في الوقت الذي ظلت فيه القوى الكبرى تصمت عن دعمها لحق الشعب السوري في التخلص من نظامه المستبد، تحركت حاليًّا ليس لدعم هذا الشعب، ولكن ليكون لها دور فيما يبدو من ختام المشهد السوري، بعدما حصد الثوار فيه العديد من المكاسب على الأرض.
هذا التحرك للدول الكبرى -وتحديدًا دول أوروبا وأمريكا- لم يكن خافيًا على المراقبين تفسيره؛ بأنه يأتي ليكون لتلك الدول نصيب في إدارة شئون البلاد فيما بعد سقوط نظام الطاغية بشار الأسد، على نحو ما فعلته قبل سقوط نظام المخلوع معمر القذافي. وكأن لسان حال الثورات العربية ينطق بأن عليها فاتورة ينبغي أن تسددها الشعوب للدول الكبرى، التي تذيقها عادة كأس العلقم والاستبداد، على نحو ما كانت تدعم به الدول الكبرى الأنظمة العربية المستبدة. غير أن هذه الحيل لا يمكن أن تنطلي على المراقبين المخلصين، الذين يرون أن الدول الكبرى لا تدعم ثوراتنا لصالح هذه الشعوب، وأن الدعم إذا كان، فهو لفظي فقط، لاعتبارات ومصالح تخص هذه الدول وحدها، أما محتوى هذا الدعم فيكمن بالوسائل والمكائد التي تكيدها الدول الكبرى للثورات، وما المؤامرات التي تحاك ضد دول الثورات العربية عنا ببعيد، وخاصة ما يدبر لسوريا ومصر.
ويعد الحسم العسكري الذي بدأت الدول الكبرى تعد له بمثابة الشرارة التي تلوح بها هذه الدول لحسم الصراع في سوريا، ليس انحيازًا للشعب السوري، ولكن لخدمة مصالحها، ودعم الكيان المحتل للأرض العربية السورية، فضلاً عن النظر إلى الهدف الإستراتيجي الذي تسعى إليه الدول الكبرى، وهو إجهاض أية مقاومة سورية لاحقة للكيان الصهيوني في مرحلة دمشق المرتقبة.
وفي ندوة نظمتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، حذر سياسيون مصريون من خطورة الحسم العسكري الأجنبي لمواجهة الأزمة السورية، مرجعين ذلك إلى أن المعارضة تعاني من التفكك، وللنظام تفوق عسكري، مؤكدين أن الكيان الصهيوني هو المستفيد الأساسي في بقاء النزاع على ما هو عليه في سوريا.
ورأى بعض حضور ندوة "الصراع السوري: هل يجر المنطقة لنقطة الانفجار؟" أن النزاع سيستمر سياسيًّا وعسكريًّا، وسيكون قاسيًا ودمويًّا، ولكن قد يسفر عن انهيار الركام، ولن يكون المستقبل أسوأ من الماضي. كما أبدوا اتفاقهم جميعًا على أن سوريا في مفترق طرق، وتستدعي حلاًّ سريعًا وجذريًّا، خاصة وأن مشاكل المنطقة ليست بالبسيطة، ولا يمكن أن تحل بجلسات أو وصفات، بل بالنظر لها على أنها تمثل تهديدًا.
وقال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة "وليد قزيحة": "إن الصراع السوري صراع وجود، فسوريا تمر بحرب أهلية بين قوى مختلفة، وإنها منذ 1970م، تحت حكم الرئيس السابق حافظ الأسد، كانت سوريا معرضة للشد والجذب من قوى إقليمية، وإن ما يحدث الآن في سوريا ليس حربًا واحدة، بل ثلاث حروب على الأرض:
الأولى: بين النظام والقوى الديمقراطية الرافضة للاستقواء الخارجي، وبين قوى أخرى آملة في التغيير لحاقًا بثورات الربيع العربي.
الثانية: متمثلة في النزاع الإقليمي المموَّل.
الثالثة: تكمن في النزاع بين القوى الدولية".
وأكد أن المستفيد الأساسي في بقاء النزاع على ما هو عليه هي "إسرائيل"، فهذا هو السيناريو الأمثل لها.
ومن جانبه، اعتبر عضو هيئة التدريس بقسم العلوم السياسية بالجامعة "أشرف الشريف" أن النزاع في سوريا معقد، مما أدى إلى حالة من الفزع أو الإحباط النابعة من عدم الفهم لحجم الأزمة التاريخية والسياسية التي كانت على وشك الانفجار، فهناك تخوف من "سايكس بيكو" جديدة. وعاد الشريف بالأزمة السورية إلى قرن مضى ليرى أن الدولة السورية فشلت في تقديم أية إنجازات سياسية أو اقتصادية طوال هذه السنوات؛ فلقد فشلت في أن تمتص السوريين مما أدى إلى فشل النظام؛ إذن لماذا يتباكى البعض عليها؟ على حد تعبيره. ورأى أنه في عهد الأسد مارست الدولة العنف السلطوي والمادي المباشر والقمع السياسي حتى السياسة الخارجية السورية كانت برجماتية ولم تحقق إنجازًا ما للأمن السوري أو القضية الفلسطينية. وقال: إنه بالرغم من حجم العنف إلا أنه متشكك من أن النظام السوري سيسمح بانتخابات، ونظرًا لطبيعة الحرب الدموية فإن المسار الداخلي غير ممكن؛ فالتدخلات الخارجية حتى الآن تضخ الأسلحة والأموال.
وقالت مدرِّسة العلاقات الدولية بالجامعة "ريهام باهي": إن الأزمة السورية كاشفة لهيكل النظام الدولي، فبين الدول التي ترى النظام مسئولاً عن العنف، مثل: أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، وبين دول ترى طرفي النزاع مسئولين مشتركين عن الأزمة مثل: إيران، مما يؤدي إلى إثارة أسئلة حول ما إذا كانت النزاعات الداخلية ستعود لتؤثر على الخارج بأبعاد إقليمية ودولية.