البحث

التفاصيل

في ذكرى استشهاد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)... ماذا عن الأيَّام الأخيرة في حياته؟

الرابط المختصر :

في ذكرى استشهاد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)... ماذا عن الأيَّام الأخيرة في حياته؟ (اللحظات الأخيرة من حياة الفاروق)

بقلم: د. علي محمد الصلّابي

 

هذا ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - يصف لنا اللَّحظات الأخيرة في حياة الفاروق، حيث يقول: دخلت على عمر حين طعن، فقلت: أبشر بالجنَّة يا أمير المؤمنين ! أسلمت حين كفر النَّاس، وجاهدت مع رسول الله(ﷺ) حين خذله النَّاس، وقبض رسول الله(ﷺ) وهو عنك راضٍ، ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقتلت شهيداً. فقال عمر: أعد عليَّ. فأعدت عليه، فقال: والله الَّذي لا إِله إِلا هو ! لو أنَّ لي ما في الأرض من صفراء، وبيضاء؛ لافتديت به من هول المطلع (صحيح التَّوثيق في سيرة وحياة الفاروق، ص 383).

وجاء في رواية البخاريِّ، أمَّا ما ذكرت من صحبة رسول الله(ﷺ) ورضاه؛ فإِنَّ ذلك من الله - جلَّ ذكره - منَّ به عليَّ، وأمَّا ما ترى من جزعي؛ فهو من أجلك، وأجل أصحابك، والله ! لو أنَّ طلاع الأرض ذهباً؛ لافتديت به من عذاب الله - عزَّ، وجلَّ - قبل أن أراه (البخاريُّ، كتاب فضائل الصَّحابة، رقم 3692).

لقد كان عمر - رضي الله عنه - يخاف هذا الخوف العظيم من عذاب الله تعالى مع أنَّ النَّبيَّ ﷺ شهد له بالجنَّة، ومع ما كان يبذل من جهدٍ كبيرٍ في إقامة حكم الله، والعدل، والزُّهد، والجهاد، وغير ذلك من الأعمال الصَّالحة، وإِنَّ في هذا لدرساً بليغاً للمسلمين عامَّةً في تذكُّر عذاب الله الشَّديد، وأهوال يوم القيامة (التَّاريخ الإِسلامي، 19/33).

وهذا عثمان - رضي الله عنه - يحدِّثنا عن اللَّحظات الأخيرة في حياة الفاروق، فيقول: أنا اخركم عهداً بعمر، دخلت عليه، ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر، فقال له: ضع خدِّي بالأرض، قال: فهل فخذي والأرض إِلا سواء ؟ قال: ضع: خدِّي بالأرض لا أمَّ لك! - في الثَّانية، أو في الثَّالثة - ثمَّ شبَّك بين رجليه، فسمعته يقول: ويلي، وويل أمِّي إِن لم يغفر الله لي ! حتَّى فاضت روحه (صحيح التَّوثيق في سيرة وحياة الفاروق، ص 383).

فهذا مثلٌ ممَّا كان يتَّصف به أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - من خشية الله تعالى، حتَّى كان اخر كلامه الدُّعاء على نفسه بالويل؛ إِن لم يغفر الله جلَّ، وعلا له، مع أنَّه أحد العشرة المبشَّرين بالجنَّة، ولكن مَنْ كان بالله أعرف؛ كان من الله أخوف، وإِصراره على أن يضع ابنه خدَّه على الأرض من باب إِذلال النَّفس في سبيل تعظيم الله - عزَّ، وجلَّ - ليكون ذلك أقرب لاستجابة دعائه، وهذه صورةٌ تبيِّن لنا قوَّة حضور قلبه مع الله جلَّ، وعلا (التَّاريخ الإِسلامي، 19/44، 45).

1 - تاريخ موته، ومبلغ سنِّه:

قال الذَّهبي: استشهد يوم الأربعاء لأربعٍ أو ثلاث بقين من ذي الحجَّة، سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وهو ابن ثلاثٍ وستِّين سنةَّ على الصَّحيح (محض الصَّواب، 3/840)، وكانت خلافته عشر سنين، ونصفاً وأيَّاماً (سير السَّلف، أبي القاسم الأصفهاني، 1/160)، وجاء في تاريخ أبي زرعة عن جرير البجلي، قال: كنت عند معاوية، فقال: توفِّي رسول الله(ﷺ) وهو ابن ثلاثٍ وستِّين، وتوفِّي أبو بكر - رضي الله عنه - وهو ابن ثلاثٍ وستِّين، وقتل عمر - رضي الله عنه - وهو ابن ثلاثٍ وستِّين (مسلم، فضائل الصَّحابة، رقم 2352)، وانظر: محض الصَّواب، 3/843).

2 - غسله، والصَّلاه عليه، ودفنه:

عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنَّه غُسِّل، وكُفِّن، وصلِّي عليه، وكان شهيداً (الطَّبقات، 3/366). وقد اختلف العلماء فيمن قتل مظلوماً: هل هو كالشَّهيد لا يغسَّل، أم لا ؟ على قولين: أحدهما: أنَّه يغسَّل، وهذا حجَّةٌ لأصحاب هذا القول (الإِنصاف للمرداوي، 2/503).

والثَّاني: لا يُغسَّل، ويُصلَّى عليه. والجواب من قصَّة عمر: أنَّ عمر عاش بعد أن ضُرب وأقام مدَّةً، والشَّهيد - حتَّى شهيد المعركة - لو عاش بعد أن ضرب حتَّى أكل، وشرب، أو طال مقامه؛ فإِنَّه يُغسَّل، ويصلَّى عليه، وعمر طال مقامه حتَّى شرب الماء، وما أعطاه الطَّبيب، فلهذا غُسِّل، وصُلِّي عليه، رضي الله عنه (محض الصَّواب، 3/845).

3 - مَن صلَّى عليه ؟

قال الذَّهبيُّ: صلَّى عليه صهيب بن سنان. وقال ابن سعد: وسأل عليُّ بن الحسين سعيد بن المسيب: من صلَّى على عمر ؟ قال: صهيب، قال: كم كبَّر عليه ؟ قال: أربعاً، وقال: أين صُلِّي عليه ؟ قال: بين القبر، والمنبر (الطَّبقات، 3/366).

وقال ابن المسيِّب: نظر المسلمون فإِذا صهيبٌ يُصلِّي لهم المكتوبات بأمر عمر - رضي الله عنه - فقدَّموه، فصلَّى على عمر، ولم يقدِّم عمر - رضي الله عنه - أحداً من السِّتَّة المرشَّحين للخلافة حتَّى لا يظنَّ تقديمه للصَّلاة ترشيحاً له من عمر، كما أنَّ صهيباً كانت له مكانته الكبيرة عند عمر، والصَّحابة رضي الله عنهم، وقد قال في حقِّه الفاروق: نعم العبد صهيبٌ، لو لم يخف الله؛ لم يعصه (الفتاوى، 15/140) .

4 – دفن الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه):

قال الذَّهبيُّ: دُفن في الحجرة النَّبويَّة (محض الصَّواب، 3/846). وذكر ابن الجوزي عن جابرٍ قال: نزل في قبر عمر عثمان، وسعيدُ بن زيدٍ، وصهيبٌ، وعبد الله بن عمر. وعن هشام بن عروة، قال: لمَّا سقط عنهم - يعني: قبر النَّبيِّ(ﷺ) وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما - في زمن الوليد بن عبد الملك (البخاريُّ، كتاب الجنائز، رقم 1326). وأخذوا في بنائه، فبدت لهم قدمٌ، ففزعوا، وظنُّوا: أنَّها قدم النَّبيِّ(ﷺ) فما وجدوا أحداً يعلم ذلك، حتَّى قال لهم عروة: لا والله ما هي قدم النَّبي(ﷺ) ! ما هي إِلا قدم عمر - رضي الله عنه (البخاري، كتاب الاعتصام، رقم 2671) - وقد مرَّ معنا: أنَّ عمر أرسل إِلى عائشة - رضي الله عنهما - ائذني لي أن أُدفن مع صاحبيَّ، فقالت: (أي والله !) وقال هشام بن عروة بن الزُّبير: وكان الرَّجل إِذا أرسل إِليها - أي: عائشة - من الصَّحابة؛ قالت: لا والله لا أوثرهم بأحدٍ أبداً (محض الصَّواب، 3/847).

ولا خلاف بين أهل العلم: أنَّ النَّبيَّ(ﷺ)، وأبا بكرٍ وعمر - رضي الله عنهما - في هذا المكان من المسجد النَّبويِّ على صاحبه أفضل الصَّلاة والسَّلام (محض الصَّواب، 3/847).

5 - ما قاله عليُّ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - في الفاروق:

قال ابن عبَّاسٍ: وُضع عمر على سريره، فتكنَّفه النَّاس يدعون، ويصلُّون قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يَرُعني إِلا رجلٌ اخذٌ منكبي، فإِذا عليُّ بن أبي طالبٍ، فترحَّم على عمر، وقال: ما خَلَّفتُ أحداً أحبَّ إِليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله ! إِن كنت لأظنُّ أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أنِّي كنت كثيراً أسمع النَّبيَّ(ﷺ) يقول: « ذهبت أنا، وأبو بكرٍ، وعمر، ودخلت أنا، وأبو بكرٍ، وعمر، وخرجت أنا، وأبو بكرٍ، وعمر » (البخاريُّ، كتاب المناقب، رقم 3685).

6 - أثر مقتله على المسلمين:

كان هول الفاجعة عظيماً على المسلمين، فلم تكن الحادثة بعد مرضٍ ألمَّ بعمر، كما كان يزيد من هولها كونها في المسجد، وعمر يؤمُّ النَّاس لصلاة الصُّبح. ومعرفة حال المسلمين بعد وقوع الحدث يطلعنا على أثر الحادث في نفوسهم، يقول عمرو بن ميمون:.. وكأنَّ النَّاس لم تصبهم مصيبةٌ قبل يومئذٍ. ويذهب ابن عبَّاسٍ ليستطلع الخبر بعد مقتل عمر ليقول له: إِنَّه ما مرَّ بملأً إِلا وهم يبكون، وكأنَّهم فقدوا أبكار أولادهم (العشرة المبشَّرون بالجنَّة، محمَّد صالح عوض، ص 44).

لقد كان عمر - رضي الله عنه - مَعْلَماً من معالم الهُدى، وفارقاً بين الحقِّ والباطل، فكان من الطَّبيعي أن يتأثَّر النَّاس لفقده، وهذا الأثر يوضِّح شدَّة تأثُّر النَّاس عليه، فعن الأحنف بن قيس: قال: فلمَّا طُعن عمر أمر صُهيباً أن يصلِّي بالنَّاس، ويطعمهم ثلاثة أيَّامٍ حتَّى يجتمعوا على رجلٍ، فلمَّا وضعت الموائد كفَّ النَّاس عن الطَّعام، فقال العبَّاس: يا أيُّها النَّاس ! إِنَّ رسول الله(ﷺ) قد مات، فأكلنا بعده، وشربنا، ومات أبو بكرٍ - رضي الله عنه- فأكلنا، وإِنَّه لا بدَّ للنَّاس من الأكل، والشُّرب، فمدَّ يده، فأكل النَّاس (محض الصَّواب، 3/855).

وكان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عندما يُذكر له عمر؛ يبكي حتَّى تبتلَّ الحصى من دموعه، ثمَّ يقول: إِنَّ عمر كان حصناً للإِسلام، يدخلون فيه، ولا يخرجون منه، فلمَّا مات انثلم الحصن، فالنَّاس يخرجون من الإِسلام (الطَّبقات الكبرى، 3/284).

وأمَّا أبو عبيدة بن الجرَّاح، فقد كان يقول قبل أن يُقتل عمر: إِن مات عمر؛ رقَّ الإِسلام، ما أحبُّ أنَّ لي ما تطلع عليه الشَّمس، أو تغرب وأن أبقى بعد عمر، فقيل له: لِم ؟ قال: سترون ما أقول إِن بقيتم، وأمَّا هو فإِن وُلِّي والٍ بعدُ، فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به؛ لم يطع له النَّاس بذلك، ولم يحملوه، وإِن ضعف عنهم؛ قتلوه (الطَّبقات الكبرى، 3/284)، وانظر: العشرة المبشَّرون بالجنَّة، ص 44).

 

 

المرجع الأساسي:

  • فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)؛ شخصيته وعصره للمؤلف الدكتور علي محمد الصلابي، دار ابن كثير،  ط2 1430هـ - 2009م، ص. ص 560 – 570. ورابط الكتاب على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/630

 


: الأوسمة



التالي
خلاصة هجرة علمية وأنفاس 40 عاما في الطلب.. كيف تحصل الرسوخ الفقهي.؟
السابق
البرهان والتفكير طريق للحقيقة وبناء الايمان وتأسيس التدين

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع