الفرق بين الردة السياسية والردة الدينية
كتب: أ.د. عبد الرحمن شط
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
في صدر الإسلام كان يسمى من خرج من الدين
ظاهرا أو باطنا منافقا، الذين انفصلوا ظاهرا من رسول الله في غزوة أحد سموهم
منافقين. وفي السنة الثامنة من الهجرة دخل مصطلح الردة في المفهوم الجمعي لوروده في
الآية {من يرتدد منكم عن دينه..}.
ولم تشرح مفهوم الردة في عهد النبي مفصلا
ولذلك اختلف الصحابي والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين في مفهوم الردة.
فمنهم من أوجب قتل المرتدين وأدخلوها في
الردة الدينية، [وهو رأي جمهور أهل السنة (المذاهب الأربعة) ورأي أهل الشيعة]
ومنهم من نفى قتل المرتدين وحملوا ما قتل
في عهد النبي (ص) وفي عهد خلفاء الراشدين على الردة السياسية. انها ليست بمعنى
الخروج من الدين، [وهو رأي بعض الصحابة والتابعين. وأكثر علماء المعاصرين على هذا
الرأي.]
والذين ذهبوا بقتل المرتد من المفسرين
وعلماء المذاهب أوّلوا آيات التي تتعلق بحرية الاعتقاد بتأويلات غريبة بشكل يخالف
اللغة العربية والنظم القرآني والعقل السليم. مثل الآيات التالية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ
الْغَيِّ} و{فَمَنْ شَاءَ
فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} و {.. فَمَنِ
اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ
عَلَيْهَا..}
و {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ
بِمُصَيْطِرٍ} و{وَمَا
أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}
و {أَفَأَنْتَ
تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
وقسموا الإكراه الى إكراه ظاهري وإكراه
باطني من جهة، ومن جهة أخرى قسموه الى إكراه بحق وإكراه بدون حق.
وقالوا ان الإكراه المنفي هنا يشمل
الإكراه على الانقياد الظاهر للإسلام، ولا يقتصر على نفي الإكراه على
الاعتقادات الباطنة مع أن الدين هو الإسلام (الظاهر) والإيمان
(الباطن)!!
وقالوا الإكراه ينقسم إلى إكراه بحق
وإكراه بغير حق، يقول ابن تيمية والإكراه قد
يكون إكراها بحق وقد يكون إكراها بباطل. فأما الإكراه بحق: كإكراه من امتنع
من الواجبات على فعلها مثل إكراه الكافر الحربي على الإسلام أو أداء الجزية عن يد
وهم صاغرون وإكراه المرتد على العود إلى الإسلام وإكراه من أسلم على إقام الصلاة
وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج
البيت. وعلى قضاء الديون التي يقدر على قضائها وعلى أداء الأمانة التي يقدر على
أدائها وإعطاء النفقة الواجبة عليه التي يقدر على إعطائها. وأما الإكراه بغير
حق: فمثل إكراه الإنسان على الكفر والمعاصي ويبالغون في تقرير هذه الحرية حتى تخرج عن
سياقها القرآني المقرر لها.
هذه التقسيمات ليس لها علاقة بكتاب الله،
كلها أفكار بشرية نشأت من عرف قرن السابع، والفقهاء ألبسوها لباس الدين وتحولت إلى
عقيدة عند الجمهور. وبعد ذلك إمام الشافعي جعل الحديث وحيا ثانيا، وتحول الحديث
الى مركز الإسلام وترك المصحف على جانب. ونسخوا الآيات بالأحاديث.
وعلماء المعصرين وبعض
الصحابة ينفون قتل المرتد عن الإسلام،
ويتهمون الجمهور بنزع الحديث من أسبابه الخاصة، ونسخوا به أصلاً من أصول الدين وهو
حرية العقيدة. وقالوا كيف يمكن لعاقل أن يتصور أن الله سبحانه الذي لم يكره أحداً على
الإيمان ثم يبيح لنا أن نكره أحداً على الإيمان؟
الردة التاريخية هي ردة
سياسية
وكثير من الفقهاء والمحققين وعلماء
المعاصرين: ذهبوا على ان احترام النفس الإنسانيّة وحرمة سفك دم الإنسان ثابتة
بأدلة قطعيّة، واستباحة إراقة الدم الانسانيّ لابد أنّ تأتي بأدلة قطعيّة مساويّة
في قطعيتها وثبوتها ودلالاتها للأدلة التي أثبتت فيها حُرمة دم الإنسان.
وثانيا:
وقائع الردة التي حدثت في عهد محمد (ص) قبل وبعد الهجرة
إلى يثرب تتلخص أنه لم يقتل مرتداً أو زنديقاً طيلة حياته إلا في حالة كونه
مرتكباً لجريمة أو محارباً. بينما طبق عمر عقوبة الحبس في حق المرتدين، وذلك
تأكيدًا بأن حكم الردة هو قرار سياسي تفرضه ظروف البلاد والعباد وليس حكمًا
شرعيًا، وقد أمر بتنفيذ عقوبة القتل في حالات أخرى.
وأن قتل المرتد سببه
الحرابة (بالمصطلح المعاصر الخيانة العظمى) وليس الكفر، ولذلك اختلفوا في قتل
المرأة المرتدة ولم يختلفوا في الرجل، فهي عند أبو حنيفة تحبس ولا تقتل، (استثنيت
المرأة، مع ان اسم الموصول (مَنْ) يشمل الرجل والمرأة.)
حرية العقيدة في القرآن
أحيطت بسائر الضمانات القرآنية التي جعلت منها حرية مطلقة لا تحدها حدود، جاء في
القرآن الكريم ما يقارب مائتي آية بينة وكلها متضافرة على تأكيد حرية الاعتقاد.
والقرآن لا يحتوي على حد للردة أو عقوبة
دنيوية لها كالإعدام أو غير ذلك، ولم يشر تصريحاً
أو على سبيل الإيماء إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام، وأن
العقوبة على الردة هي عقوبة أخروية موكلة إلى الله.
وأن رسول الله (ص) قتل
البعض لخيانتهم ومحاولتهم التفريق بين المسلمين، في
وقت كان فيه الإسلام يحتاج للوحدة والتماسك والانتشار. وقد ذكر القرآن هذه الواقعة
في الآية: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي
أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
بهدف تحطيم الجبهة الداخلية للمسلمين وزعزعة ثقتهم بدينهم. دخلوا في الإسلام
وخرجوا والنبي (ص) ما قتلهم. هذا الجزاء
الذ حصل ليس لردتهم من الدين بل لأسباب سياسية خاصة. كثير من علماء المتقدمين
وعلماء المعاصرين ضد قتل المرتد. سنذكر بعضا منهم:
منهم طه جابر العلواني
رحمه الله واستشهدوا
بأن الرسول ارتد بوقته عدد من الناس ولم يُهدر دمهم، وكذلك عمر بن الخطاب أنكر قتل
المُرتدين دون مهلة وتبرئ من قتلهم.
كذلك ردّوا على الطرف الثاني في
حروب أبو بكر
للمرتدين بأنه حرب فتنة وليست حروب ارتداد عن الدين أيضاً، أن من قاتلهم أبو بكر
ليسوا مرتدين كلهم، فكان فيهم من لم يؤمن أصلاً، وفيهم المتربصون فيتبعون الغالب،
وفيهم من امتنع عن الزكاة، وبشكل عام فإن حروب أبي بكر لتلك القبائل كان سياسية
بشكل كبير فقد كان في انفصالهم عن الجسم الإسلامي ضربة قوية للمسلمين.
ويستدل القائلون بعدم قتل المرتد بقول
الامام إبراهيم النخعي
التابعي
الذي رُوي عنه أنه قال بعدم قتل المرتد.
وفي العصر الحالي يؤمن كثيرٌ من العلماء
بعدم قتل المرتد عن الدين مثل شيخ الأزهر أحمد الطيب حيث أنه صرح
بذلك في أحد المقابلات التلفزيونية في اليوتيوب: [إني لا أؤمن بحد الردة]
وأما حديث من بدل دينه فاقتلوه فيخصصونه
بالمرتد المحارب أي إنه يُقتل لحرابته لا لردته.
الدكتور والمفكر محمد
سليم العوّا رحمه الله يؤكد
على ذلك في دراسة له نشرت بموقع (إسلام أون لاين) حيث قال: [لا نجد في النصوص
المتعلقة بالردة في آيات القرآن الكريم تقديرًا لعقوبة دنيوية للمرتد، وإنما نجد
فيها تهديدًا متكررًا، ووعيدًا شديدًا بالعذاب الأخروي].
ومنهم
المفكر دكتور محمد صالح مصطفى
رحمه الله يقول: {وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ} الردة نوع
من أنواع الكفر بالخروج من الإسلام أو الإيمان. وقد ورد في الآية أن المرتد إن لم
يرجع ويتب حتى مات على كفره فإن عمله الصالح يبطل في الدنيا، وفي الآخرة يخلد في النار
ومفاده أن لا عقوبة عليه في الدنيا. وفي الحديث أن عقوبة المرتد القتل {من
بدّل دينه فاقتلوه}
وكذا {لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث} ومفهوم الحديث معارض ظاهرا بآيات تقرر
الحرية الدينية، وتمنع الإجبار والإكـراه والسيطرة {لَا إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ}،
{أَفَأَنْتَ
تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}،
{وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}
، {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}،
{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}،
وهذا الذي في القرآن مقرر في فطرة الإنسان
حيث يترك العبد مخيراً بين الكفر والإيمان دخولاً وخروجاً كما يشاء. وكذا مفاد
الآية التالية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ
كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ
اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}،
ويستقر الأمر بوفاته على الكفر أو الإيمان، والحياة الدنيا دار تكليف بهما نقلا
وعقلا.
والحديث
إذا خالف القرآن فإن الحديث يؤول، ولم يصح في السنة تطبيق لظاهر الحديث، وما روي
من قتل المرتد والمرتدة لم يصح سنده، بل صح في البخاري وغيره أن الرسول عليه
الصلاة والسلام ترك الأعرابي المرتد إلى الوثنية كما ترك الكاتب المرتد إلى
النصرانية. روي أن عمر بن الخطاب رفض طلب أنس بقتل مرتدين واكتفى لهم بالسجن. روي
أن عمر بن عبد العزيز كتب إلي ميمون في مرتدين أن (رد عليهم الجزية ودعهم).
وخلاصته أن لا عقوبة على المرتد أو أن عقوبة المرتد تعزيرية تصل إلى حد القتل وذلك
حسب الحال (السياسي) ليس لخروجه من الدين بل لأمور سياسية]
ومنهم دكتور محمد شحرور
رحمه
الله قال: أن المرتد لا يُقتل لمجرد ردته، بل
يحتج بعدد من الآيات القرآنية التي يرون أنها تؤكد على الحرية الدينية، مثل {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ
الْغَيِّ} و{فَمَنْ شَاءَ
فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} و{.. فَمَنِ اهْتَدَى
فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا..ٍ}
و{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى
يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}،
و{وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}
و {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}
فكيف يستقيم أن يأمر النبي بقتل المرتد؟
وثمة من يقول أنت دخلت في الإسلام طوعا
ولهذا لا تستطيع الخروج الآن. ونحن نقول إن معظم المسلمين دخلوا في الإسلام في شكل
آلي لا طوعا ولا كرها، ولدوا من أبوين مسلمين فكانوا مسلمين، ولو ولدوا في بلاد
البوذية لكانوا بوذيين.
ونبدأ بتعريف الردة – كما وردت في الآيتين
– بأنها سلوك وعمل. تماما كما عرفنا الإيمان بأنه سلوك وعمل، وكما عرفنا الكفر
والشرك بأنه موقف وسلوك وعمل. ولما كانت السلوكيات والأعمال هي المعيار الذي يتقرر
على أساسه الثواب والعقاب يوم الحساب، بدلالة قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ
النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} فإن
الردة عن الدين أحد هذه الأعمال التي يختارها الإنسان لنفسه ويتقرر مصيره على
أساسها إلى الثواب أم إلى العقاب.
الارتداد عن ماذا؟ والجواب في كلتا الآيتين
هو: الدين.
والدين هو المنهج السلوكي العام بدءاً من الإيمان بالله وملائكته وكتبه
ورسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح، والحد الأدنى هو الإيمان بالله واليوم الآخر
والعمل الصالح، إذ يكفي هذا الحد الأدنى للدخول في الإسلام، مرورً بإتباع أوامر
الله تعالى والانتهاء عن نواهيه، ثم القيام بأداء أركان الإيمان من صلاة وزكاة
وصوم وحج، وذلك تحت عنوان رئيسين: الأول شهادة أن لا إله الا الله وهي رأس
الإسلام، والثاني شهادة أن محمداً رسول الله وهي رأس الإيمان. ثم الالتزام
خلال ذلك كله بالمثل العليا والأخلاق الحسنة المحمودة.
ما هي العقوبة التي قررها سبحانه وتعالى في
كتابه العزيز لمرتكب الردة، في ضوء ما نراه من عقوبات وحدود، كحد القتل وحد الزنا،
وحد السرقة، وحد رمي المحصنات علماً بأن الحدود في التنزيل الحكيم هي لحدود العليا
للعقوبة؟ فكيف يذكر القرآن حدودا أقل درجة (السرقة، الزنا، القذف..)، ولا يذكر حدا
على درجة عالية من الخطورة عقوبته القتل؟
{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى
يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ
دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.. } هي
حبوط عمله وبطلانه في الدنيا والآخرة.
{مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} هي
أن الله سيستبدلهم بقوم يحبهم ويحبونه.
ليس في كتاب الله حد شرعي للمرتد سوى ما نصت عليه
الآيتان. لأن الإيمان موقف فكري واع يختاره الإنسان العاقل دون إكراه، ولهذا يحاسب
الله عليه يوم القيامة، وقل مثل ذلك في الكفر والشرك والردة بدلالة قوله تعالى: {قُلْ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى
فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا
أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}
وقوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا
كَفُورًا}
فإذا كان كذلك فمن أين جاء تفسير المفسرين وفقه
الفقهاء عن المرتدين: [انه يقتل عند الظفر به، ويقاتل إلى أن يظفر به، ولا يستحق
من المؤمنين موالاة ولا نصراً ولا ثناءً حسناً، وتبين زوجته منه، ولا يستحق
الميراث من المسلمين]
ومن أين جاؤوا بقولهم: [ان أهل الردة كانوا إحدى عشرة فرقة، ثلاثة في
عهد رسول الله (ص):
1-بنو مدلج قوم الأسود العنسي.
2-بنو
حنيفة قوم مسيلمة الكذاب.
3-بنو
أسد قوم طليحة بن خويلد.
وسبعة في عهد أبي بكر:
1-فزارة قوم عيينة بن محصن.
2-غطفان
قوم قرة بن سلمة القشيري.
3-بنو
سليم قوم الفجاءة بن عبد يا ليل.
4-بنو
يربوع قوم مالك بن نويرة.
5-بعض
بني تميم قوم الخطم بن زيد.
وفرقة واحدة في عهد عمر بن الخطاب هي:
1- غسان قوم جبلة بن الأيهم.]
الجواب: قال بعض علماء المحققين: تلك حكايات أهل الأخبار ورواة
قصص الأحداث، أسلمتها تحت عنوان معصومية الصحابة وقدسية التراث، فتحولت إلى تشريع
لا أصل له في أحكام التنزيل الحكيم، وكان من خطر ذلك أصبح لدينا {إسلام تاريخي}
بدلا من {تاريخ الإسلامي} وأصبحت لدينا نصوص تراثية لها من السلطة والسلطان، ما لا
يستطيع معه رجل كالزمخشري إلا أن يأخذ بها دون تفكر ولا تدبر ودون تحليل ولا تمحيص
ودون زيادة أو نقصان.
أين كان هذا الحديث النبوي المزعوم حين اعترض عمر ابن الخطاب
على أبي بكر في قتال أهل الردة، فقال له أبو بكر: {والله لأقاتلنّ من فرق بين
الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله (ص) لقاتلتهم
على منعه}؟؟
هذا الحديث بروايتيه لم يجر تطبيقه عمليا
لا في عصر النبوي على يد الرسول (ص) ولا في العصر الراشد على يد أي من الخلفاء
الأربعة.
فهذه الأحاديث وإن صحت مرفوضة لخروجه عن عقوبة المرتد المنصوص عنها في
آيتي البقرة 217 والمائدة 54.
ولتعارضها مع التنزيل الحكيم نصا وروحا في
عشرات الآيات، منها: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ
تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ
عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ
اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ}
لقد نظر فقهاء سلاطين الاستبداد في التنزيل
الحكيم بحثا عن الردة يبررون به التصفيات الجسدية
التي يمارسها سلاطينهم ضد خصومهم، ويشددون به من إحكام قبضتهم على أعناق الناس
باسم الحفاظ على الدين، فلم يجدوا.
ونظروا في السنة النبوية العملية بحثا عن مرتد قتله النبي (ص) بتهمة الرد
فلم يجدوا أيضا. رغم ما ذكر به كتب السيرة من أخبار المرتدين. فلم يجدوا.
فزعموا أن النبي (ص) في سنته القولية أمر بقتال بني مدلج وقتل رئيسهم في الردة
الأسود العنسي، وبقتال بني حنيفة وقتل مسيلمة الكذاب، وبقتال بني أسد وقتل طليحة
بن خويلد.
وزعموا أن النبي (ص) قال: {مَنْ بَدَّلَ
دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ} وأن أبا بكر وعمر سارا بعده على خط سنته القولية تلك.
وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: {لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ
إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ،
والتَّارِكُ لدِينِهِ المُفَارِقُ للجَمَاعَةِ}.
تبنوها فقهاء السلطين لتصفية المعارضة.
الردة استعملت كغطاء شرعي في تصفية خصوم
السلطان ومعارضيه، ما
زالت تمارس دورها حتى اليوم عند أكثر الجماعات الإسلامية إرهابا. فقد أباح أيمن
الظواهري قتل حكام العرب لأنهم مرتدون، أي نفس السلاح الذي استعمل سابقا من قبل
السلاطين، يستعمل الآن كمبرر شرعي لقتل الحكام، وكسلاح للقضاء على المعارضة بكل
أنواعها وأشكالها.
ويقول الدكتور على جمعه
مفتي مصر سابقاً:
إن الله قد كفل للبشرية
جمعاء حق اختيار دينهم دون إكراه أو ضغط خارجي، والاختيار يعني الحرية والحرية
تشمل الحق في ارتكاب الأخطاء والذنوب طالما أن ضررها لا يمتد إلى الآخرين لهذا قلت
إن العقوبة الدنيوية للردة لم تطبق على مدار التاريخ الإسلامي إلا على هؤلاء
المرتدين الذين لم يكتفوا بردتهم وإنما سعوا إلى تخريب أسس المجتمع وتدميرها.
ويقول الدكتور حسن الترابي:
نريد الحوار مع الغرب، لا نريد حرباً معه
، نريد أن نحتكم معاً إلى ديموقراطية عالمية، أما في بلدي فالأولى بي وأنا
أدعو للحوار في مواجهة الآخر، أن أتحاور مع كل من حولي، مسلماً كان أم غير مسلم، وعربياً كان أم غير عربي،
أتحاور معه وأترك له حرية أن يقول ما يشاء، ويسود بنتيجة الحوار هذا الرأي أو ذاك،
وأزيد على كل هذا رأياً هو رأيي الشخصي حتى إذا ارتد المسلم تماماً وخرج من
الإسلام ويريد أن يبقى حيث هو، فليبق حيث هو {لا إكراه في الدين}، وأنا لا أقول
إنه ارتد أو لم يرتد، فله حريته في أن يقول ما يشاء، شريطة أن لا يفسد ما هو مشترك
بيننا من نظام.
ويقول أيضاً: وأود أن أقول : إنه في إطار الدولة الواحدة
والعهد الواحد يجوز للمسلم كما يجوز للمسيحي أن يبدل دينه. أما الردة الفكرية
البحتة التي لا تستصحب ثورة على الجماعة ولا انضماماً إلى الصف الذي يقاتل الجماعة،
كما كان يحدث عندما ورد الحديث المشهور عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس بذلك
بأس يذكر، ولقد كان الناس يؤمنون ويكفرون، ثم يؤمنون ويكفرون، ولم يطبق عليهم الرسول
صلى الله عليه وسلم حد الردة. ().
وفي مقابلة له مع صحيفة [المستقلة] قال إذا كان الله سبحانه وتعالى وهب الإنسان
الحرية {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، ولو شاء الله لطبعنا تماماً على
الإيمان كالجماد، كالحجر، كالسموات والأرض والجبال اللائي أشفقن من حمل أمانة
الحرية، {أشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}، فما دام الله
قد حمّل الإنسان أمانة الحرية يصبح الأمر بديهة من بديهيات الدين، تشهد بها آيات القرآن
{لا إكراه في الدين} وحتى في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث القرآن
الكريم عن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا.. كان الناس يرتدون ويعودون
ويخرجون وهكذا.. حديث المرتد حديث قصير جاء في سياق العلاقات الحربية، كان
المسلمون يشفقون من المسلم إذا ارتد ورأوه في صف المقاتلين هنالك هل يعصمه إسلامه
السابق من قتله إذا قدروا عليه في ميدان القتال، فقال لهم الرسول صلى الله عليه
وسلم: {من بدل دينه وفارق الجماعة فاقتلوه} ولكن الناس انتزعوا هذا الحديث من
أسبابه الخاصة، ونسخوا به أصلاً من أصول الدين هو حرية العقيدة. كيف لعاقل أن
يتصور أن الله سبحانه الذي لم يكره أحداً يبيح لنا أن نكره أحداً على الإيمان؟ وآيات
حظر الإكراه شتى في القرآن وفي غالب سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك أنا لا أوافق
على الرأي الشائع في حكم المرتد أبدا. وهذه لا تحتاج إلى الرجوع إلى قول فلان، ورد
فلان على فلان.
حرية العقيدة أصل من
أصول القرآن، لكن أكثر المسلمين انقطعوا عن أصولهم تماماً، وبدأوا يأخذون عمن أخذ عمن
أخذ عمن أخذ من الأصول!! وهذه واحدة من ظواهر التخلف عن دواعي الدين.
الردة السياسية
هي المعارضة أو الخروج عن الحكم المركزي. مثل حروب الردة في خلافة أبو بكر. رئيس
العشيرة امتنع عن ارسال الزكاة أو الضريبة الى الدولة المركزية، حكم عليه وعلى
عشيرته بالارتداد وحاربوهم. أبو بكر لم يسأل عن أفراد العشيرة هل تؤمنون بالله
ورسوله ام لا. لأن الخليفة أبا
بكر لم يقاتلهم لأنهم خرجوا من الدين، بل جماعات أرادت الاستقلال بمناطقها عن
الخلافة، بل إن بعض هذه الجماعات كانت تعلن الإسلام وترفض أداء الزكاة للدولة
المركزية وأرادت استقلالها عن الخلافة فقط، ومنها من لم يؤمن أصلا،
هي ردة سياسية محضة.
ان الحجاج حين
قتل سعيد ابن جبير بالردة، لم يقتله لأنه ارتد عن دينه، بل قتله لأنه بايع الزبير
على الخلافة، مع ان بيعة زبير تمت قبل بيعة مروان بن الحكم. ان الحجاج رأى في ذلك
ردة سياسية توجب القتل.
الردة السياسية استعملوها في ذلك الوقت
لتوحيد الدولة. حدثت في التاريخ الإسلامي وانتهت.
والوعي الجمعي اليوم تغير وتقدم. مثلا
اليوم إذا لم يؤدي رئيس العشيرة ضريبته يحكم عليه فرداً ويغرم فرداً. وهذا هو
العدل، الحكم موجود في كتاب الله {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ولكن
لم يطبق في ذلك الوقت. حكم على الكل بسبب أخطاء البعض.
الردة الدينية: تنقسم الى قسمين، اما الردة عن الإسلام او
الردة عن الإيمان.
الردة عن الإسلام:
لقد قلنا بأن الإسلام هو الايمان بالله
واليوم الآخر كحد أدنى، كمسألة غير قابلة للنقاش، وهو العمل الصالح والقيم العليا
(القانون الأخلاقي) التي بدأت بوح حتى أكملت وتمت بمحمد (ص)، وهو دين الفطرة
الوحيد الذي ارتضاه للناس، وهو الدين الذي أغلق المحرمات، فلا محرمات بعده، حيث
يأتي بعده أمر ونهي حسب ما يراه المجتمع في مؤسساته التشريعية والمدنية، وهو
المنتشر اليوم بين معظم الأرض، ولهذا فنحن ننظر الى الردة عن الإسلام بالمستويات
التالية:
المستوى العقائدي: وهو الإيمان بالله واليوم الآخر. الذي
يتحول بالارتداد عنه الى مجرم قاطع لصلته بالله، منكر يوم الآخر وهو ما نقول عنه
اليوم (الملحد)، أو دخل في دين آخر وثني غير توحيدي، أي خرج عن شهادة أن لا إله
إلا الله، ولا يهم بعدها أَشَهِد أن محمداً رسل الله أم لم يشهد.
في هذا المستوى للإنسان مطلق الحرية بأن
يكون مسلما أو مجرما (ملحداً) ولا سبيل لأحد عليه بإكراهه، لأنه مستوى شخصي بحت لا
يحمل الصفة الاجتماعية. وله الحق أن يعلن عن ذلك بالوسائل السلمية المتاحة.
المستوى العَمَليِ: وهو العمل الصالح والقانون الأخلاقي، الذي
تعتبر الردة عنه مستحيلة.
إذ لا يمكن لإنسان أن يضرب والديه، ويمارس
الفاحشة العلنية، ويدعو مجتمعه إلى الغش في المواصفات وشهادة الزور والغيبة
والنميمة والتجسس، فإن حصل ذلك، قام أفراد المجتمع أنفسهم بغض النظر عن ملتهم
وديانتهم بتوقيفه وإيداعه في المستشفى على أنه مجنون أو مجرم بحق المجتمع. وفي هذا
المستوى يجب أن يقوم التعاون بين المؤمنين وبقية العالم.
ولذلك نقول: الردة في الإسلام العملي
مستحيل.
المستوى التشريعي: حيث أن التشريع الإسلامي تشريع مدني
إنساني ضمن حدود الله، فكلما زادت الأمم تحضراً زادت اقتراباً من التشريع الحدودي
الذي يمثل حنفية الإسلام، والدولة البرلمانية الحقيقية تتمثل في قوانينها حنفية
الإسلام. لا يمكن أن ينكر أحد قانونا من قوانين الدولة فرديا، لأن تغير القوانين
لا تكون الا من خلال الشورى الملزمة الذي يمثلها البرلمان.
الردة عن الإيمان:
قلنا إن رأس أركان الإسلام شهادة أن لا إله
الا الله، وأن رأس أركان الإيمان شهادة أن محمداً رسول الله، وان آيات القرآن تسمي
نوحا وإبراهيم ويعقوب وموسى وعيسى وأتباعهم مسلمين، وتسمي أتباع محمد (ص) مؤمنين. وفي
التنزيل الحكيم سور كاملة تتحدث عن المؤمنين حصراً كسورة محمد وسورة الأنفال.
لذا قلنا ان اليهودية والنصرانية هي ملل
وليست أدياناً، لقوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا
النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} لأن الدين
واحد وهو الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}
والذي يتحول من التبعية لمحمد (ص) إلى ملل
أخرى وهي اليهودية والنصرانية فقد خرج من الإيمان فقط.
يبقي على التوحيد (وهذا حقه) ونلاحظ هذا في
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ
شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} لدينا الاستنتاجات التالية:
1-الخطاب لأهل الكتاب اليهود والنصارى وفي
عهد الرسول.
2-اشترط التوحيد على نفسه وعليهم.
3-عدم اتخاذ الربوبية بعضهم لبعض.
4-إن لم يرضوا بذلك فطلب منهم أن يشهدوا
بأنه النبي وبأنهم مسلمون.
لماذا طلب منهم أن يشهدوا بأنه مسلم وهل هو
بحاجة إلى شهادتهم؟
الجواب لأنه يعتقد بأنهم مسلمون وأنه مسلم
مثلهم وطلب منهم الدخول في الإيمان والمحافظة على التوحيد.
لا استقلالية للسنة في التشريع:
أن استقلال السنة بالتشريع أمر خلافي لم
تتفق عليه كلمة الأمة لا في القديم ولا في الحديث وكل ما استدلوا به يتعارض مع قوله
تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}
التشريع لله وحده ولا يجعل الرسول شريكا في
حاكمية الله وتشريعه. وإليكم فتوى الأزهر في ذلك:
فتوى
الأزهر:
[بسم الله
الرحمن الرحيم
السيد الأستاذ
رئيس لجنة الفتوى
السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته وبعد
فهل من أنكر
استقلال السنة بإثبات الايجاب والتحريم يعد كافرًا أم لا؟
نرجو الإفادة
بالرأي مع الاستدلال.
وشكرًا
بسم
الله الرحمن الرحيم
والصلاة
والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
تنقسم
الأحكام عند الجمهور إلى خمسة أقسام:
1-الواجب: -وهو
ما يثبت طلبه من المكلف بنص صريح قطعي الثبوت وقطعي الدلالة (بمعنى أن له معنى
واحدًا فلا يختلف في معناه المجتهدون) من كتاب الله أو سنة رسوله المتواترة.
2-المحرم:
-هو ما طلب الشارع من المكلف تركه بدليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة من كتاب الله
أو سنة رسوله المتواترة.
3-المندوب:
-ما طلب الشارع فعله طلبا غير حتم ولا جازم ويشاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
4-المكروه: -ما
طلب الشارع تركه طلبًا غير حتم ويثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
5-المباح: -ما
خير المكلف بين فعله وتركه وما لم يرد دليل بالتحريم.
وتنقسم السنة
إلى: -متواترة واحادية
فالمتواترة
هي ما رواها جمع عن جمع يستحيل أو يبعد أن
يتفقوا على الكذب.
قال الحازمي في
شروط الأئمة الخمسة صــــــ 37: -“وإثبات التواتر في الحديث عسر جدًا”.
وقال الشاطبي
في الجزء الأول من الاعتصام صـــ 135: “أعوز أن يوجد حديث عن رسول الله متواتر”
وعلى الرغم من
ندرة الحديث المتواترة واختلاف علماء السُنة على ثبوته وعدده، يرى الجمهور أن من
أنكر استقلال السُنة المتواترة بإثبات واجب أو محرم فقد كفر.
والسنة
الأحادية: هي ما رواه عدد دون المتواتر عن النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) وقد اختلف العلماء في استقلال السُنة الأحادية بإثبات واجب
أو محرم.
فذهب
الشافعية ومن تبعهم إلى أن من أنكر ذلك في الأحكام
العملية كالصلاة والصوم والحج والزكاة فهو كافر. ومن أنكر ذلك في الأحكام العلميّة
كالإلهيات والرسالات وأخبار الآخرة والغيبيات فهو غير كافر لأن الأحكام العلميّة
لا تثبت إلا بقطعي من كتاب الله أو سنة رسوله المتواترة.
وذهب
الحنفية ومن تبعهم إلى أن السنة الأحادية لا تستقل
بإثبات واجب أو محرم سواء كان الواجب علميًا أو عمليًا وعليه فلا يكفر منكرها.
وإلى هذا ذهب علماء أصول الفقه الحنفية فقال البزدوي:
“دعوى علم
اليقين بحديث الآحاد باطلة لأن خبر الآحاد محتمل لا محالة ولا يقين مع الاحتمال
ومن أنكر ذلك فقد سفه نفسه وأضل عقله”
وبهذا أخذ
الإمام محمد عبده والشيخ محمود شلتوت والشيخ محمود أبو دقيقة وغيرهم.
يقول المرحوم
الإمام محمد عبده:
“القرآن الكريم
هو الدليل الوحيد الذي يعتمد عليه الإسلام في دعوته أما ما عداه مما ورد في
الأحاديث سواء أصح سندها أو اشتهر أم ضعف فليس مما يوجب القطع”.
كما ذكر الشيخ
شلتوت في كتابه “الإسلام شريعة وعقيدة” قوله:
“إن الظن يلحق
السُنة من جهة الورود (السند) ومن جهة الدلالة (المعنى) كالشبهة في اتصاله
والاحتمال في دلالته.
ويرى
الإمام الشاطبي في كتابه
الموافقات أن السنة لا تستقل بإثبات الواجب والمحرم لأن وظيفتها فقط تخصيص عام
القرآن وتقييد مطلقه وتفسير مجمله ويجب أن يكون ذلك بالأحاديث المتواترة لا
الأحادية.
ويؤيد آراء من
سبق ذكرهم ما جاء في صحيح البخاري باب الوصية (وصية رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم) قبل وفاته: عن طلحة بن مصرف قال: سألت ابن أبي أوفي: هل أوصى رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) قال لا. قلت: كَيْفَ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةَ
وَلَمْ يُوصِ؟ قال: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّه.
قال ابن حجر في
شرح الحديث: (أي التمسك به والعمل بمقتضاه) ولعله أشار إلى قوله صلى الله عليه وآله
وسلم: {تركتم فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله} واقتصر على الوصية
بكتاب الله لكونه فيه تبيان لكل شيء إما بطريق النص أو بطريق الاستنباط، فإذا أتبع
الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به، وحديث سلمان الفارسي عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال: {الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرمه الله في
كتابه وما سكت عنه فهو عفو لكم}
وأجاب الشاطبي
عما أورده الجمهور عليه من قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}
بأن المراد من
وجوب طاعة الرسول إنما هو في تخصيصه للعام وتقييده للمطلق وتفسيره للمجمل وذلك
بالحديث المتواتر.
وأن كل ما جاء
به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يجب أن يكون من القرآن لقول عائشة (رضي الله
عنها) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): {كان خلقه القرآن}.
وأن معنى قوله
تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} ان
السُنة داخلة فيه في الجملة وأكد الشاطبي ذلك بقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي
الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقد
رد على ما استدل به الجمهور مما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: {يوشك
أحدكم أن يقول: هذا كتاب الله ما كان من حلال فيه أحللناه وما كان من حرام حرمناه
ألا من بلغه مني حديث فكذب به فقد كذب الله ورسوله} بأن من بين رواة هذا
الحديث “زبد بن الحباب” وهو كثير الخطأ ولذلك لم يرو عنه الشيخان حديثًا واحدًا.
وجاء الثبوت
والتحرير: خبر الواحد لا يفيد اليقين ولا فرق في ذلك بين أحاديث الصحيحين أو
غيرهما.
وما سبق يتضح
أن الايجاب والتحرير لا يثبتان إلا بالدليل اليقيني قطعي الثبوت والدلالة وهذا
بالنسبة للسُنة لا يتحقق إلا بالأحاديث المتواترة وحيث أنها تكاد تكون غير معلومة
لعدم اتفاق العلماء عليها فالسُنة لا تستقل بإثبات الايجاب والتحريم.
وعلى
هذا فمن أنكر استقلال السُنة بإثبات الايجاب والتحريم فهو منكر لشيء اختلف فيه
الأئمة ولا يعد مما علم بالضرورة وعلى هذا فلا يعد كافرًا.
رئيس لجنة
الأزهر
½/1990.]
هذا ما صدر عن لجنة الفتوى بالأزهر وتبناه
كثير من الأئمة المعاصرين.
الآيات
التي ورد فيها ذكر الردة أو الكفر بعد الإيمان:
1- {مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ
إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}
2- {وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ
بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}
3- {كَيْفَ يَهْدِى اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا
بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ
وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ
عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ
فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}
4- {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ
بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
5- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ
كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ
اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً}
6- {لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً
بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}
7- {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا
وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ}
8- {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
ءامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}
9- {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ ءَامِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُوا وَجْهَ
النـهارِ وَاكْفُرُوا ءَاخِرَهُ لَعَلـهمْ يَرْجِعُونَ} فلو كان هناك عقوبة للمرتد
لما خطر ببال هؤلاء من أهل الكتاب أن
يقترحوا هذا الاقتراح.
10- {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ
حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ
عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ، فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي
الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
11- {فَإِنْ
أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}
في هذه الآيات وغيرها التي ورد بها معنى
الردة لا يوجد أي نص يتحدث عن عقوبة دنيوية ولا إشارة تقول بأن القرآن أمر بتوقيع
عقوبة على المرتد عن الإسلام، وكل ما ذكر في الآيات الكريمة ذكر متعلقا بتهديد
بالعذاب في الدار الاخرة.
مخالفة النبي نفسه للأحاديث التي يستند عليها مؤيدو حد الردة في حالات عديدة. ففي صحيح البخاري
والترمذي أن أعرابيا بايع على الإسلام ثم جاء إلى النبي يطلب التراجع قائلا {أقِلْني
بيعتي}
(أي أعفني من البيعة للإسلام التي في عنقي)، ولم يأمر النبي بقتله وتركه يذهب
لحاله. ومعلوم أن الحدود لا يمكن إسقاطها في الإسلام، فلو كان للردة حد شرعي لما
أمكن للنبي أن يترك الأعرابي دون أن يقتله. يعني هذا أن الأحاديث التي تشير إلى
قتل المرتد مرتبطة بسياقات خاصة (المرتد المحارب) ما دام النبي نفسه لم يلتزم بها
في المطلق.
قبول الشفاعة في المرتدين. لا تجوز الشفاعة في الحدود في الإسلام، لذا رفض النبي العفو عن امرأة من
قبيلة مخزوم سرقت رغم استعطاف الصحابة له. لكنه في المقابل، قبل الشفاعة في صحابي
بعدما ارتد هو عبد الله بن سعد بن أبي السرح. فلو كان حداً لما قبل الشفاعة فيه.
تعامله مع المنافقين: لم يقتل النبي المنافقين بتهمة الردة رغم معرفته بحقيقة أمرهم. بل على العكس
عاملهم معاملة المسلمين، حتى إنه صلى على زعيمهم عبد الله بن أبيّ بن سلول، وكفّنه
بقميصه واستغفر له.
من الأشخاص الذين اتهموا مؤخرا بالردة في
عصرنا ثم قتلوا على يد مسلمين:
1-السوداني محمود محمد طه،
2-والمصري فرج فودة،
3-ورشاد خليفة،
كما جرح حامل جائزة نوبل الروائي
المصري نجيب محفوظ في
محاولة اغتيال.
كذلك صدرت تهديدات ضد مفكرين وناشطين لا دينيين مثل الروائي سلمان رشدي
وتسليمة نسرين والمدون المصري كريم عامر
والناشطتان الإيرانيتان مريم نمازي
ومينا آحادي،
وكذلك ضد متحولين إلى المسيحية مثل
المصري محمد حجازي والأفغاني
عبد الرحمن
هل يجوز قتل الذين يسبّون الله أو
يستهزؤون بالله وآياته؟
إن
الله تعالى بيّن لنا ماذا نفعل حذائهم إذا فعلوا ذلك في قوله سبحانه وتعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا
سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا
مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ
اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}
{وَلَا تَسُبُّوا
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ
عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ
مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
أي
نترك مجالسهم، ونتجالهم ولا نقابلهم بالمثل، والترك هو ظاهرة انفعالية وتمرّد مدني،
وهو رفض للتفاوض والنقاش معهم بشكل فعلي سلمي محسوس. وإذا تركوا ذلك وغيروا وضعهم
او غيروا موضوع المكالمة لا بأس من جلوسهم.
والمعاملة
معهم تكون على أساس {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
ان الله ما طلب منا أن نقتلهم أو نضربهم بسبب سب الله والاستهزاء به.
هذا
هو ما نفهمه من خلال كتاب الله تعالى ومما وصل اليه المحققون من الماضي ومن
الحاضر. وأما ما قيل بقتل المرتد من أقوال الفقهاء والمذاهب هو العمل بأحاديث الغير
المتواترة وأكثرها أحاد أو ضعيفة وترك كتاب الله على جانب، ولذلك أقوال المذاهب
التي قالوها في ذلك الوقت لا يعتبر بها، تبقى أقوال مدونة في أرشيف التاريخ، لأن الأمور
التي تتعلق بأحكام التحليل والتحريم والعقيد، محصورة بكتاب الله تعالى. والوعي
الجمعي والمنهج العلمي اليوم يميز بين الصحيح والضعيف، ومن يريد أن يطلع على ما
قاله الفقهاء فلينظر إليها تحت الخط.
04.05.2023
للنقد
والاتصال:
[email protected]
_______________________________
أقوال
المذاهب حول الردة:
جمهور الفقهاء قالوا بوجوب استتابة المرتد
لثلاثة أيام وإلا فإنه يُقتل، قال ابن قدامة المقدسي: وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد وروي
ذلك عن أبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد، وغيرهم،
ولم ينكر ذلك، فكان إجماعا. ومن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء،
وكان بالغا عاقلا: دعي إليه ثلاثة أيام، وضيق عليه، فإن رجع، وإلا قتل.
مذهب الحنفي:
قال ابن عابدين الحنفي
رحمه الله في
رد المختار على الدر المختار ما نصه المرتد: ركنها
إجراء كلمة الكفر على اللسان، هذا بالنسبة إلى الظاهر الذي يحكم به الحاكم، وإلا
فقد تكون بدونه كما لو عرض له اعتقاد باطل أو نوى أن يكفر بعد حين. قال الكاساني الحنفي
رحمه الله منها – أي من أحكام المرتد- إباحة دمه إذا كان رجلاً، حراً كان أو
عبداً، لسقوط عصمته بالردة قال النبي صلى الله عليه سلم: {من بدل دينه فاقتلوه}.
أما ركن الردة فهو إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الإيمان، إذ الردة
عبارة عن الرجوع عن الإيمان "()
مذهب المالكي:
قال الإمام مالك
رحمه الله: ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم
فيما نرى والله أعلم (من غير دينه فاضربوا عنقه) أنه من خرج من الإسلام إلى
غيره مثل الزنادقة وأشباههم، فإن أولئك إذا ظُهر عليهم قُتلوا ولم يستتابوا، لأنه
لا تعرف توبتهم وأنهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون الإسلام، (أي المنافقون) فلا أرى
أن يستتاب هؤلاء ولا يقبل منهم قولهم، وأما من خرج من الإسلام إلى غيره وأظهر ذلك
(أي المرتد) فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل. قال
الشيخ محمد عليش المالكي
رحمه الله في كتابه "منح الجليل" ما نصه
المرتد: سواء كفر بقول صريح في الكفر كقوله: كفرت بالله
أو برسول الله أو بالقرآن، أو: الإله اثنان أو ثلاثة، أو: العزير ابن الله، أو
بلفظه يقتضيه أي يستلزم اللفظ للكفر استلزاما بينًا كجحد مشروعية شيء مجمع عليه
معلوم من الدين بالضرورة، فإنه يستلزم تكذيب القرآن أو الرسول، وكاعتقاد جسمية
الله أو تحيزه. وقال الصاوي المالكي
رحمه الله: الردة كفر مسلم بصريح من القول، أو قول يقتضي الكفر، أو فعل يتضمن
الكفر، ()
مذهب إمام الشافعي:
قال الإمام الشافعي
رحمه الله: ومعنى: (من بدل دينه قتل)
يدل على أن من بدل دينه دين الحق، وهو الإسلام لا من بدل غير الإسلام وذلك أن من
خرج من غير دين الإسلام إلى غيره من الأديان فإنما خرج من باطل إلى باطل، ولا يقتل
على الخروج من الباطل. قال النووي
الشافعي
رحمه الله في كتابه روضة الطالبين
ما نصه الردة: وهي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول
الذي هو كفر وتارة بالفعل، وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر سواء صدر عن
اعتقاد أو عناد أو استهزاء. وقال
الشربيني الشافعي رحمه
الله: " الردة هي قطع الإسلام بنية أو
فعل، سواء قاله استهزاءً ، أو عناداً ، أو اعتقاداً " ()
مذهب
الحنابلة:
وقال
الخرقي الحنبلي
رحمه الله: ومن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء
وكان عاقلاً بالغاً دعي إليه ثلاثة أيام وضيق عليه فإن رجع وإلا قتل وكان ماله
فيئاً بعد قضاء دينه"() وقال البهوتي الحنبلي رحمه
الله: المرتد شرعاً الذي يكفر بعد إسلامه نطقاً، أو اعتقاداً، أوشكاً، أو
فعلاً "().
وقال في شرح كتابه منتهى الإرادات ما نصه المرتد: وهو
لغة الراجع قال الله: {ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} ، وشرعًا من كفر ولو كان مميزًا بنطق أو اعتقاد أو فعل أو شك
طوعًا ولو كان هازلًا بعد إسلامه. من الردة سب الله أو أحد من رسله
أو القرآن أو الملائكة أو شعيرة من شعائر
الدين الإسلامي أو تحريم الحلال البين كالنكاح والبيع والشراء أو تحليل الحرام
البين كشرب الخمر أو السرقة. كذلك من الردة السجود للصنم أو الشمس أو القمر.
مذهب
الشيعة:
المرتد
عند الشيعة ينقسم الى قسمين: المرتد الفطري: وهو
الشخص الذي كان أحد والديه مسلماً في وقت انعقاد النطفة، وبلغ مسلماً ثم ارتد عن
الإسلام المرتد الملي: وهو من انعقدت نطفته وكلا
أبويه كافرين، ثم أسلم قبل بلوغه أو بعده. ثم ارتد عن الإسلام بعد بلوغه وأظهر
الكفر.
ذهب الفقهاء الشيعة ان المرتد الفطري
عقوبته القتل وتقسم أمواله على ورثته وينفسخ عقد نكاحه والمرتدة لا
تقتل بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة المرتد الملي يستتاب ثلاثة
أيام فأن امتنع قتل وواجب استتابته، أما المرأة
فإنَّها إن ارتدت فإنَّها تستتاب فإن تابت فهو، وإلا حُبست دائماً، وضُربت في
أوقات الصلاة، واستخدمت خدمة شديدة، ومُنعت الطعام والشراب إلا ما يُمسك نفسها.
وعند جمهور الإسلام من السنة
والشيعة أن عقوبة المرتد هي القتل، لكنه يستتاب
لثلاثة أيام.
من وقع في
الردة بطل نكاحه وصيامه وتيممه وحبطت كل أعماله وإن مات على
ردته فلا يرث ولا يورَّث ولا يغسَّل ولا يكفَّن ولا يصلّى عليه ولا يدفن في
مقابر المسلمين.
هذا كل ما فهمه الجمهور
من مفهوم الردة وركز التراث على هذا المعنى.
ودليلهم:
يقولون: إن عدم ذكر العقوبة الدنيوية للمرتد في
القرآن لا يسقط العمل به، ما دامت السنة النبوية الصحيحة قد ذكرت الحد، فمن
المعروف أن السّنة النبوية قد تأتي موافقة لما جاء في القرآن، أو شارحة ومفصلة
لمجمل القرآن، أو توضيح ما أشكل على المسلمين فهمه، وقد تأتي لتقييد مطلق القرآن
أو تخصيص عام القرآن، كما تأتي السُنة منشأة ومؤصلة لحكم غير موجود في القرآن،
وقالوا ان كثيرا من أحكام الشريعة قامت على السُنة ابتداء، وقد أوضح علماء الأصول
مكانة السُنة النبوية في الشريعة الإسلامية بما لا زيادة عليه.
وقد جاء في الحديث الصحيح: {عَنْ
عِكْرِمَةَ قَالَ أُتِيَ عَلِيٌ ّرضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزَنَادِقَةٍ
فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْكُنْتُ أَنَا لَمْ
أُحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّه ِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُعَذِّبُوا
ِبعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ}
وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: {لا
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ
الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ، والتَّارِكُ لدِينِهِ المُفَارِقُ للجَمَاعَةِ}.
وقالوا في نص هذين الحديثين الصحيحين
الواضحين دلالة كافية على إقامة حد الردة على المرتد عن الإسلام.
الدكتور
محمد مصطفى صالح كابوري (أصله من جبل كابار في هكاري شمال كردستان) هو عالم الكردي
ولد 1934 في قرية جولي / عاموده – سورية ودرس الجامعة في دمشق، ونال درجة الليسانس
في الشريعة في نفس الجامعة، ونال من جامعة الأزهر درجتي الماجستير والدكتورة في
التفسير، وفي عام 1967 هاجر من سورية الى السعودية حيث تعين بجامعة الإمام محمد بن
سعود ثم أستاذ (بروفسور) بكلية أصول الدين والشريعة والدراسة العليا، وفي عام 1995
هاجر الى المانيا، وفي عام 2006 هاجر الى كردستان، وفي تاريخ 2010 هاجر الى مكة،
وتاريخ 2017 توفي في مكة، رحمة الله عليه.
ومن مؤلفاته:1-تفسير
سورة فصلت. 2- تفسير سورة الرعد ط دار القلم 3- النسخ في القرآن ط دار
القلم. 4- أصول التوحيد في القرآن ط دار القلم. 5- آيات الأحكام في القرآن تأصيل
ومفاهيم ط دار القلم. 6- أسماء الله في القران إحصاء وبيان ، في 234 صفحه
يتناول أسماء الله وصفاته مع شرح كل اسم وصفه وتعريفها لغويا واصطلاحا وبيان طريقه
الدعاء بكل اسم وصفه.
حديث "من بدّل دينه فاقتلوه". يرد علماء أن
هذا الحديث عام جدا ويبدو كأنه مجتزء يصعب معه استخلاص حكم شرعي، فلا يعرف متى
قاله النبي محمد ولا أين قاله ولا في أي شيء قاله! وقيل ان الصحابة سألوا النبي في
حالة الحرب انه يوجد بين صفوف العدو من أصدقائنا الذين التحقوا بالعدو. ماذا نفعل
بهم، قال من بدل دينه فاقتلوه، أي لأنه في صفهم يحارب المسلمين. يرى ان سبب القتل هو الخيانة، كما أن عبارة
"من بدّل دينه" لا تعني بالضرورة تحول عنه إلى دين آخر، بل قد تعني حرّف
دينه وغيّر ما جاء فيه من الأصول، كما أن التحول يمكن أن يكون مطلقا هنا، بمعنى،
هل يشمل هذا الحكم أي شخص يبدل دينه مهما كان؟ وعلى هذا الأساس: سيقتل اليهودي (أو
المنتمي لأي دين آخر) إن غيّر دينه إلى الإسلام مثلاً!
الخوئي، تكملة المنهاج، ص 53.