البحث

التفاصيل

الفرق بين الدِّينِ والدَّيْنِ .. والدَّيْن والقرض

الرابط المختصر :

الفرق بين الدِّينِ والدَّيْنِ .. والدَّيْن والقرض

بقلم: د. عبد الرحمن شط

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

(دَيَنَ) الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والطاعة، فالدِّينُ: الطاعة والانقياد  [1] من دان يدين وتداين أي اعطى شيئا وأخذ شيئا، كأن أقرض مالا لأحد، وهو دان المال والآخر تدان، وصار بينهم تداين أي حصل بينهم معاملة وحقوق، كل منهم ينقاد لما عاهد عليه، ولذا قيل (الدين هو المعاملة)، وهكذا كلمة المدينة لأنها تعددية تحتوي عدة أدينان وجنسيات مختلفة وكل من أفراد المدينة يدين الآخر ويطيع القانون لمصالح المجتمع احتراما للآخرين. وهكذا الدين في لغة الإنكليزية والألمانية Religion جاء من كلمة Religio اللاتينية من relegere أي المعاملة والعلاقات الحسنة مع الاحترام لحقوق الآخرين.  

الدين فطرة, هذه المعاملة الحسنة، فطرة عند كل إنسان، الإنسان بالفطرة لا يكذب يحب الإحسان ويكره الظلم، ولا يحب السوء، كل قيم الإنسانية من هذا القبيل، مما يميزه عن سائر الحيوانات،  لقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[2]  خلق الله الناس على الفطرة وسماها بالدين القيم، وخلق الحيوانات على الغريزة، ولذا قال النبي ص.: {ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ،}[3] 

وهذا الدين (أي المعاملة الحسنة) لا تنفع يوم القيامة الا إذا كانت مقرونة بالإسلام أي بالإيمان بالله وليوم الآخر. ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [4] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[5] الدين بالنفاق والرياء والإكراه لا يقبل عند الله. من أحسن لأحد بالفطرة الإنسانية، فهو شيء مقبول ومحمود عندنا، وهو دين بالفطرة، ولكن إذا أنفق وأحسن لأحد خالصا لوجه لله تعالى فهو دين الإسلام ومقبول عند الله أيضا. الدين الذي يقبل عند الله هو الذي يقترن بالإسلام. وهو أن تسلم وجهك لله وحده، وتستلم له، فإذا لم يؤمن بالله واليوم الآخر فعمله يبقى دنيويا فقط. إذا اتّقى شخص من أكل الحرام فطرة أو خشية الناس أو الحبس أو لغرض دنيوي فموقفه عندنا جيد، لأنه عمل عملا حسنا بترك الحرام، فعند الناس دينه مقبول، لأنه  ظاهرًا أطاع الله والقانون، ولكن إذا فعل هذه الأشياء ابتغاء مرضاة الله فهو دين إسلامي الذي يُقبل عند الله يوم الآخر والذي ارتضاه لنا بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[6] وهكذا إذا قام بأوامر الله من الدين، مثل الصلاة والصوم والحج والزكاة والصدقات لغير مرضاة الله فلا يقبل منه.

ان الله فطر الناس على الدين {ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} نحن في الحياة الدنيا نرضى بالدين فقط. لا يهمنا ان يكون هذا الدين (أي المعاملة الحسنة او الصدقة) لله او للفطرة او لغرض دنيوي. ولكن الله ينظر السعي والغاية والنية {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}[7] {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ} [8] 

والعكس صحيح، أي ان الإسلام وحده بلا عمل صالح (بلا دين وطاعة) لا يكفي لدخول الجنة، يسمى مسلما، ولكن التسمية فقط لا تكفي وبها لا ينجح، كالطالب إذا سجل اسمه في المدرسة يسمى طالبا ولكن للنجاح يلزم أن يجهد ويعمل ويدرس حتى ينجح. وكالحب إذا أحب أحدا يلزم أن يبرهن على حبه.

والشعائر ليست من الفطرة، كالصوم والصلاة والحج والذكاة، لأن الانسان بالفطرة لا يصوم بل يأكل، وبالفطرة لا يوزع ماله بل يحفظه، وبالفطرة لا يصلي خمس صلوات.. هذه كلها شعائر وتكاليف. وهي ليست من الإسلام العام بل هي من الشعائر وخاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

الفرق بين الدَّيْنِ والقَرْضِ:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}[9] وهنا يجب أن نعلم بأن آباءنا ظنوا بأن هذه الآية تتكلم عن الَّدّيْنِ بلسان العرب، أي القرض، وهذا خطأ لأن اللّه تعالى أحكم آياته، وجعل كتابه قرآنا غير ذي عوج كرجل سلما لرجل، وبالتالي لا يمكن أن تكون لكلمتين مختلفتين نفس الدلالة، وإلا فسيكون كتابه تعالى قرآنا ذا عوج كرجل فيه شركاء متشاكسون، فالدَّيْنُ ليس هو القرض وإنما يؤدي إلى القرض، كما هو القتل يؤدي إلى الموت وليس هو الموت، والقسط يؤدي إلى العدل وليس هو العدل، والجرم يؤدي إلى الظلم وليس هو الظلم، والجهل يؤدي إلى الضلالة وليس هو الضلالة. فعندما أراد اللّه تعالى أن يتكلم عن السلف (قرض) بلسان عربي، قال سبحانه تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}[10] فنحن عندما نعطي شيئا من أموالنا في سبيل اللّه، فهذا قرض نقرضه اللّه تعالى، وبالتالي صار عليه دين سيوفيه لنا يوم الحساب كقوله تعالى {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحقَّ}[11] ولهذا قال تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ} ولم يقل (من ذا الذي يدين)، لكن في آية التداين، قال تعالى {ِإذَا تَدَايَنتُم}. وكلمة تداينتم جذرها اللغوي هو فعل دان، فنقول زيد يدين لعمر بدين، يعني على زيد حقّ لعمر، وإذا قلنا تداين زيد وعمر بدين، يعني أن عمرا عليه حقّ لزيد، وزيدا عليه حقّ لعمر، فكل واحد إذًا عليه حقّ للآخر، وهذا هو معنى التداين، وهذا لا يمكن أن يكون في القرض، لأن القرض أوّلا ليس هو الدِّيْن وثانيا يكون من طرف واحد، وبالتالي ليس هناك تقارض، أي تفاعل. فعندما قال تعالى {إذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ} يعني إذا كان على كل واحد حقّ للآخر،

الفرق بين ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وبين ومن يبتغي غير دين الإسلام فلا يقبل منه،

الفرق من ناحية اللغة العربية واضح. كالفرق بين كتاب الكيميا وكيميا الكتاب.

ومن يبتغي غير الإسلام دينا أي هناك دين غير إسلام، ومن يبتغي غير دين الإسلام أي أن الإسلام له دين، لأن الإسلام هو الإيمان بالله، الإسلام عقيدة، الإسلام ليس صلاة ولا صوم ولا أي قيم إنسانية. الإسلام ليس دين، بل هناك دين اسلاما او إسلام دينا، أي الدين قد يكون إسلاما إذا كان لله. الإسلام هو باب الدخول الى الإيمان، وهو القائدة الأساسية لبناء الدين. الا ان الإسلام في عهد نوح كان بلا دين، الإسلام في حين ذلك الوقت كان بندا واحدا، وهو الإيمان بالله وحده، ما كان حلال ولا حرام ولا صوم ولا صلاة بل كان التوحيد فقط. {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[12] وبعد ذلك بدأت القيم الإنسانية تتراكم. مثلا في عهد شعيب بدأ الإيفاء بالكيل والميزان، وفي عهد إبراهيم بدأ الصلاة، وهكذا تراكمت القيم الإنسانية من رسول الى رسول واختلفت الشعائر.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

 



[1] أحمد بن فارس، مقاييس اللغة 2/319

[2] الروم 30

[3] البخاري 1358 ومسلم 2658

[4] آل عمران 19

[5] آل عمران 85

[6][6] المائدة 3

[7][7] الروم 39

[8] النجم 40

[9] البقرة 282

[10] الحديد 11

[11] النور 25

[12] يونس 72





التالي
تظاهرات في باريس تطالب بوقف إطلاق النار في غزة بمناسبة الذكرى الـ48 ليوم الأرض الفلسطيني
السابق
فيديو متداول.. اعتداء عدد من ضباط الشرطة الألمانية على متضامنين مع فلسطين بألمانيا

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع