البحث

التفاصيل

على هامش ذكرى انتصار مدينة الفلوجة

الرابط المختصر :

على هامش ذكرى انتصار مدينة الفلوجة

بقلم: د. محمد عياش الكبيسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

في مثل هذه الأيام كانت ملحمة مدينة المساجد الفلوجة التي مرّغت جيش المارينز في وحل الذل والهزيمة المنكرة، وجعلت بوش الصغير يصلّي -كما يقول- من أجل إنقاذ ما تبقى من جيشه المهزوم.

كتب ومقالات وخطب وأشعار وعواطف ومشاعر لا تحصى -من المغرب والجزائر إلى ماليزيا وإندونيسيا- كلها خلّدت هذا اليوم العظيم من أيام الله. ولا يمكن لأحد مهما كان اليوم ولا غدا أن يشوهه أو ينسبه إلى غير أهله.

الفلوجة أرض منبسطة على ضفاف الفرات، ليس فيها جبال ولا وديان ولا كهوف ولا أنفاق، ولم يكن فيها إلا مستشفى واحد، ولا يملك رجالها إلا السلاح الخفيف وما تصنعه أيديهم من أدوات قتالية بدائية.

ولم تقف معهم أية دولة من الدول العربية ولا الإسلامية خاصة بعد أن أحكم الأمريكان الطوق على الفلوجة وعلى العراق كله.

لكن رؤية أهل الفلوجة أستطيع أن ألخّصها بهذه العبارة «نريد أن يكون نصر الفلوجة نصرا للأمة كلها» ولذلك لم تصدر منهم كلمة يشمّ منها رائحة الانتقاص من الأمة. بل كان شعارهم؛ «وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام» لأنه حقيقة ما قيمة أن تنتصر مدينة وتنكسر أمة؟

وأقولها ربما لأول مرة:

لقد بعثت إيران برسائل عديدة لاستدراج أي فصيل مقاوم إلى مربعها، وكان آخرها محاولة تسخيري الذي جوبه برد قاسٍ: (نحن لا نريد أن نكسبكم ونخسر أمتنا، إن كنتم جادّين في دعم المقاومة اصطلحوا مع أمتنا أولًا)، المهم أنه والله رغم حاجة المقاومة العراقية الباسلة لأي سند لكن إيران لم تستطع أن تستدرج ولو فصيلا واحدا -وهنا أتكلم عن المقاومة العراقية فقط-

ومن المؤسف أن أقولها أيضًا أن بعض الذين يسمون أنفسهم (مفكرين) كانوا يريدون استدراج المقاومة العراقية لتكون أداة لتثوير الشعوب العربية خاصة مع التعاطف الجماهيري الكبير الذي حظيت به المقاومة في ذلك الوقت، وهو نفس الأسلوب الذي ينتهجونه اليوم مع الحرب المفروضة على أهلنا الأبطال في غزة وذلك لتحقيق غايتين خطيرتين:

1- قطع المقاومة في غزة عن عمقها العربي وربطها كليا بالمشاريع التخريبية الشعوبية المعادية للعرب، والمعادية أيضًا لعقيدة هذه الأمة وكل تاريخها المجيد.

2- استنساخ حالة (الفوضى الخلاقة) التي أنتجها التوافق الأمريكي الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ونقلها إلى بقية الدول العربية.

نعم نحن نقر بوجود حالة مزرية من الضعف والهوان والتفكك في النظام العربي، لكن طريق التغيير والإصلاح لن يكون أبدا باستغلال الأزمات والعواطف الجماهيرية الآنية، فهذه والله طريق الفوضى والخراب ليس إلا. ولا يمكن لمن يريد الخير بالمقاومة أن يسعى إلى تخريب حاضنتها وعمقها الطبيعي،

إن الفلوجة وغزة وغيرهما من المدن الشامخة بصمودها وجهادها ينبغى أن تكون نقاط إضاءة لهذه الأمة ومبعثا لروح الأمل والشعور بالفخر وإمكانية النهوض والتحرر، فهذا هو النصر الحقيقي، أما سياسة تمجيد الفلوجة وغزة ثم الطعن بالأمة كلها فهذه سياسة مشبوهة ومفضوحة، ولن يستفيد منها إلا أعداء هذه الأمة وفي مقدمتهم الصهاينة المجرمون.

إننا نقول لهؤلاء وأولئك:

ليس أصيلا ذاك الذي يكشف عورة أهله للناس.

وليس ناصحا ذاك الذي يحرّض الأخ على التبري من أهله وإخوانه.

إنما الأصيل ذاك الذي ألقاه إخوته في الجب فقال لهم: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم)

ولا شك أن من جاد بنفسه وماله في سبيل قضيته يدرك عمق هذه القيمة وعمق تأثيرها في التغيير والإصلاح.

تقبل الله شهداءنا في الفلوجة وغزة، وبشّرنا قريبا بالنصر الذي يشفي صدورنا، ويعلي من شأن هذه الأمة وهويتها وعقيدتها وتاريخها المجيد.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 * ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





التالي
بين المعاني والصور
السابق
التربية الإيمانية وحرية الذات الإنسانية "غزّة نموذجاً"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع