الداعية الثائر.. الشيخ أحمد المحلاوي
بقلم: د. وصفي عاشور أبو زيد
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
نقلت إلينا وسائل الإعلام صباح يوم الأحد 10 آذار (مارس) 2024م خبرا حزينا، وهو وفاة فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي، أحد أعلام مصر ورموزها الدعوية، بعد قرن من الزمان، قضاه في العلم والتعليم والخطابة والوعظ والإرشاد، وموالاة المشهد العام بالرأي والبيان الشرعي، حتى صارت منه مدرسة في الخطابة والدعوة إلى الله تعالى، فقد كان هو في مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، وكان الشيخ عبد الحميد كشك في مسجد عين الحياة بالقاهرة.
تأثر به عدد وافر من الدعاة، منهم الشيخ د. صفوت حجازي، والشيخ فايز النوبي، والشيخ محمد إسماعيل المقدم، ود. عبد العزيز الرنتيسي الذي كان يدرس الطب في جامعة الإسكندرية.
محطات في رحلة حياة
ولد أحمد بن عبد السلام المحلاوي بمحافظة كفر الشيخ في 1 يوليو 1925م، وتعلم حتى تخرج في قسم القضاء الشرعي من كلية الشريعة بجامعة الأزهر الشريف عام 1957م، وعمل خطيبا في وزارة الأوقاف المصرية، ثم انتقل إلى الإسكندرية ليعمل خطيبا في مسجد سيدي جابر، ثم في مسجد القائد إبراهيم بمحطة الرمل في الإسكندرية كذلك.
تولى الشيخ المحلاوي رئاسة لجنة سميت «لجنة الدفاع عن المقدسات الإسلامية» التي تأسست عقب تدنيس المصحف الشريف علي يد المحققين في جوانتانامو.
تأثر به عدد وافر من الدعاة، منهم الشيخ د. صفوت حجازي، والشيخ فايز النوبي، والشيخ محمد إسماعيل المقدم، ود. عبد العزيز الرنتيسي الذي كان يدرس الطب في جامعة الإسكندرية.
خصص السادات في هذا الخطاب الشهير ما يقرب من نصف ساعة للحديث عن الشيخ المحلاوي وحده، مقولات المحلاوي وانتقاداته للسلطة بما فيها السادات نفسه والحكومة بوزاراتها.
المحلاوي والسادات
جعل الشيخ المحلاوي منبر جامع القائد إبراهيم واحة ومدرسة يتناول من خلاله أحوال المسلمين، وينتقد الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية، وكان يتناول بالنقد أكبر رأس في الدولة، وهو محمد أنور السادات؛ ولهذا وجد المصريون بغيتهم عند الشيخ المحلاوي الذي جعل من المنبر منهج حياة يصدق فيه قول أديب العربية والإسلام مصطفى صادق الرافعي في "وحيه": "ألا ليت المنابر الإسلامية لا يخطب عليها إلا رجال: فيهم أرواح المدافع، لا رجال في أيديهم سيوف من خشب".
كان المحلاوي في كل الأحداث المعاصرة صادعا بكلمة الحق، منافحا ضد الاستبداد والفساد، حتى اعتقله السادات عام 1981م.. وفي خطاب السادات الشهير الطويل الذي ألقاه في 5 سبتمبر 1981م، وهو آخر خطاب له، استغرق ساعتين ونصف الساعة، وهو على هذا الرابط:
خصص السادات في هذا الخطاب الشهير ما يقرب من نصف ساعة للحديث عن الشيخ المحلاوي وحده، من الدقيقة 29:03 إلى 57:45 يتحدث فيها عن مقولات المحلاوي وانتقاداته للسلطة بما فيها السادات نفسه والحكومة بوزاراتها.
ذكر السادات أن الشيخ المحلاوي قارن العفو الذي صدر بشأن سامي شرف وعلي صبري مقابل عدم صدوره عن الذين حوكموا في قضية "الفنية العسكرية"، واعتبر المحلاوي أن هذا موقف للدولة ضد الإسلام؛ لعدم تساوي التهم الموجهة للطرفين، وقال السادات عند الدقيقة 47:00: بالنص والحرف الواحد وباللهجة المصرية "ودي بقه إيه؟ إن الجماعات الإسلامية اللي كلهم مِتِّفْقِين، واللي بتوع الجماعة دي اللي بره وراه، وبيقولوله: قول ومتخفش، وهنقعّدك ع المنبر ولا توقفك الحكومة، آهو مرمي في السجن زي الكلب"!
فقال له كثير من المصريين مستهجنين قولته: "وهل كنت أنت كالكلب أيضا عندما كنت في السجن؟!". وذلك في قضية اغتيال أمين عثمان.
وخرج الشيخ الإمام محمد متولي الشعراوي وقتها قائلا للسادات: "إن الأزهر الشريف لا يُخَرِّجُ كلابًا، وإنما يخرج دعاةً فضلاء وعلماء أجلاء!".
ظل الشيخ في مسجده يلقي الخطب والدروس، ويصدر البيانات للرأي العام موجها ومعربا عن رأيه في الأحداث وما يجري في مصر بعد الثورة، وكان أن احتُجز داخل جامع القائد إبراهيم عندما حاصر مجهولون المصلين عقب صلاة الجمعة في ديسمبر 2012
المحلاوي وثورة يناير 2011م
ظل الشيخ المحلاوي مرابطا على ثغره حتى أوقفته السلطات المصرية عن الخطابة عام 1996م، وبعد خمسة عشر عاما هبت رياح ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية من العام 2011م، وعاد الشيخ الثائر أحمد المحلاوي إلى مسجد القائد إبراهيم وخطب خطبة نارية وسط حشود هائلة، وذلك يوم جمعة الرحيل 4 فبراير 2011م؛ حيث كانت تنحية مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011م.
وظل الشيخ في مسجده يلقي الخطب والدروس، ويصدر البيانات للرأي العام موجها ومعربا عن رأيه في الأحداث وما يجري في مصر بعد الثورة، وكان أن احتُجز داخل جامع القائد إبراهيم عندما حاصر مجهولون المصلين عقب صلاة الجمعة؛ احتجاجا على الإعلان الدستوري والاستفتاء على مسودة الدستور الجديد، وذلك يوم 14 ديسمبر 2012م، وذهب إليه من القاهرة وفد من الدعاة والعلماء ليفكوا حصاره ويطمئنوا عليه، كان على رأسهم: د. صفوت حجازي، ود. صلاح سلطان، فرج الله عنهما؛ حيث استمر الحصار خمس عشرة ساعة، وفي الأسبوع التالي احتشد مؤيدوه وصلوا وراءه، ورجع المهاجمون عقب الصلاة، فهاجموا الحشد الكبير إلا أن قوات الأمن التي كانت تتقاعس تدخلت وفرضت طوقا أمنيا في محيط المسجد وفرضت الأمن في الأنحاء.
اليوم يغادرنا الشيخ المحلاوي عن 98 عاما ميلاديا، وأكثر من قرن بالتقويم الهجري، بعد معاناة مع المرض، أحوج ما نكون إليه بعد رحلة حياة دعوية يفخر بها الدعاة إلى الله تعالى
القيمة التي مثلها المحلاوي
لقد مثل الشيخ المحلاوي بخطابه الدعوي الذي تجسّد في خطبه ودروسه وبياناته للرأي العام مدرسةً في الدعوة إلى الله تعالى؛ حيث جعل من المنبر مصدرا للوعي، وموئلا للثقافة الحقيقية وتشكيل الرأي العام، ومنبعا للحيوية الفكرية والسياسية والاجتماعية بما جسَّد مدرسة ثورية في الدعوة والعلم والتعليم والعمل جميعا.
وها هو اليوم يغادرنا عن 98 عاما ميلاديا، وأكثر من قرن بالتقويم الهجري، بعد معاناة مع المرض، أحوج ما نكون إليه بعد رحلة حياة دعوية يفخر بها الدعاة إلى الله تعالى، ويقتدي بها العاملون للإسلام في وقت تهاوت فيه رايات، وسقطت فيه أسماء كبرى في سماء الدعوة إلى حضيض مهين، إلا من رحم الله، وله في خلقه شئون.
رحم الله الشيخ الثائر والداعية المجاهد أحمد عبد السلام المحلاوي، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وعوض مصر والأمة الإسلامية عنه خيرا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.