مذبحتان مؤسستان لعنف الأنظمة الحاكمة ضد الإنسان العربي، وقعتا في مثل هذا اليوم، مجزرة مخيم تل الزعتر الفلسطيني في لبنان عام 1976، ومجزرة ميدان رابعة في مصر عام في 2013، عراب المجزرة الأولى السوري حافظ الأسد الذي جثم على صدر سوريا ووارث نظامه الحاقد لابنه بشار، وعراب المجزرة الثانية الانقلابي عبد الفتاح السيسي، الذي انقلب على الشرعية وإرادة الشعب مع طغمة من جنرالاته الفاسدين، وفاسدي الدولة العميقة. وفي كل مجزرة قتل المجرمون 3000 إنسان على الأقل، وارتكبوا من الفظائع ما يندى له جبين الإنسانية، وسفكوا الدماء بلا حساب ولا رقيب، وأزهقوا الأرواح، وحرقوا الأحياء.
لطالما سفك الدم الفلسطيني بأيد عربية، وكل الدول المجاورة لفلسطين قتلت من الفلسطينيين تحت ذرائع مختلفة، ولم يتوقف هذا القتل حتى يومنا هذا، فكانت عونا للكيان الإرهابي الاسرائيلي في حربه لتصفية القضية الفلسطينية، وكلها ارتكبت مجازر ومذابح موثقة لأنها ممهورة بالدم الفلسطيني، ومن هذه المجازر، مجزرة الزعتر، ففي أواخر حزيران عام 1976 بدأ حصار مخيم تل الزعتر الفلسطيني من الجيش السوري والقوات المارونية اللبنانية.
استمر الحصار الذي يقطنه 40 ألف فلسطيني مدة شهرن كاملين، قطع مجرمو قوات حافظ الأسد وحلفاؤه من القوات المارونية، الماء والكهرباء ومنعوا دخول الغذاء والدواء، وقصفوا المخيم بما يزيد عن 55 ألف قذيفة، ومنعوا الصليب الأحمر الدولى من الدخول لإغاثة سكان المخيم، حتى وصل الأمر إلى أن يطلب سكانه فتوى "تبيحُ أكلَ جثثِ الشهداء كي لا يموتوا جوعاً!". وفي 14 آب – أغسطس، وبعد شهرين من التجويع والقصف، سقط المخيم بعد أن أنهكه الحصار وهد أهله الجوع والعطش، فدخلته الكتائب المارونية اللبنانية، تحت غطاء حليفها الجيش السوري.وارتكبت فيه أفظع الجرائم من هتكٍ للأعراض، وبقرٍ لبطون الحوامل، وذبحٍ للأطفال والنساء والشيوخ و اغتصابٍ وهدم البيوت وإبادة الأطفال وسلب الأموال.
وبعد قتل الفلسطينيين قامت جرافات القوات المارونية اللبنانية بتسوية المخيم بالأرض والقضاء عليه تمامًا وتشريد الناجين من سكانه من النساء والأطفال، وما زال الدمار في المخيم قائمًا إلى اليوم ولا يسمح بإعادة بنائه، وتشتت سكان تل الزعتر في مناطق لبنانية مختلفة مثل البقاع وبعلبك، والدامور الساحلية القريبة من بيروت، ثم هجروا منها مرة أخرى بعد الاجتياح الإسرائيلي، وانتهى بهم الأمر في "خشش" من صفائح التنك على أرض مجاورة لمخيم البداوي وأطلقوا على المخيم الجديد اسم "مخيم تل الزعتر" باعتبار أن سكانه من مهجري تل الزعتر، ويسكن في هذا المخيم بحسب تقدير السكان ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص في مساحة ضيقة تقدر بعشرات الأمتار المربعة، وحظيت كل عائلة من السكان اللاجئين بمساحة ضيقة لا تكاد تكفي لغرفة واحدة، وأحيانا تضم هذه الغرفة أكثر من سبعة أفراد، ولا تعترف وكالة الأونروا بهذا المخيم وترفض تقديم الخدمات للقاطنين فيه وتطالبهم بالعودة إلى مخيم تل الزعتر الذي لم يعد موجودا.
المجزرة الثانية التي وقعت في نفس التاريخ كانت "مجزرة رابعة" في القاهرة والتي ارتكب فيها السسيسي وقواته العسكرية مذبحة وصفتها منظمة هيومن رايتس بأنها "أسوأ حادث قتل جماعي التاريخ المصري الحديث"، ففي الساعة السادسة والنصف صباحا من صباح يوم الأربعاء 14 أغسطس 2013 بدأ تحرك قوات من الشرطة تجاه المعتصمين في ميداني رابعة العدوية بالقاهرة وميدان نهضة مصر بالجيزة بعد أن أغلقت الطرق المؤدية إليهما، قبل أن تنفذ أبشع عمليات القتل الجماعي للمعتصمين . وقامت قوات الجيش والأمن والبلطجية بإحراق الخيم في الميدان وجرف الجثث وحرق عدد آخر من الجثث تم تحميلها في شاحنات ونقلها إلى أماكن مجهولة، وجميع هذه الأحداث موثقة صوتا وصورة.
في ميدان رابعة مارس الإرهابي السيسي وطغمته العسكرية عملية قتل جماعي، بل حرب إبادة جماعية، وهي تندرج تحت بند جرائم ضد الإنسانية، فكل ما جرى يعبر عن عقلية إرهابية بربرية همجية لن تفلت من العقاب مهما طال الزمن، علما أن الانقلاب نفسه جريمة يعاقب عليها القوانين المحلية والدولية.
من تل الزعتر في لبنان وحتى رابعة في مصر .. ومن حماة في سوريا وحتى الفلوجة في العراق، جرائم حرب لا تسقط مع الزمن، القاسم الوحيد فيها هو استهداف الإنسان العربي الذي يطالب بحريته وكرامته وحقه في أن يختار من يحكمه.
تعدد الطغاة القتلة في عالمنا العربي، من حافظ وبشار إلى القذافي وعلي صالح والسيسي، ونثروا الدم على امتداد الخارطة العربية التي تمتد من الدم من الدم، حتى صارت الأرض العربية مسربلة بالدم القاني.. كل ذلك لمنع أكسجين الحرية من المرور فوق رؤوس العرب .. لكن الحرية ستنتصر في النهاية مهما طال الزمن ومهما اشتد عنف الطغاة المجرمين.