إرادة الشعوب: بين قوة التغيير، وحق تقرير المصير
بقلم: أ. د. عبدالرزاق قسوم
غير أن ما يتجلى لنا، من خلال ممارسة السياسة من بعض الساسة، لاسيما في ضوء مذاهب وأديولوجيات، بشر بها بعض الفلاسفة كميكيافيلي الإيطالي، وهوبز الإنجليزي، وغيرهما مما يجعلنا نبرأ إلى الله من هذا اللون من التطبيق للسياسة، ونستعيذ بالله، من ساس ويسوس، وما انبثق عنها في القول والعمل، على حد تعبير بعض العلماء.
كما أننا ننحاز –لا إراديا- إلى قول الشاعر التونسي مصطفى خريف في قوله:
لعن الله السياسة ** ذات خبث وخساسة
تفتن الإنسان تغريه ** بمال ورئاسة
فإذا أمعن فيها ** قطع الإمعان رأسه
فإذا نزّلنا مفهوم السياسة على واقع بعض بلداننا العربية، والإفريقية، تبين لنا بجلاء حجم ما تجلبه من كوارث تنعكس سلبا على الإنسان اقتصاديا، وثقافيا، وأخلاقيا.
ومما يزيد الطين بلة، ويبعث على الحزن والأسى، أن القط الأبيض الأوروبي يتخذ مخالب سوداء لتحقيق أغرَاضه البعيدة المدى، حتى ولو كلف ذلك شعوبنا الدمار، والعار والشنار.
وإن مما يدمي القلب أكثر، هو أن قوى الغرب التي تستنزف موارد شعوبنا، تحاول إعطاب وعي هذه الشعوب، وشل إرادتها، والوقوف دون أية محاولة من هذه الشعوب للتغيير، وحق تقرير المصير.
لقد رسم الشاعر السوداني محمد الفيتوري صورة قاتمة، تنبض بالوعي، وباليقظة حين قال عن الإنسان الإفريقي:
جبــهـــة الــعبــد ونــعــل السيــد ** وأنين الأسود المضطهد
وحكايات قرون قد مضت ** لم أعد أقبلها، لم أعد
كيـــف يستــعبــد أرضـــي أبيــض ** كيف يستعبد أمسي وغدي
كيـــف يخبــو عمـــري في سجنــــــه ** وجدار السجن، من صنع يدي
أنــــــــا زنجتـي وإفريقيــتي لي ** لا للأجنبي المعتدي
أذكر كل هذا، عندما أرى ما يحدث اليوم في النيجر، والسودان، وليبيا، وما حدث بالأمس في مالي، وبوركينافاسو ومصر، وغيرها، من انقلابات، وكيف كان التعامل من الغرب، مع هذه الانقلابات بمكيالين، بغض الطّرف عن بعضها، عندما يكون في ذلك تأمين لموارده، وتحقيق لمصالحه، ويبدي العين الحمراء عندما يلاحظ أن في التغيير، قضاء على نفوذه، وإنهاء لمصالحه، وموارده، وتكذيبا لوعوده.
إن الواقع الماثل أمامنا اليوم في دولة النيجر، هذه الدولة التي نفضت عن عباءتها غبار الاستعمار، واستعانت بضوء الفجر والنهار، لحماية الديار من كل تهديد أو تلويح باستعمال قوة الحديد والنار.
أين كانوا –لا كانوا- عندما اندلعت حروب ومجازر باسم الانقلاب، فنكلت بالأحرار، وغيبت العلماء، خلف حيطان السجون والمقابر والأسوار؟
وأين كانوا –لا كانوا- عندما ساد التعسف والاستبداد، فصُفّدت القوة الحية، وعم القمع وانتشر الفساد، لماذا لم تسمع لهم همسة ولم تحدث منهم لمسة؟
وهؤلاء الذين يملكون القابلية، لتمثيل دور مخالب القط، في شن الحرب على أشقائهم بالوكالة، هل ما تزال لديهم بقية أصالة؟
نحن من موقع الإيمان بانتمائنا، ومن واقع الوعي بإفريقيتنا؛ نؤمن –ونحن المالكية مذهبا- نؤمن بمقولة إمام دار الهجرة الإمام مالك: وجاز أو وجب دفع صائل بما أمكن.
فلا عذر لإفريقيا اليوم، أيا كان موقع بلدانها، أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام التهديد بالحرب ضد النيجر، وما قد يصيب –لا قدر الله- أية دولة إفريقية سينتقل في الغد إلى باقي الدول الأخرى، <وأكلت يوم أكل الثور الأسود>.
إن الموقف الجزائري، وهو يعي مخاطر ما يحدث على حدوده، يقف وقفة رجل واحد لمساندة المستضعفين الأشقاء في النيجر، إن هذا الموقف يجب أن يتخذ نموذجا يحتذى في تطبيق ميثاق الإتحاد الإفريقي والقيم الإنسانية، التي توجب مد يد العون لهؤلاء الفتية الأفارقة الذين آمنوا بوطنهم، وبانتمائهم.
فإرادة الشعوب، هي التي سيكتب لها النصر في النهاية، لأنها تنبثق من تصميم قوة التغيير، وتعميم حق تقرير المصير، وإن البقاء في النهاية سيكون للأصلح والأفضل، والأفضل هو المواطن الواعي بوطنيته، والمجاهد المؤمن بمصير قضيته، وإن ليل الاستعمار قد ولى، وإن فجر الشعوب قد لاح، «طلع الصباح فأطفئوا القنديلا».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أ. د. عبدالرزاق قسوم؛ رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين