غزة بين الدعم
والخذلان
كتب: د. أشرف
دوابة
ما زال العدوان الإجرامي للكيان الصهيوني مستمرا على غزة
ليجاوز الشهر العاشر، مستخدما الأسلحة الصهيونية والأمريكية والغربية الفتاكة
ليقتل بها البشر والحجر، ولم تسلم من ذلك مناطق الإيواء وليس آخرها قتل أكثر من
مائة فلسطيني تداخلت وتبعثرت أشلاءهم في مدرسة التابعين وهم يصلون الفجر، فضلا عن
عشرات المصابين، وما زال القتل والتدمير مستمرا، بل إنهم قتلوا من كانوا يتفاوضون
معه -من خلال الوسطاء- وهو رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، معتدين على
سيادة دولة إيران، وما زال العالم على صفيح ساخن ينتظر الرد الإيراني على هذا
الفعل الإرهابي الجبان.
إن فاشية الكيان الصهيوني وتعطشه للدماء وهتك الأعراض
وتشديد الحصار ليست قضية حكومة يمينية متطرفة فحسب، بل هي كذلك فاشية شعب، فها هو
وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش يصرح علنا بأنه "قد يكون من الصواب أخلاقيا
أن تقوم إسرائيل بمنع المساعدات عن سكان غزة حتى يتم تحرير الرهائن"، مخالفا
بذلك كل الأعراف والمواثيق الدولية.
وفي 29 تموز/ يوليو الماضي برزت قضية اغتصاب الأسرى
الفلسطينيين؛ في تحقيق النيابة العسكرية الإسرائيلية مع 9 جنود إسرائيليين اعتدوا
جنسيا على أسير فلسطيني، داخل معتقل "سدي تيمان" سيئ السمعة، وتم لاحقا
إطلاق سراح 5 منهم. وطالب يمينيون إسرائيليون، بينهم وزراء ونواب، بإطلاق الجنود
ووصفوهم بـ"الأبطال". بل إن استطلاع للرأي أجرته القناة 12 العبرية كشف عن نتيجة مفزعة للفاشية الشعبية؛ مفادها أن
47 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون اغتصاب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
وفي ظل هذا العدوان الغاشم نجد في المقابل الدعم الفاتر
الذي أصاب عددا لا بأس به ممن يؤمنون بقضية الأقصى وقدسيته من جموع المسلمين، فما
زالت خطواتهم لم تبارح مصمصة الشفاة والعجز الواضح، في حين أهل غزة رغم هذه المجاز
لا تزال إرادتهم عالية وهمتهم قوية ورسالتهم واضحة. والأدهي والأمرّ هو فسطاط
النفاق والتآمر الذي يخذّل من جهاد أهل غزة ودفاعهم عن مقدسات المسلمين وعرضهم
وأرضهم، ولا يخفى على أحد ما يبثه إعلامهم القميء ومواقع التواصل الاجتماعي
المليئة بلجانهم التي والت المعتدي، وخذلت بل وتآمرت على المعتدى عليه.
ولعل ما يدمي القلب كذلك الحصار المفروض على غزة بأيدي
دول عربية، وها هي صحيفة "تايم أوف إسرائيل" الإسرائيلية تنشر خبرا
مفاده أن مصر تبدي مرونة وتقترب من الموقف الإسرائيلي بشأن بقاء قوات الجيش
الإسرائيلي على طول حدودها مع غزة لمنع تهريب الأسلحة لحماس، بعد رفض الفكرة علنا
لفترة طويلة، بحسب ما صرح به للصحيفة مسؤول إسرائيلي كبير ومسؤول ثان مطلع على
الأمر. وأضافت الصحيفة: من المرجح أن يؤدي التغير المحتمل في موقف مصر إلى تعقيد
موقف حماس في مفاوضات الرهائن الجارية، حيث تطالب الحركة بانسحاب إسرائيل من محور
فيلادلفيا كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار.
ورغم كل هذا التآمر وهذا الحصار وهذا القتل والتدمير
الممنهج؛ لا يزال مكتوبا على تلك الطائفة الظاهرة على الحق بشارة رسول الله صلى
الله عليه وسلم لهم: "لا يضرهم من خذلهم"، وفي الصورة الأخرى لهذا
الكيان الصهيوني ما يثبت المؤمنين ويرضي الثابتين، فهذا الكيان فقد سمعته وكرامته
في وحل الأرض، فنال جنوده من القتل وبتر الأطراف والأسر ما لم يحدث له من قبل،
وأصبحت دولة الكيان حارة أشباح لا استقرار فيها ولا أمان، والفرار منها بالهجرة
أصبح سيد الموقف، والاقتصاد يعيش أسوأ حالاته.
وقد برز ذلك في تقرير لوزارة المالية الإسرائيلية بأن
الحرب على حركة حماس في غزة أدت إلى زيادة ديون إسرائيل إلى المثلين في العام
الماضي حيث سجلت إسرائيل ديونا بلغت 160 مليار شيقل (43 مليار دولار) في عام 2023،
من بينها 81 مليار شيقل منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي،
واقترضت إسرائيل 63 مليار شيقل في عام 2022 بأكمله. وبلغ إجمالي الدين 62.1 في
المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، ارتفاعا من 60.5 في المئة في 2022 بسبب
ارتفاع الإنفاق لحربي، ومن المتوقع أن يصل إلى 67 في المئة في 2024. واقترضت الحكومة في عام 2023 نحو 116 مليار شيقل، أو 72
في المئة من إجمالي الدين محليا و25 في المئة من الخارج والباقي ديون محلية غير
قابلة للتداول. وقد زاد الدين العام الإسرائيلي بنسبة 8.7 في المئة العام الماضي
إلى 1.13 تريليون شيقل، مدعوما جزئيا بارتفاع التضخم وأسعار الفائدة. وقال بنك
إسرائيل في تقرير له: إن الإنفاق للعام 2023-2024 ارتفع بمقدار 100 مليار شيكل
بسبب تكاليف الحرب.
إن طوفان الأقصى جاء ليضع معادلة جديدة لتحرير الأقصى
بأن هذا التحرير خرج للمرة الأولى من أرض فلسطين، وليس انتظارا لدور عربي مرتقب
كما كان مستقرا عليه من قبل، وقد عرّى هذا الطوفان المتآمرين والمتخاذلين من الدول
العربية، ووضع الأمة على طريق التحرير وهي سائرة فيه ولن تتوقف حتى يعود الحق إلى
أصحابه ويرجع الأقصى عزيزا شامخا.
وختاما فيجب على كل مسلم أن يستحضر جهد إخوانه في غزة
وأن يجدد نيته ودعمهم بالدعاء والمال ومقاطعة سلع عدوهم، ومساندتهم بأي وسيلة ترفع
الظلم عنهم.
ــــــــــــــــ
* د. أشرف دوابة؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. أكاديمي
وكاتب في الاقتصاد الإسلامي. وهو رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد
الإسلامي "إيفي.
* ملحوظة: جميع المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين.