلم الجمال، فقالوا: إن موضوعها هو قيمة الخير، كما أن موضوع المنطق هو قيمة الحق، وموضوع علم الجمال هو قيمة الجمال،  وهذا عالم من علماء المسلمين، يعتبر من أوائل علماء الرياضيات المسلمين،  حيث ساهمت أعماله بدور كبير في تقدم الرياضيات  في عصره.  كما أنه عالم فلك وجغرافيا، ولد حوالي 781 م ، وتوفي عام  847م،   وعمل ببيت الحكمة  في   بغداد، زمن الخليفة العباسي المأمون الذي عهد إليه برسم خارطة للأرض، عمل فيها أكثر من سبعين جغرافيا. وترك العديد من المؤلفات في علوم الرياضيات والفلك والجغرافيا،  ومن أهمها كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة،  والذي يعد أهم كتبه، هذا العالم هو الخوارزمي رحمه الله، أراد أن يترجم معنى «الأخلاق» رياضيا، فأبدع حين أوجز نظريته قائلا: إن الإنسان صاحب الخلق يساوي (واحدا)، وإذا ما كان ذا حسن وجمال ظاهري، يُضاف إلى الواحد صفر، فيصبح (عشرة). وإذا ما كان ذا مال وجاه ، يضاف إلى العشرة صفر آخر فيصبح بذلك (مائة).. وإذا كان ذا حسب ونسب، يُضاف إلى الأصفار صفر، فيكون بذلك يساوي (ألفا)، وإذا ما فقد الأخلاق، فهو يفقد الرقم الواحد، وبذلك لن يبقى له شيء سوى (الأصفار) التي لا تعني شيئا، وبذلك يصبح لا قيمة له، وهذا يعني؛ أن نظرية الخوارزمي  رحمه الله، تؤكد وتتسق مع الواقع الذي نصبو إليه ، وهو  الجمال الباطني، والذي هو جمال الأخلاق، حيث يجعلنا الخوارزمي بعد أن نثق علميا وإنسانيا بنظريته، نعتقد جازمين أن ثمة ربطا لا يقبل الشك، ليس فقط بين الأخلاق والجبر، بل بين الأخلاق وكل شيء في هذا الكون، وأن كل شيء يفقد قيمته إذا افتقد الأخلاق، وأن هنالك ربطا محكما بين الإنسان والأخلاق، إذ جعل الخوارزمي الإنسان ذا الأخلاق هو الرقم واحد.

عباد الله، إن ثمة الكثير من الأمثلة التي تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك، أننا نعيش في مرحلة أكثر ما تتطلب بحق؛ لقومة أخلاقية، وقومة على ضبط وتحديد المفاهيم، ووضعها في نصابها الصحيح؛ كي لا تتخرج لدينا أجيال مضطربة متذبذبة، لديها خلل في الهوية ذاتها، إذ تبقى القيمة الحقيقية للإنسان في  جماله الباطني الذي هو خُلُقه، وقد جمع كل ذلك حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم والذي يقول فيه: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ولعل قول شكسبير يعزز ذلك إذ يقول: “الجمال إحساس عقلي، وشعور وجداني".

عباد الله، في النهاية، أوجه رسالة لكل من يظن أنه قبيح الخِلْقة، أنت لست كذلك، كل ما عليك أن تحسّن مواطن الضعف فيك، وتعزز مواطن القوة، ثم اشعر بجمالك الداخلي، ليشعر به الآخرون، وركزوا عباد الله في تقييم الآخرين على الجمال الباطني، فهو الأبقى والأصلح في كل شؤون حياتكم، تسعدوا دنيا وأخرى، وتدرجوا ضمن الاستثناء الإلهي من سورة التين: (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ). والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


: الأوسمة



التالي
أثر العلو والاستكبار في هلاك الأمم والحضارات
السابق
تونس.. صدور أمر جديد بتوقيف رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي بتهمة "الجهاز السري"

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع