الوصية النافعة للمحافظة على الشباب وطول العمر
بقلم: الأستاذ بن سالم باهشام
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
(سلسلة خطبة الجمعة)
عباد الله، كل الناس يسعون بكل ما لديهم للمحافظة على شبابهم، ليتمتعوا بطول العمر دون أمراض، إلا أنهم يختلفون في الوسيلة لتحقيق مبتغاهم، وأكثرهم ضل الطريق ولم يحالفهم الصواب، لأنهم بحثوا عن الوسيلة لتحقيق مرادهم في الأعشاب، ومنهم من بحث عنها في الأدوية، ومنهم من بحث عنها في اختيار الطعام، ومنهم من بحث عنها في الرياضة، ومنهم من بحث عنها في أماكن اللهو، وبما أن الواقع المعيش هو محط التجارب، فإنه يشهد بما لا مجال للشك فيه، أن كل هذه الطرق والوسائل، لا تحقق السعادة، ولا تحافظ على شباب الشخص، ولا تحفظه من أنواع الأمراض، وما نتمناه نحن جميعا سبق إليه أحد الحكام في زمان من الأزمنة، إذ يحكى أنه كان هناك أمير يحكم إمارة، وكان لديه حكيم ذكي، و كان هذا الأمير يحلم بأن يبقى دوماً شاباً قوياً، و ألا تصيبه الشيخوخة، فطلب من حكيم لديه؛ أن يأتيه بدواء يطيل العمر، و يبعد شبح الشيخوخة، و وعده بأجزل العطاء إن جاء له بطلبه، فذهب الحكيم يبحث في المدن والقرى عن دواء يطيل العمر و يبقي الإنسان شابا.
حتى مَرَّ بقرية، و سأل أهلها عن عشبة أو أكلة تطيل العمر، فنصحه أهل تلك القرية أن يذهب إلى أعلى الجبل، حيث يسكن أخوان، ربما يجد عندهما ما يبحث عنه، ذهب الحكيم إلى حيث يعيش هذان الأخوان، و وصل إلى هناك قبل الغروب بقليل، بعد جهد ومشقة وتعب. كان البيت الأول صغيراً، والأشياء من حوله مبعثرة، و أمام باب البيت، جلس رجل عجوز هرم، سلم عليه الحكيم فرد عليه العجوز السلام، ورحب به، ثم طلب الحكيم من العجوز أن يسمح له بالمبيت عنده تلك الليلة حتى الغد، و قبل أن يتكلم العجوز، جاء صوت من داخل البيت، فإذا هي زوجته تقول بكل جرأة وقلة حياء، وكأنها تريد أن تتخاصم: ليس لدينا مكان للضيوف! ابحث لك عن مكان آخر. سمع العجوز كلام زوجته، وطأطأ رأسه، و تأسف واعتذر للحكيم. دون أن يقول شيئا لزوجته. توجه الحكيم إلى البيت الآخر، فإذا هو بيت في غاية الجمال و النظافة و الترتيب، و تحيط به أنواع الزهور والنباتات الجميلة، بالإضافة إلى أصوات الطيور و البلابل.
و إذا بشاب جميل الوجه والمظهر، منبسط الوجه، ينتظره و يرحب به، و نادى على زوجته يخبرها أن لدينا ضيف اليوم، فرحبت الزوجة بالحكيم أجمل ترحيب، في اليوم الثاني، أفصح الحكيم للرجل عن سبب زيارته لهم، و سأله، لماذا أنت في صحة و عافية وشباب، بينما أخوك الأكبر، قد شاب و هرم، ومقطب الجبين، ومكفهر الوجه؟. فضحك الرجل و قال له: أنت مخطئ يا سيدي، هو أخي الصغير، و أنا أكبر منه بعشرين سنة! تعجب الحكيم، وزاد و لعه لاكتشاف سر بقاء الرجل في مرحلة الشباب، و طلب معرفة ذلك السر، مقابل أي شيء يطلبه، فوعده الرجل بذلك، و لكن بعد تناول وجبة الغذاء. أثناء الغذاء، قدم الرجل و زوجته للضيف الحكيم أفضل ما لديهما من الطعام مع بشاشة الوجه وحسن الترحاب، ثم جلسا تحت شجرة تطل على الوادي، و طلب الرجل من زوجته أن تذهب إلى بستانهم الذي يقع أسفل الوادي، وأن تحضر لهم بطيخة، ذهبت الزوجة، و بعد ساعة، جاءت ببطيخة، نظر زوجها إلى البطيخة، وأخذ يضرب عليها بكف يديه، ثم قال لزوجته: لا يا زوجتي العزيزة! أرجو أن ترجعي هذه البطيخة، وتأتي لنا بواحدة أخرى.
فقالت الزوجة: مرحبا سآتي بغيرها حالاً، ذهبت الزوجة إلى أسفل الوادي، و عادت ببطيخة أخرى، و لكن الزوج لم يقتنع، و أرسل زوجته مرة ثانية، و ذهبت الزوجة بكل رحابة صدر، ونزلت إلى الوادي، و جاءت ببطيخة أخرى؛ وفي هذه المرة؛ وبعد أن تفحص الزوج البطيخة، فتحها وأكلوا منها جميعا، أعاد الحكيم السؤال على صاحب المنزل الشاب القوي الوسيم، و طلب منه معرفة الأكلة أو العشبة التي تحافظ على الشباب مثله، فأجابه الرجل، إنها ليست أكلة أو عشبة، بل السر في صحتي و شبابي وانشراحي، هي زوجتي! فمنذ أن تزوجتها ، لم أجد منها غير الحب و الرحمة و الحنان و الاحترام و التقدير، هل تعلم يا حكيم؛ وقد أجريت التجربة أمامك حتى لا يبقى لك مجال إلى الشك، أنه لم تكن في بستاني غير بطيخة واحدة، و أنها نزلت إلى الوادي ثلاث مرات، رغم صعوبة ومشقة الهبوط والصعود، و كانت في كل مرة تأتي لنا بتلك البطيخة نفسها، ولكنها لم تمتعض، أو تبدي أي علامة تنقص من شأني أمامك، تعجب الحكيم من هذه المرأة الصالحة ، وأيقن أن السعادة و راحة البال؛ و الصحة و الشباب ، تصنعها الزوجة الصالحة بمحبتها و عطفها و اهتمامها، و بعدها عن النكد و العناد و القيل و القال، و ليست الأدوية و الأعشاب.
عباد الله، الزوجة الصالحة هي حسنة الدنيا التي تحفظ للزوج شبابه، وتعده للآخرة بتحصينه، وتقيه من الأمراض بحسن معاملتها له، قال الله تعالى فيها في سورة البقرة: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (فجمعت هذه الدعوةُ، كلَّ خير في الدنيا، وصرَفت كلّ شر، فإن الحسنة في الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي، من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين، ولا منافاة بينها، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا، وأما الحسنة في الآخرة، فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العَرَصات، وتيسير الحساب، وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة، وأما النجاة من النار، فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا، من اجتناب المحارم والآثام، وترك الشبهات والحرام …ولهذا وردت السنة بالترغيب في هذا الدعاء. فقال البخاري في صحيحه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “اللَّهم ربَّنا، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” . وقال الإمام أحمد: عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أكثر دعوة يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “اللهم ربَّنا، آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار”) (1/ 558 ). بل إن أول دعاء عباد الرحمن بعد أخذهم بالأسباب، وتحليهم بإحدى عشرة صفة حسنة، طلبهم الله تعالى بأن يقر أعينهم بزوجاتهم، إذ قالوا كما جاء في سور الفرقان: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
عباد الله، إن هذه القصة المتعلقة بالأخوين وثمرة صلاح زوجتيهما أو عدمهما، يعزز مضمونها ويقويه، الأحاديث الصحيحة العديدة، والتي وردت في فضل الزوجة الصالحة، وما تجلبه من الخير والسعادة للزوج؛ منها:
1 – ما رواه شهاب الدين البوصيري بإسناد رجاله ثقات، عن عبدالله بن الحسن، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (أربع من سعادة المرء: أن تكون زوجته موافقة، وأولاده أبراراً، وإخوانه صالحين، وأن يكون رزقه في بلده).[ إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (4/7)].
2 – روى الحافظ الهيثمي ، في غاية المقصد في زوائد المسند، عن إِسْمَاعِيل بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاثَةٌ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاثَةٌ، مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، [وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ]، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ). [غاية المقصد في زوائد المسند (1/ 2959)]
3 – روى ابن ماجه في سننه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيرا من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته، أو حفظته في نفسها وماله.)
4 – روى أبو داود والحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبرك بخير ما يكتنز المرء؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته).
عباد الله، جاء في عون المعبود؛ شرح سنن أبي داود، في شرح هذا الحديث (قوله: ( بخير ما يكنز المرء) أي بأفضل ما يقتنيه ويتخذه لعاقبته، ( المرأة الصالحة ) أي الجميلة ظاهرا وباطنا … قيل: فيه إشارة إلى أن هذه المرأة، أنفع من الكنز المعروف، فإنها خير ما يدخرها الرجل، لأن النفع فيها أكثر، لأنه ( إذا نظر ) أي الرجل ( إليها سرته ) أي جعلته مسرورا لجمال صورتها، وحسن سيرتها، وحصول حفظ الدين بها ( وإذا أمرها ) بأمر شرعي، أو عرفي ( أطاعته ) وخدمته، ( وإذا غاب عنها حفظته )، قال القاضي عياض: “لما بين لهم صلى الله عليه وسلم أنه لا حرج عليهم في جمع المال وكنزه ما داموا يؤدون الزكاة، ورأى استبشارهم به، رغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى، وهي المرأة الصالحة الجميلة، فإن الذهب لا ينفعك إلا بعد ذهابه عنك، وهي ما دامت معك تكون رفيقتك تنظر إليها فتسرك، وتقضي عند الحاجة إليها وطرك، وتشاورها فيما يعن لك ،فتحفظ عليك سرك، وتستمد منها في حوائجك فتطيع أمرك، وإذا غبت عنها تحمي مالك وتراعي عيالك”)
عباد الله، من هنا كانت فكرة الصلاح وطاعة الله أساس الصالحين في اختيار زوجاتهم أو فراقهن،
عباد الله، هذا هو الدواء النافع والشافي والكافي والوافي لحفظ الشباب، والوقاية من الأمراض، والعيش في سلام وأمن وأمان، فما الحل للمتزوجين الذين لا تتصف زوجاتهم بصفة الصلاح التي ذكرها الله في القرآن، وذكرتها الأحاديث النبوية الشريفة؟ هل يتم فراقهن والبحث عن الصالحات؟ أم الصبر عليهن كما صبر ذلك الرجل الهرم الحزين الذي ورد ذكره في القصة؟
عباد الله، إن أنفع وسيلة، وأجدى وسيلة للمتزوجين لإصلاح زوجاتنا كي تقر أعيننا بهن، وحتى نحافظ على سلامة أجسادنا وعقولنا وأنفسنا، هو السعي الجاد لإصلاح أنفسنا، فعباد الرحمن في سورة الفرقان، لم يسألوا الله تعالى صلاح زوجاتهم إلا بعد التحلي بإحدى عشرة صفة حميدة، وبناء عليه، لا نقول: اللهم أصلح لنا زوجاتنا، بل الأمر مرتكز بالأساس على صلاحنا نحن، لهذا علينا أن نقول: اللهم أصلحنا لزوجاتنا، فبصلاحنا يصلح الله زوجاتنا، مصداقا لقوله تعالى من سورة الأنبياء: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ، إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ، وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء: 90]، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.