بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة؛ أنقذوا مكـارم الأخلاق (5)
العودة إلى الفطرة السليمة ومكارم الأخلاق.
بقلم الدكتور أحمد الإدريـسي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
(سلسلة؛ أنقذوا مكـارم الأخلاق؛ الدعوة إلى المثلية سبيل إلى تغيير الفطرة (4))
إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بيننا وبينه، فالأخلاق ليست مجرد كلمات ومواعظ، بل هي منظومة كبرى في غيابها ستكون المخاطر أكثر على المجتمع لهدم القيم والفطرة، وتدمير الروابط الاجتماعية وتمكين الخلل في المجتمعات المسلمة. فلابد إذن من التفكير في العودة إلى مكارم الأخلاق، ثم بعد ذلك نتحمل مسؤولياتنا في إنقاذ العالم من العدمية والكراهية والأنانية والتفاهة والانحلال والظلم والاستكبار والفوضى الأخلاقية.
أولا: مكارم الأخلاق.
إن مكارم الأخلاق كثيرة ولا تكاد تنحصر، نذكر جملة منها:
- صدق اللسان، وحسن الخلق، وصلة الرحم، والترحم على الجار، ومعرفة الحق لصاحبه. والجود والكرم.
- الحياء والوقار والاحترام المتبادل.
- بر الوالدين؛ فقد أمرت الفطرة الإنسانية السليمة الناس ببر آبائهم، ورعايتهم عند الكبر، فهذا من حسن تقديرهم لما بذلوه من أجل تنشئة أبنائهم تنشئة سليمة. وفي المقابل جعل الإسلام عقوق الوالدين من أكبر الذنوب وأعظمها، فالإنسان الذي لا يوجد فيه خير لأبويه، يستحيل أن يوجد فيه خير للآخرين.
- تربية الأولاد تربية صالحة في دينهم ودنياهم أمانة عند الوالدين، كلّفهما الله بحفظها ورعايتها، لأنّ الأبوين مسؤولين بين يدي الله عن تربية أبنائهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيته، فالرجل راعٍ في بيته وهو مسؤول عن رعيّته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولةٌ عن رعيّتها".
ثانيا: خطوات عملية لأجل العودة إلى مكارم الأخلاق.
من أجل العودة إلى مكارم الأخلاق، لابد أولا من الرجوع إلى أخلاق الإسلام، فأحكام الشريعة الإسلامية تبني الفرد على الأخلاق والقيم، وتحمي الأسرة من أسباب الضعف، وفيها ما يكفل لها الصلاح والاستقرار والمودة والرحمة، والسعادة في الدنيا والآخرة لكل أفرادها. وهذا يحتاج إلى تضافر جهود العلماء والدعاة، والحكومات المجتمع المدني، وكل الغيورين على مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية، من أجل هذه الأمراض، وهذا الخروج عن الفطرة السليمة.
إن من أهم الخطوات العملية؛ إعطاء جانب الأخلاق والقيم حقه في الدراسة والتحليل، وإدراجه في المناهج الدراسية، فإن من الباحثين مسلمين وغير مسلمين من يرى أن الأخلاق والقيم لم توف حقها اللازم في التدريس ومرافق الحياة، ليتطبع بها المجتمع وتتشربها الأجيال القادمة، كما يقول الدكتور راغب السرجاني: (والحقيقة أن جانب الأخلاق والقيم لم يوفّ حقه في حضارة المسلمين، تلك التي قامت في الأساس على القيم والأخلاق، وبُعث رسولها صلى الله عليه وسلم خاصة ليتمم مكارم الأخلاق)[1],
ومن التوجيهات العامة للرجوع إلى مكارم الأخلاق:
* الأخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بماء المكرمات.
* الحضارة ليست أدوات نستعملها ونستهلكها، وإنما هي أخلاق سامية نوظفها.
* المرء بالأخلاق يسمو ذكره وبها يفضل في الورى و يوقر. في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.
* ليست الأخلاق أن تكون صالحا فحسب، بل أن تكون مصلحا، وتعمل شيئا صالحا.
* شيئان ما انفكا يثيران في نفسي الإعجاب والاحترام السماء ذات النجوم من فوقي وسمو الأخلاق في نفسي.
* تفسد المؤسسات حين لا تكون قاعدتها الأخلاق.
* صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوم النفس بالأخلاق تستقم.
* تنكشف الأخلاق في ساعة الشدة.
* يمكن للإنسان أن يدخل قلوب الآخرين بأخلاقه، ودون أن ينطق بكلمة واحدة.
* نحن لسنا محتاجين إلى كثير من العلم، ولكننا محتاجون إلى كثير من الأخلاق الفاضلة والمحافظة على القيم.
* أدنى أخلاق الشريف كتمان سره، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر له.
ثالثا: الرجوع إلى الفطرة السليمة.
1- مفهوم الفطرة:
- لغة: الفطرة من فطر الشيء أي ابتدأه و أنشأه. فطَرَ الشيءَ يَفْطُرُه فَطْراً فانْفَطَر وفطَّرَه: شقه. وتَفَطَّرَ الشيءُ: تشقق. والفَطْر: الشق، وجمعه فُطُور. وفي التنزيل العزيز: هل ترى من فُطُور؛ وأَنشد ثعلب:
شَقَقْتِ القلبَ ثم ذَرَرْتِ فيه ++ هواكِ، فَلِيمَ، فالتَأَمَ الفُطُورُ.
وأَصل الفَطْر: الشق؛ ومنه قوله تعالى: إذا السماء انْفَطَرَتْ؛ أَي انشقت. وفي الحديث: قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى تَفَطَّرَتْ قدماه أَي انشقتا. ابن سيده: تَفَطَّرَ الشيءُ وفَطَر وانْفَطَر. وفي التنزيل العزيز: السماء مُنْفَطِر به[2].
- اصطلاحا: هي الخلفة التي خلق الله سبحانه وتعالى عباده عليها وجعلهم مفطورين عليها وعلى محبة الخير وإيثاره و كراهية الشر ودفعه وفطرهم حنفاء مستعدين لقبول والاخلاص لله عز وجل والتقرب اليه. وقيل؛ الفطرة هي الصفات الخَلقية الأولية التي منحها الله تعالى للإنسان وغرسها في طبيعته، من المعرفة به والميلُ الأصلي إلى السلوك المستقيم. أما التوجه التلقائي إلى الخالق سبحانه وإلى توحيده، وطلب ما عنده من خير، فهذه فطرة عَقَدية.
2- أسس الفطرة السليمة في الإسلام:
سأبين أسس الفطرة السليمة من خلال ما ورد عن الفطرة في الإسلام:
- الفطرة من سنن الله التي لا تقبل الإلغاء والتبديل، لكنها تقبل التغيير وتخضع للتأثير.
- صرحت النصوص الشرعية بأن كل الناس من جميع الأجناس يولدون على هذه الفطرة أول ما يولدون، فهي سنة من سنن الله التي لا تتبدل ولا تتخلف.
- بعد الولادة والاندماج في الحياة الاجتماعية، تصبح جميع الصفات الفطرية عرضة للتأثيرات السلبية، التي قد تغير منها قليلا أو كثيرا، دون أن تمحوها وتبدلها من أصلها.
- الفطرة هي الصفات الخَلقية الأولية التي منحها الله تعالى للإنسان وغرسها في طبيعته.
- أن الصفة الفطرية الأساسية الجامعة هي الاستقامة والسلامة.
- حب الفضائل والمحاسن وكره الرذائل والقبائح (فطرة قلبية وجدانية).
- الميلُ الأصلي إلى السلوك المستقيم والتصرف والتحدث بصدق (فطرة سلوكية عملية).
– قال الشيخ ابن عاشور: الفطرة في كل أحوال الإنسان “والفطرة: ما فُطِر– أي خُلق – عليه الإنسان ظاهراً وباطناً، أي جسدًا وعقلاً. فسَيْرُ الإنسان على رجليه فطرة جسدية، ومحاولة مشيه على اليدين خلافُ الفطرة. وعمل الإنسان بيديه فطرة جسدية، ومحاولة عمله برجليه خلافُ الفطرة. واستنتاج المسبَّبات من أسبابها والنتائجِ من مقدماتها فطرةٌ عقلية. ومحاولةُ استنتاج الشيء من غير سببه – المسمى في علم الجدل بفساد الوضع – خلافُ الفطرة العقلية. والجزم بأن ما نشاهده من الأشياء هو حقائق ثابتة في نفس الأمر فطرة عقلية، وإنكار السفسطائية ثبوتَها خلافُ الفطرة العقلية” [3]. ثم قال: (الشريعة مبنية على الفطرة، وهذا الوصف العظيم صالح لأن يكون الأصلَ العامَّ لفهم مناحي التشريع والاستنباط، فهو أَوْلى الأوصاف بأن يجعل أصلاً جامعا لكليات الإسلام… وفي هذا تنبيه للعلماء بأن عليهم أن يسايروا هذا الوصف الجامع ويجعلوه رائدهم وعاصمهم في إجراء الأحكام، بمنزلة إبرة المغناطيس لربان السفينة)[4].
وقال ابن تيمية: "إن الإنسان من نفسه يجد من لذة العدل والصدق والعلم والإحسان والسرور بذلك ما لا يجده من الظلم والكذب والجهل. والناس الذين وصل إليهم ذلك والذين لم يصل إليهم ذلك يجدون في أنفسهم من اللذة والفرح والسرور بعدل العادل وبصدق الصادق وعلم العالم وإحسان المحسن ما لا يجدونه في الظلم والكذب والجهل والإساءة. ولهذا يجدون في أنفسهم محبة لمن فعل ذلك وثناء عليه ودعاء له. وهم مفطورون على محبة ذلك واللذة به، لا يمكنهم دفع ذلك من أنفسهم، كما فطروا على وجود اللذة بالأكل والشرب والألم بالجوع والعطش"[5].
خاتمة:
إننا نعيش في مرحلة تاريخية صعبة، طغى عليها نظام التفاهة، والهجوم على الفطرة، والدعوة إلى المثلية، وتهديم الأسرة؛ حيث يبسط فيها المخربون نفوذهم على الحكم كما يدعمونهم في كافة مجالات الدولة، لأن ما يقوم به المثليون والمرضي بالشذوذ الجنسي يمثل خطرا على المجتمعات وعلى مستقبل البشرية. وهذا يسعى إلى القضاء على الطبيعة البشرية باعتباره معيارا ثابتا لتحديد ما هو إنساني.
ويشكل انحراف الفطرة خطرا كبيرا على الفرد والأمة والمجتمع الانساني ومن هذا الانحراف تنطلق المفاسد في الأرض وتمتد الفتن ونثور الأهواء والشهوات والمصالح المتصارعة وتنافس الدنيا تحت جميع الشعارات المحببة إلى النفوس المزخرفة للفتنة من سلام ووطنية وقومية ودين وغيرها.
إن معالجة هذه الأمراض، وهذا الخروج عن الفطرة السليمة بحاجة إلى تضافر الجهود الرسمية والأهلية، وتضافر جهود المجتمع المدني، والمنظمات الحقوقية، وبالأساس العلماء والدعاة، وكل الغيورين على مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية، وذلك من أجل بيان الجرم الذي يرتكبه المثليون ومن يدافعون عنهم، وضرورة إخضاعهم للعلاج النفسي والطبي.
- توصيات.
في ختام هذه السلسلة أقدم بين أديكم هذا النداء وهذه التوصيات:
- على الجميع أن يتحمل مسؤوليته؛ فمسؤوليتنا كبيرة لبناء طريق العودة إلى مكارم الأخلاق، والمساهمة في إنقاذ العالم من الكراهية والأنانية والظلم والانحلال والتفاهة.
- إعادة الاعتبار إلى الأسرة فهي حاضنة المعاني الأخلاقية والقيم النبيلة، فالأسرة منبع معاني الرحمة والألفة والمودة والتناصح التي تسود بين أفرادها.
- اعتبار كل تشويه يعترض الفطرة السليمة هو شذوذ ينبغي أن يحارَب ويُباد، لا أن يُعترف به ويُسكت عليه.
- ندعو إلى صياغة ميثاق الأسرة في الإسلام؛ ليكون دليلاً ومرجعًا للمجتمعات الإسلامية وحكوماتها، ومنظماتها الأهلية والإقليمية، ميثاق يحفظ للأسرة كرامتها، وللمجمعات المسلمة عزتها، وللقيم الإنسانية مقوماتها.
والله المستعان، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه.
والحمد لله رب العالمين.
[1] - راغب السرجاني؛ الأخلاق والقيم في الحضارة الإسلامية. الصفحة: 9.
[2]- ابن منظور؛ لسان العرب. (الناشر: دار صادر – بيروت. الطبعة: الثالثة، عام 1414هـ).
والفيروز آبادي مجد الدين؛ القاموس المحيط. تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي. (الناشر: مؤسسة الرسالة، سنة: 1426 – 2005م). مادة: ف ط ر.
[3]- محمد الطاهر بن عاشور؛ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام. (دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع). الصفحة: 36.
[4] - محمد الطاهر بن عاشور؛ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الصفحة: 42-43.
[5] - ابن تيمية؛ الرد على المنطقيين. الصفحة: 424. (مرجع سابق).