زغاريد فلسطينية في الجنة
بقلم: أ. د. عبد الرزاق قسوم
زُخرفت جنة عدن، وأُعدت لاستقبال الشهداء الفلسطينيين، وهم يدقون أبوابها بأيد مخضبة بالدماء، ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [سورة الزمر، الآية: 73].
فالزحام على أبواب الجنة هذه الأيام، وطابور الشباب الاستشهادي الزاحف تعلوه ابتسامة الرضا، هو المقدمة السليمة التي ما فتئ يكتبها الفلسطينيون بدمائهم، إيذانا بالنتيجة السليمة، التي هي النصر القريب إن شاء الله.
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة تُدق
ذلك هو الدرس الذي يلقيه على العالم شباب فلسطين، من نابلس، وغزة، ورام الله وجنين.
شباب في ريعان العمر، يقبلون على الموت مبتسمين، بعد أن ينتقموا من غاصبهم بقتل جماعي، من المستوطنين، والمجندين محققين لوعد الله ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾[سورة الأنفال، الآية: 65].
وعى الفلسطيني الدرس من هول التجربة فأدرك، أنه أمام عدو تجاوز كل الحدود، وداس على كل العهود، واستهان بالمقاومة والصمود.
ويلمه! هذا الصهيوني العدواني الجبان، الذي يعيش أسوأ أيامه من الرعب، والخوف والخذلان ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾[سورة إبراهيم، الآية:17].
فقد زرع هذا الصهيوني الآثم ثقافة الاستيطان الغاشم، فداس بنعاله النجسة أرض المسجد المقدسة، فمزق المصاحف، وخرّب المتاحف، واعتدى على المعتكفين الآمنين، وهم يقرأون الصحائف.
أثبت الصهاينة بممارستهم الهمجية ضد الجماهير الفلسطينية، أن مجرد وجودهم على الأرض الطاهرة الزكية، يستوجب النفير والحشد الكبير، وتلقين العدو الدرس العسير.
فلله در السواعد المفتولة، التي تنتقم لقوافل المدنيين المقتولة؛ وها هي تثخن جراحًا في العصابة المرذولة، وتثبت لكل المستضعفين كيف تسود ثقافة الأنفة والرجولة.
لقد أدى الفلسطينيون نيابة عن الأمة، دور البطولة، وبقي على أبناء العمومة والخؤولة، أن يعوا الدرس، وأن يستجيبوا للنداء، فيسندوا ظهور المقاومين، ويقدموا كل أنواع الدعم للمجاهدين، والصامدين، ووجب دفع صائل بما أمكن، كما يقول فقهاء المالكية.
فعلى علماء الأمة الإسلامية أن يكونوا في الموقع الذي بوأهم الله إياه، وهو توعية الحكام والمحكومين، بالدور الحاسم الذي يجب أن يضطلعوا به لدحر العدوان.
ووجب على الحكام الذين تورطوا في خيانة التطبيع، أن يتوبوا إلى الله من الذنب، وأن يكفروا عن خطاياهم، بالإيجاب بعد السلب.
كما هو مطلوب من الجماهير العربية والمسلمة أن تعمد إلى سلاح المقاطعة، للصنائع، والبضائع في كل المواقع، يساندهم في ذلك، القوانين والأعراف، والأخلاق، وكل المجامع.
لابد للجوامع، والمطابع، والمصانع أن تتحمل مسؤوليتها، في الإبقاء على لهيب المعركة الحامية الوطيس، وأن يعزز ذلك كله بوحدة الصفوف، والتحام المرؤوس بالرئيس، لهزم كل أنواع ثقافات التيئيس، والتلبيس.
إن القضية الفلسطينية، قد وصلت إلى أعلى مستويات النضج، والوعي، والإيمان، وإذا ما وجدت الدعم المطلوب، والزاد المرغوب، فإنها ستحقق في أقرب الآجال الهدف المحبوب.
آن الأوان لأن تقف أمتنا لحظة الوعي الضرورية، فتعود شعوبها وحكامها إلى الذات الحضارية التاريخية الجوهرية.
ولن يكون ذلك إلا باختفاء التنابز بالجهويات، وإنهاء التقاتل بين الميليشيات والقضاء على كل الانقسامات والانقلابات.
نتوق إلى أن يستعيد العالم والمثقف دوره في الجامع، والجامعة، فلا يزج به في الزنازين المظلمة، والإجراءات القمعية الرادعة.
فأمتنا العربية والإسلامية التي كانت ذات يوم رائدة في الجهاد بزعامة جزائر الاستشهاد، يمكنها أن تستأنف دورها اليوم، بقيادة فلسطين الأمجاد، فما تحقق في الجزائر كفيل بأن يتكرر في فلسطين وفي كل بلد الأحرار والحرائر، فالعدو الصهيوني، المتغطرس، المتعسف، ليس أكثر وحشية أو فظاظة من المستعمر الفرنسي، ولكن التعسف والغطرسة، لابد أن تتحطم على صخرة الحق، والعدل.
إن خيوط النصر، قد لاحت من غزة ومن القدس، ومن جنين، ونابلس ورام الله بشرط المزيد من الثبات الجماعي، والصمود الدفاعي ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾[سورة الروم، الآيتين: 04، 05].
فانظر إلى الشعب الضعيف يقاوم الخصم العنيد
انظر يديه، وقد تمكن من مفاصلهما الحديد
انظر إلى تلك الجراح، وقد جرى منها الصديد
تلك الجراح، بفضلها كم ذا تحررت العبيد
فالظلم، قد أهدى التحرر، يا أخيَّ، إلى الأمم
(الشاعر عبد الله هادي حبيب)..
فبشرى لشهداء فلسطين، وهنيئا لهم بزغاريد الجنة، وقد بوأهم الله مكان صدق عليا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أ.د. عبد الرزاق قسوم؛ عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين