البحث

التفاصيل

تقديم عـام|سلسلة مقالات الاقتصاد الإسلامي والرقمنة؛

الرابط المختصر :

تقديم عـام|سلسلة مقالات الاقتصاد الإسلامي والرقمنة؛

بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

أولا: مـقدمــة

لم يعد النشاط الاقتصادي في زماننا مقتصرا على شكله النمطي التقليدي والقائم على مبادلة سلعة أو خدمة بنقد في بقعة جغرافية محددة في دولة معينة ضمن اقتصادها المحلي، إنما أصبح التعاقد يتم على السلع والخدمات مع إمكانية التعرف على جودتها وكامل أوصافها قبل إبرام العقد وإتمامه من أقصى بقعة في الأرض إلى أقصاها، وكل منهما في مكانه. وله أيضا مميزات كبيرة في تحسين كفاءة العمل والتشغيل، ويساعد على تحسين الجودة وتبسيط الإجراءات للحصول على الخدمات المقدمة للمستفيدين. كما يقدم التحول الرقمي فرصا أكبر للحكومة والقطاع الخاص للتوسع والانتشار بشكل كبير بين المواطنين الراغبين في الحصول على الخدمات، عن طريق حلول مبتكرة وبسيطة بعيدا عن الروتين.

وتعتمد التجارة الإلكترونية على الاقتصاد الرقمي في التعامل بالنقد مقابل السلع والبضائع والخدمات على آلية شاشة الحاسبات الإلكترونية وأجهزة اللوحات وتطبيقاتها الذكية عن طريق النقود الإلكترونية؛ في شكل البطاقات الائتمانية المعتمدة، ثم في شكل العملات الإلكترونية، والتي لا تخضع إلى معايير جهة إصدار معينة ولا إلى سلطات سيادية تخضع لمصرف مركزي صادرة عنه، كما هو الأساس المعمول به في سائر النقود النمطية المعروفة منذ القِدم.

وفي المقابل أصبح غياب الاقتصاد الرقمي يمثل حرجاً كبيراً؛ من حيث التكلفة والجهد والوقت، على مستوى الأفراد والمؤسسات والدول. ولا يمكن الاستغناء عن التحول الرقمي، خاصة بالنسبة للمؤسسات والهيئات التي تتعامل مباشرة مع الجمهور، والتي تسعى إلى التطوير وتحسين خدماتها وتسهيل وصولها للمواطنين، ويتجاوز مفهوم التحول الرقمي استخدام التطبيقات التكنولوجية ليصبح منهجا وأسلوب عمل يجمع المؤسسات الحكومية ليصبح تقديم الخدمات أسهل وأسرع.

كما يعمل الاقتصاد الرقمي ضمن ما يسمى بالعولمة، التي تمثل ظاهرة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، إذ تشير ظاهرة العولمة الاقتصادية إلى تزايد الاعتماد المتبادل بين بلدان العالم من خلال زيادة حجم وتنوع التجارة بين الدول في السلع والخدمات وتدفق رأس المال والانتشار السريع للتكنولوجيا.

غير أن الاقتصاد الرقمي لا يخلو من عيوب وسلبيات، من أهمها؛ استخدام معاملاتها بعيداً عن الرقابة في تمويل الأنشطة الممنوعة والمتمثلة بغسل الأموال والجرائم المنظمة؛ فضلاً عن إمكانية تمويل العمليات المشبوهة؛ كونها تخفي هوية المتعاملين بها بحكم الخصوصية التي تتميز بها. وسأقترح حلولا … لتجاوز هذه العيوب والسلبيات.

وسنناقش في هذه السلسة، بحول الله تعالى، مميزات الاقتصاد الإسلامي الرقمي، وعيوب الاقتصاد الرقمي، وسبل تجاوز تحدياته.

وذلك من خلال ما يلي:

* مفهوم الرقمنة والاقتصاد الرقمي.

* التميز بين الاقتصاد التقليدي والاقتصاد الرقمي.

* خصائص ومميزات الاقتصاد الرقمي.

* تحديات الاقتصاد الرقمي، وسبل تجاوزها.

ثانيا: تعريف الاقتصاد.

استخدم علماء المسلمين الأقدمون مصطلح “اقتصاد” في كتبهم بمعناه اللغوي؛ والذي يعني: الاعتدال والتوسط من دون افراط ولا تفريط، وإلى هذا أشارت بعض آيات القرآن الكريم؛ يقول الله عز وجل: (واقْصِد في مَشْيِك) لقمان 19، بمعنى توسَّط في مشيك من دون إبطاء أو إسراع، ومنه كذلك قوله عز وجل: "منهم أمَّة مقتصدة". (المائدة66)، أي؛ معتدلة.

جاء في تفسير هذه الآية: (أن الاقتصاد في اللغة يعني الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير، وأصله القصد، وذلك لأن من عرف مطلوبه فإنه يكون قاصداً له على الطريق المستقيم من غير انحراف ولا اضطراب، أما من لم يعرف موضع مقصوده فإنه يكون متحيراً، تارة يذهب يميناً وأخرى يساراً، فلهذا السبب جعل الاقتصاد عبارة عن العمل المؤدي إلى الغرض)[1].

وأما في السنة النبوية فقد ورد قوله عليه الصلاة والسلام: «ما عال من اقتصد”، وأحاديث وآثار في هذا المعنى[2].  ومن العلماء الذين استخدموا مصلح “اقتصاد”؛ العز بن عبد السلام، قال: (الاقتصاد رتبة بين رتبتين، ومنزلة بين منزلتين، والمنازل ثلاثة: التقصير في جلب المصالح، والإسراف في جلبها، والاقتصاد بينهما)[3].

أما علماء الاقتصاد التقليدي الوضعي، فقد عرفوه بتعريفات عدة، ومنها أنه؛ "دراسة كيف يمكن للمجتمعات أن تستخدم مواردها النادرة لإنتاج سلع قيّمة وتوزيعها بين الناس" [4].

ثالثا: مفهوم الاقتصاد الإسلامي.

الاقتصاد الإسلامي هو مجموعة المبادئ والأصول الاقتصادية التي تحكم النشاط الاقتصادي للدولة الإسلامية التي وردت في نصوص القرآن والسنة النبوية، والتي يمكن تطبيقها بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان.

فالاقتصاد الإسلامي هو اقتصاد عالمي حديث يجمع بين الملكية الفردية والجماعية ويمتاز بأنه اقتصاد رباني النشأة مبني على المبادئ الإسلامية السمحة باعتبار أن المال مال الله، والإنسان مستخلف بالأرض لعمارتها، لذا حرم أكل أموال الناس بالباطل، وحرم الربا والربح الفاحش والاحتكار، وكل المعاملات المالية التي تُلحق ضررا بالإنسان.

وقد أثر التحول الرقمي للاقتصاد في الاقتصاد الإسلامي؛ مثل كيفية هيكلة العمليات التجارية، وكيفية حصول المستهلكين على السلع بطرق شرعية.

خاتمة:

لقد أصبح الاقتصاد الرقمي نمطاً من أنماط الحياة البارزة؛ وله من يتعامل به ويدعمه، حتى صار واقعاً، وصارت له أذرع ووسائل وآليات، ويكاد يكون توجه الدول المتطورة في تعاملاتها المستقبلية؛ فضلاً عن المؤسسات والشركات؛ وحتى الأفراد، وذلك للأسباب السالفة الذكر؛ اختصار الوقت، وتقليل الجهد، وسرعة التنفيذ، ودقة إحكامه؛ وغيرها من المميزات الأخرى، مع عدم خلو الأمر من مساوئ وعيوب أيضاً.

ففي مطلع سنة 2021، ومع التقدم السريع في تطبيقات التكنولوجيا لم تعد التكنولوجيا الرقمية الواجهة الأمامية اللامعة للمؤسسة، فقد تم دمجها في كل جانب من جوانب شركات والمعاملات المالية بشكل عام، ومن ذلك مثلا؛ ظهور وسيط تداول العملات الأجنبية عبر الإنترنت، تسمى “شركة وساطة” تقوم بتنظيم المعاملات بين المشتري والبائع، وتجارة العملات FOREX Broker، والتجارة الألكترونية، والعملات المشفرة، وغيرها.

لذا نؤكد على ضرورة ضبط القوانين المنظمة، للاقتصاد الرقمي بكل فروعه ومجالاته ومؤسساته؛ لحماية المواطن، والمؤسسات، واقتصاد الدولة، خاصة وأن جميع المواقع المنتجة للاقتصاد الرقمي هي مواقع فرضية لا تمثل الموقع الجغرافي للمنتج والمستهلك.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير. (دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة: 1420هـ). 12/398.

[2] أنظر: أبو الحسن الهيثمي، حسام الدين القدسي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. (مكتبة القدسي، القاهرة، 1414هـ-1994م). 10/252.

[3]- عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام. قواعد الأحكام في مصالح الأنام. راجعه وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، (القاهرة، طبعة جديدة مضبوطة منقحة، 1414ه –1991). 2/205.

[4]– بول آ سامويلسون– ويليام – د. نورد هاوس، الاقتصاد. ترجمة: هشام عبد الله، مراجعة: د. أسامة الدباغ، (الأهلية للنشر والتوزيع، عمّان، الطبعة الأولى: 2001م). الصفحة:30.


: الأوسمة



التالي
الاستعداد للساعة الخطيرة في حياة الإنسان
السابق
الهجرة النبوية دروس متجددة للمهاجرين

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع