الرابط المختصر :
من واقع قراءتي البيان الصادر عن مشيخة الأزهر، أمس، يمكن القول إنه لن يمضي وقت طويل حتى يخرج علينا من يطالب بأن يكون شيخ الأزهر شخصية عسكرية، أو مدنية ذات خلفية عسكرية.
ويمكن، أيضاً، اعتبار الفرق بين شيخ الأزهر، أحمد الطيب، ونائبه المقال بأمر الانقلاب، والذي ينكّل به في جامعة القاهرة الآن، الدكتور حسن الشافعي، هو نفسه الفرق بين ابن خلدون والعز بن عبد السلام.
ابن خلدون، على علمه، اختار أن ينحني أمام قائد الغزو المغولي تيمورلنك، ويبيع قيمته العلمية وأمته وعمامته، لقاء كسب رضا الطاغية، فيما اختار الإمام العز ابن عبد السلام (عز الدين وبائع الملوك وسلطان العلماء).
البيان الصادر عن المشيخة، أمس، يأتي قبل ثلاثة أيام من ذكرى المذبحة التي ارتكبتها قوات الانقلاب في ميدان رابعة العدوية وبقية ميادين الاعتصام، ليبرئ القتلة ويدين المقتولين، ويمالئ المجرمين ويدوس على جثث الضحايا، إذ يقول، بعبارات تبدو خارجة للتو من الشؤون المعنوية مباشرة، "الواقع أن حكام مصر الحاليين لم يقتلوا أحداً، وإنما القتلة هم الذين غرروا بالمتظاهرين والمعتصمين من أتباعهم وأفتوهم، وحللوا لهم الخروج المسلح على الجيش والشرطة والشعب من أجل حكم الناس، على الرغم من أنوفهم.
ودفعوا بأبناء الفقراء والبسطاء إلى التهلكة والموت، بينما كثير من كبرائهم يتمتعون برغد العيش، في ظل حماية حكومات حاقدة على مصر وشعبها".
وينفي البيان "الأزكري أو العسهري" الاتهام الموجه لمن سماهم "حكام مصر" الحاليين بأنهم "ظاهروا أعداء الأمة ووالوا الصهاينة"، ويقلب الآية ويتهم ما يسميه "نظام الإخوان المسلمين" بأنه "هو الذي ناصر أعداء الأُمَّة وحكَمَ مصر عاماً كاملاً لم يجاهر فيه بموقف عدائي واحد تجاه أعداء مصر والمتربصين بها".
إن شيخ الأزهر ومستشاره القانوني، الشاب الوسيم، كانا يظهران الدعم الكامل للرئيس محمد مرسي في أثناء جلسات الحوار الوطني الذي كان يدور في قصر الاتحادية، في ظل الحصار المفروض من الثورة المضادة، وبدعم كامل من الجيش والشرطة، على الرئيس في قصره، قبل تنفيذ الانقلاب بأشهر قليلة، فلماذا يقبل شيخ الأزهر ومستشاره القانوني المشاركة في اجتماعات بحضرة رئيس فيه كل هذه الصفات والرذائل الواردة ببيان أمس؟
يمضي البيان لينفي فصل أساتذة الجامعات والأئمة والخطباء، قائلاً "لم يحدث نهائياً أن فصل أحد من أساتذة الجامعات أو المدرسين أو الأئمة أو الخطباء، اللَّهُمَّ إلَّا مَن استغل منهم محراب العلم ومنابر الدعوة للترويج لأفكار ضالة تُشكِّل خطراً محدقاً بالمجتمع، أو ترك عمله وانضم إلى أعداء الوطن".
لاحظ معي الركاكة والجهل باللغة، والتفلت التام من الضمير والاحترام، حين يستخدم كاتب البيان عبارة "لم يحدث نهائياً"، ثم في نهاية الجملة الطويلة يقول "اللهم إلا"، ما يوحي أن من كتب، أو أملى الكتابة، لا يزيد في حجمه عن العبوات الضئيلة من مشايخ الانقلاب الصغار، ميزو ومظهر وخلافه. فعلها شيخ الأزهر، في مثل هذه الوقت قبل عامين، حين أطل بوجهه، عقب تلويحه بالاعتكاف بعد مجزرة الحرس الجمهوري، طارحاً ما أطلقوا عليه مبادرة، قبل تنفيذ جريمة رابعة بثلاثة أيام، وقد علقت عليها وقتها بالقول "إن الإعلان عن تحرك سياسي جديد لشيخ الأزهر يأتي متزامناً مع الإعلان عن الخطط والتحركات الأمنية لاقتحام اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر وفضهما بالقوة، من خلال ما يسمى خطة «حدوة الحصان والكماشة» والخوف كل الخوف من أن تكون ما تسمى «مبادرة الأزهر» كماشة سياسية أخرى، يُراد من طرحها أن يرفضها المتمسكون بالشرعية، فيظهرون أمام الجميع كمعطلين للحلول السلمية، ومن ثم لا يجب أن يعترض أحد على اللجوء للقوة فى التعامل مع الاعتصامات.
ويدهشك أنه في اللحظة التي لم يكن فيها الأزهر قد بدأ اتصالاته لترويج مبادرته بعد، وقبل أن يعرف أحد لهذه المبادرة رأساً من قدم، بدأت جوقة الانقلاب تؤدي لحناً واحداً لنص واحد يقول لا توجد حجة تحول دون فض الاعتصامات بالقوة بعد رفض الإخوان لمبادرة شيخ الأزهر".
وبالفعل، كانت ما عرفت بمبادرة شيخ الأزهر الجسر الذي عبرت عليه قوات ارتكاب الجريمة، والغطاء الشرعي، والذي حاول قادة الانقلاب الاختباء تحته، وكنا نظن أن عامين مضيا على هذا العار كافيان لاستيقاظ ضمير المشيخة، خصوصاً مع كل الإهانات والبذاءات التي وجهتها سلطة الانقلاب لمقام الأزهر، على ألسنة وملاء فنانات سابقات، ودعاة تلفزيونيين، صنعوا في سراديب المؤسسة الأمنية، غير أن واقع الحال يثبت أنه ليس مسموحاً لأحد بالتطهر والاغتسال، في ظل سلطة تعرف كيف تذل وتبطش بمن يقفز خارج أسوار حظيرتها.