البحث

التفاصيل

بعوث رسول الله(ﷺ) لتعليم مبادئ الإسلام .. من صور السماحة والرحمة في الدعوة إلى الله

الرابط المختصر :

بعوث رسول الله(ﷺ) لتعليم مبادئ الإسلام .. من صور السماحة والرحمة في الدعوة إلى الله

الإسلام وبناء القيم (3)

بقلم: د. علي محمد الصلابي 

<اقرأ: الإسلام وبناء القيم (2) (الهجرة إلى الحبشة ترسيخ لقيم كونية وإنسانية عظيمة>

 

كانت الوفود تسعى إلى المدينة لتعلن إسلامها، وتنضوي تحت سيادة الدَّولة الإسلاميَّة، ويتعلَّموا ما شاء الله أن يتعلَّموه في المدينة قبل رجوعهم إلى موطنهم، وكان(ﷺ) يرسل معهم مَنْ يعلِّمهم دينهم، وشرع(ﷺ) يبعث دعاته في شتَّى الجهات، واهتمَّ بجنوب الجزيرة حيث قبائل اليمن؛ لتعليمها مبادئ الإسلام، وأحكامه، فقد انتشر أمر الإسلام في الجزيرة، ومختلف أطرافها، وأصبحت الحاجة داعيةً إلى معلِّمين، ودعاة، ومرشدين، يشرحون للنَّاس حقائق الإسلام (البوطي،1991،ص322)؛ لكي تتطهَّر قلوبهم، وتشفى صدورهم من أمراض الجاهليَّة، وأدرانها الخبيثة، وامتنعت قبيلة بني الحارث بن كعب عن الدُّخول في الإسلام، فأرسل إليهم رسولُ الله(ﷺ) خالداً في سريَّةٍ دعويَّةٍ جهاديَّةٍ.

1.    بَعْثُ خالد إلى بني الحارث بن كعب (10 هـ):

كان بنو الحارث بن كعب يسكنون بنجران، ولم يقبَل منهم أحدٌ الإسلام، فبعث رسول الله(ﷺ) إليهم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر، أو جُمادَى سنَة عشْرٍ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثاً، فإن استجابوا؛ قَبِلَ منهم، وإن لم يفعلوا؛ قاتلهم، فخرج خالد حتَّى قدم عليهم، فبعث الرُّكبان في كل وجه يدعون إلى الإسلام، فأسلم النَّاس، ودخلوا فيما دُعوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلِّمهم الإسلام، وكتاب الله، وسنَّة نبيِّه(ﷺ) كما أمره رسول الله(ﷺ) ، ثمَّ كتب خالدٌ إلى رسول الله(ﷺ) يُعْلِمه بإسلامهم، وأنَّه مقيمٌ فيهم، حتَّى يكتب إليه رسول الله(ﷺ) ، فجاءه كتاب رسول الله(ﷺ) يأمره بأن يُقْبِل إلى المدينة؛ ومعه وفدٌ منهم، ففعل، فلما قدموا أمَّر عليهم قيس بن الحُصَيْن، وبعث إليهم بعد ذلك عمرو بن حزم، ليفقههم في الدِّين، ويعلِّمهم السُّنَّة، ومعالم الإسلام.

وفي روايةٍ: أنَّه(ﷺ) أرسل عليّاً بدلاً من خالدٍ، وعندما وصل إلى قبائل همدان؛ قرأ عليهم كتاب رسول الله(ﷺ) ، فأسلمت همدان جميعاً، فكتب عليٌّ إلى رسول الله(ﷺ) بإسلامهم، فلـمَّا قرأ رسول الله(ﷺ) الكتاب؛ خرَّ ساجداً، ثمَّ رفع رأسه فقال: «السَّلام على همدان، السَّلام على همدان» [البيهقي في الدلائل: (5/396)].

كان رسول الله(ﷺ) حريصاً على الجبهة الجنوبيَّة للدَّولة، وأن تدخل قبائل اليمن في الإسلام، وظهر هذا الاهتمام في النتائج الباهرة الَّتي حقَّقتها الدَّعوة، في كثرة عدد الوفود التي كانت تنساب من كلِّ أطراف اليمن متَّجهةً إلى المدينة، ممَّا يدل على أنَّ نشاط المبعوثين إلى اليمن كان متَّصلاً، وبعيد المدى، وكانت سرايا رسول الله(ﷺ) تساند هذا النَّشاط الدَّعويَّ السِّلميَّ، حيث بعث خالد بن الوليد، ثمَّ علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهما في هذا السِّياق(الفهداوي،1998، ص231).

إنَّ الوثائق الَّتي عقدها النَّبيُّ(ﷺ) مع قبائل اليمن، وحضرموت قد بلغت عدداً كبيراً، ضمَّنهـا محمَّد حميـد الله - رحمـه الله - في كتابـه: «مجموعـة الوثائـق السِّياسيَّة»(الفهداوي،1998، 230).

إنَّ التَّركيز على مفاصل القوى، ومراكز التَّأثير في المجتمعات، وبناء الدُّول، منهج نبويٌّ كريمٌ، حرص النَّبيُّ(ﷺ) على ممارسته في حياته.

2.    بَعْثُ معاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما إلى اليمن:

-        بعث رسول الله(ﷺ) معاذ بن جبل الأنصاريَّ - أعلمَ الصَّحابة في علم الحلال والحرام - إلى اليمن؛ قاضياً، ومفقِّهاً، وأميراً، ومصدِّقاً، وجعله على أحد مِخْلافَيْها، وهو الأعلى. ولـمَّا خرج معاذٌ قاصداً اليمن؛ خرج معه رسول الله(ﷺ) يودِّعه، ويوصيه، ومعاذ راكبٌ، ورسول الله(ﷺ) يمشي تحت راحلته، فأوصاه بوصايا كثيرةٍ، ورسم له منهجاً دعويّاً عظيماً، حيث قال له: «إنك ستأتي قوماً من أهل كتاب، فإذا جئتهم؛ فادعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسولُ الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فأخبرهم: أنَّ الله فرض عليهم خمس صلواتٍ كلَّ يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فأخبرهم: أنَّ الله فرض عليهم صدقةً، تؤخذ من أغنيائهم، فتردُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإيَّاك وكرائمَ أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم، فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب». [البخاري (1458)، ومسلم (19)].

وفي هذا الحديث إرشادٌ من النَّبيِّ(ﷺ) للدُّعاة إلى الله بالتَّدرُّج، والبدء بالأهمِّ، فالأهمِّ، فالدَّعوة تكون بترسيخ الإيمان بالله تعالى، ورسوله إيماناً يثبت في القلوب، ويهيمن على الأفكار، والسُّلوك، ثمَّ تكون الدَّعوة بعد ذلك إلى تطبيق أركان الإسلام العمليَّة الَّتي ترسِّخ هذا الإيمان، وتنمِّيه، ثمَّ يأتي بعد ذلك الأمر بالواجبات، والنَّهي عن المحرَّمات، فيتقبَّل النَّاسُ تكاليف الإسلام الَّتي قد تكون مخالفةً لهوى النفس؛ لأنَّ قلوبهم قد عمرت بالإيمان، واليقين قبل ذلك.

وهذا منهجٌ نبويٌّ كريمٌ رسمه( صلى الله عليه وسلم ) لمعاذ ولمن يريد أن يسير على هدي الصَّحابة الكرام، وما أحوج الذين نذروا أنفسهم للدَّعوة إلى الله إلى الوقوف أمام هذا الهدي النَّبويِّ يترسَّمون خطاه، ويستوعبونه فهماً، ووعياً، وتطبيقاً! وحينئذٍ تكون خطاهم في الطَّريق الصَّحيح. ولـمَّا فرغ رسول الله(ﷺ) من وصاياه لمعاذ قال له: «يا معاذُ! إنَّك عسى ألاَّ تلقاني بعد عامي هذا، ولعلَّك أن تمرَّ بمسجدي هذا، وقبري»، فبكى معاذ خَشَعاً لفراق الرَّسول(ﷺ) ، وكذلك وقع الأمر كما أشار الرَّسول(ﷺ) ، فقد أقام معاذ باليمن، ولم يقدم إلا بعد وفاة الرَّسول(ﷺ)(أبو شهبة،1996،2/559) .

-        بعث رسول الله(ﷺ) أبا موسى الأشعريَّ اليمنيَّ إلى مخلاف اليمن الآخر، وهو الأسفل، قاضياً، ومفقِّهاً، وأميراً، ومصدِّقاً، وأوصاه، ومعاذاً، فقال:ءَ «يسِّرا، ولا تعسِّرا، وبشِّرا، ولا تنفِّرا، وتطاوعا، ولا تختلفا». [البخاري (4342)، ومسلم (1733)].

وهذا منهجٌ نبويٌّ كريمٌ أرشد إليه رسولُ الله(ﷺ) معاذاً، وأبا موسى بأن يأخذوا بالتَّيسير على النَّاس، ونهاهما عن التَّعسير عليهم، وأمرهما بالتَّبشير، ونهاهما عن التَّنفير.

3.    ترتيب أمور الإدارة والمال:

إن النِّظام جزءٌ من هذا الدِّين، وداخلٌ في كل أموره؛ لأنَّ النِّظام يجمع الأشتات، وتُحقَّق به الأهداف، والغايات، فالنِّظام سمةٌ يتميَّز بها الإسلام منذ اللَّحظة الأولى؛ حيث يدخل في جميع جوانب الإسلام التَّصوريَّة، والشَّعائريَّة، والتُعبُّديَّة، وفي الشَّرائع الحياتيَّة كلِّها، فكان(ﷺ) يضع من يدير المدينة في حالة غيبته عنها، وكلَّما فتح منطقةً، وضع عليها أميراً، وكانت الوفود تأتي إلى رسول الله(ﷺ) فيُعيِّن عليها أميراً مِنْ قِبَلِه، ثمَّ يترك لهم مَنْ يعلِّمهم دينهم، ويرسل إليهم مَنْ يجمع صدقاتهم.

 

مراجع:

-        خالد الفهداوي، الفقه السِّياسي للوثائق النَّبويَّة، دار عمَّار، ط1 1419 ه،  1998 م.

-        علي محمد الصلابي، السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، 1425ه،2004م،صص1338-1341

-        محمد أبو شهبة، السِّيرة النَّبويَّة في ضوء القرآن والسُّنَّة دار القلم - دمشق، ط3 1417هـ، 1996م.

-        محمَّد سعيد رمضان البوطي، فقه السيرة، دار الفكر، دمشق، ط1 1991.


: الأوسمة



التالي
الإمام الشافعي بين أهل الرأي وأهل الحديث (1)
السابق
الفضائل الإنسانية بين القرآن والفلسفة "قراءة تحليلية مقارنة من خلال جزء قد سمع"

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع