التمويل الإسلامي الرقمي: مزاياه، ومخاطره
الكاتب: البروفيسور: محمد دمان ذبيح
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
جامعة العربي بن مهيدي أم البواق / الجزائر
المقدمة
لا شك أن انتشار التقنيات التكنولوجية الحديثة لعب دورا
كبيرا في إحداث تحولات كبرى على مستوى جميع اقتصاديات العالم، وذلك بسبب ما تقدمه
هذه التقنيات من خدمات جليلة للأفراد،
والمؤسسات المصرفية وغيرها، كخفض التكاليف التمويلية، وسرعة العمليات المالية وكفاءتها،
هذا إلى جانب سهولة وصول المعلومات، وتحسين السلامة، والجودة، والإنتاجية.
وبناء على ذلك قامت
مؤسسات التمويل الإسلامي بتطوير أنشطتها المصرفية والمالية بما يتماشى مع هذه
الثورة الرقمية، والتقنيات التكنولوجية الحديثة، وهو الأمر الذي جعلها لأن تكون
وبامتياز بديلا عن المؤسسات التمويلية التقليدية.
ولكن وعلى الرغم من
المزايا والفوائد التي حققتها هذه المؤسسات التمويلية الإسلامية من هذا التحول
الرقمي، أو الثورة الصناعية الرابعة فهي تواجه العديد من المخاطر، والتحديات أثناء
ممارسة أنشطتها، وخدماتها المختلفة، وهو ما جعلنا نطرح السؤال التالي: ماهي أهم مزايا التمويل الإسلامي
الرقمي؟ وماهي المخاطر التي تواجهه؟
للإجابة عن هذا السؤال
تم تقسيم هذه المداخلة إلى المحاور التالية:
المحور الأول: ماهية التمويل الإسلامي الرقمي
المحور الثاني: مزايا
التمويل الإسلامي الرقمي
المحور الثالث: مخاطر التمويل الإسلامي
الرقمي
المحور
الأول: ماهية التمويل الإسلامي الرقمي
إن مصطلح التمويل الإسلامي الرقمي يتكون من
شقين: التمويل الإسلامي، والرقمي، وسوف نتعرف على هذين المصطلحين من خلال مايلي:
أولا:
تعريف التمويل الإسلامي Islamique Finance))
يعرف التمويل الإسلامي بعدة تعريفات نذكر
منها ما يلي:
1-
علاقة بين المؤسسات المالية بمفهومها الشامل، والمؤسسات أو الأفراد، لتوفير المال
لمن ينتفع به سواء للحاجات الشخصية، أو بغرض الاستثمار عن طريق توفير أدوات مالية
متوافقة مع الشريعة، مثل عقود المرابحة، أو المشاركة، أو الإجارة، أو الاستصناع،
أو السلم، أو القرض.
2-
تقديم ثروة نقدية، أو عينية بقصد الاسترباح من مالكها إلى شخص آخر يديرها، ويتصرف
فيها لقاء عائد تبيحه الأحكام الشرعية.
3-
تقديم التمويل العيني أو المعنوي للمنشآت المختلفة بأشكال، وصور تتفق مع تعاليم
الشريعة الإسلامية، ووفقا للمعايير والضوابط الشرعية، والفنية، بما يسهم بفاعلية
في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وانطلاقا مما سبق يمكن القول إن التمويل
الإسلامي هو" إطار شامل من الصيغ المختلفة التي تتمثل في الحصول على المال،
وتوظيفه بغرض تحقيق الأرباح، أو التبرع بما يحقق المنافع لجميع أفراد المجتمع،
وعمارة الأرض، في ظل أحكام الشريعة الإسلامية، ومقاصدها المختلفة".
أ- أهداف التمويل الإسلامي
لاشك أن التمويل الإسلامي عندما وجد وأسس
كان له أهداف سامية ، حيث أنه كما هو معلوم أن الأمة الإسلامية وخلال عدة عقود أو
يمكن أن نقول قرون ، وبعد حالة الضعف التي كانت تعيشها المجتمعات الإسلامية ،
خصوصا في فترة الإستعمار ، أصبحت تعيش على ما يقدم لها من خلال ثقافات أخرى لا
تراعي المبادئ والأسس التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية ، وهذا بلا شك نتج عنه
أحد خيارين ، إما مواكبة الاتجاهات الاقتصادية للعالم المتقدم حتى وإن كانت لا
تتوافق مع شرع الله ، أو العيش في عزلة تزيد من حالة المعاناة والفقر التي يعيشها
العالم الإسلامي تلك الفترة.
وبالتالي كان لزاما على المختصين ،
والباحثين في علوم الشريعة والاقتصاد محاولة إيجاد بدائل، تتميز بأنها لا تتعارض
مع الأصول والأسس التي قررتها الشريعة الإسلامية ، وفي نفس الوقت تتناسب مع التقدم
الذي يشهده العالم اليوم في الاقتصاد والتنمية ، ولذلك نجد أنه كان لا بد من وجود
مشاركة بين الباحثين في علوم الشريعة وخصوصا في علوم المعاملات المالية ،
والمختصين في الاقتصاد والعلوم المالية ، لمحاولة الاقتباس من العقود التي تمت
دراستها في كتب الفقه من قبل ، ومحاولة تطبيق قواعدها على صيغ متقاربة معها في
الأصول ، وإن كانت قد تختلف عنها نوعا ما في التطبيق ، بغرض تطوير تلك الصيغ
لإيجاد صيغ جديدة ، يمكن ان تكون بديلا للصيغ المنشرة في المؤسسات المالية في
العالم والتي تعتبر غير متوافقة مع الشريعة ، وفي نفس الوقت تكون مثل هذه الصيغ
تساهم في الحركة التنموية للمجتمعات الإسلامية ، وتحقق رغباتهم وحاجاتهم سواء كانت
الرغبات والحاجات على مستوى الأفراد أو المؤسسات.
وبالتالي يمكن تلخيص بعض أهداف التمويل
الإسلامي بما يلي:
1-
إيجاد بدائل للتمويل غير المتوافق مع الشريعة مثل القرض بفائدة سواء على مستوى
الأفراد أو المؤسسات.
2- تحقيق التنمية للمجتمعات الإسلامية.
3- إيجاد فرص عمل من خلال توفير أنواع من
التمويل التي تقدم للشركات الكبرى وهذا بالتالي يساهم في توفير فرص عمل لديها
للأفراد ، أو توفير رأس مال صغير للأفراد لإنشاء مشاريع صغيرة تفيد المجتمع.
4- تحقيق عوائد جيدة لأصحاب رؤوس الأموال عبر
ادخارها لدى مؤسسات مالية تقدم أدوات استثمارية متوافقة مع الشريعة ، وهذه
المؤسسات تمارس دورها باستثمار تلك الأموال لأصحابها.
ب- خصائص التمويل الإسلامي
يتميز التمويل الإسلامي بالعديد من الخصائص أهمها ما يلي:
-
استبعاد التعامل بالربا أخذا وعطاء
وتستند هذه الخاصية إلى القاعدة الإسلامية الخاصة بحرمة
الربا وحرمة التعامل به والمتمثلة بقوله عز وجل: [وأحل االله البيع وحرم الربا]
(البقرة 279).
وتعتبر هذه الخاصية من أهم الخصائص التي تسهم في تحقيق
العدالة الاجتماعية، فهي تمنع الظلم، وتحد من تركز الثروة وتحد من البطالة، وتضمن
حق الفقير في تنمية موارده ومواهبه وإبداعاته.
-
توجيه المال نحو الاستثمار الحقيقي
من أهم الخصائص التي
يجب أن تميز التمويل الإسلامي هو توجيه المال نحو الاستثمار الحقيقي الذي يهدف إلى
امتزاج عناصر الإنتاج ببعضها البعض، وبالتالي فإن أي ربح ينتج عن هذا الاستثمار
يكون ربحا حقيقيا يظهر في زيادة عناصر الإنتاج، مما يبين لنا قدرة مصادر التمويل
الاستثماري الإسلامية على تنمية طاقات المجتمع وموارده وقدراته.
-
توجيه المال نحو الإنفاق المشروع
إن من الخصائص التي
تميز التمويل الإسلامي أن يكون هذا التمويل في مشاريع مباحة من وجهة نظر الشرع،
فلا ينفق على المشاريع المخالفة لمقاصد الشارع الحكيم، والتي تؤدي إلى مفسدة الفرد
والمجتمع.
-
التركيز نحو توجيه سلوك الفرد إلى الأخلاق الفاضلة
إن من خصائص التمويل الإسلامي هي تربية
روح الفرد على الأخلاق الفاضلة، والصفات الحسنة، فهو يربي فيه صفات الأمانة والثقة
بالنفس، والإخلاص، والإتقان في العمل، مما يوفر فرص أكبر لنجاح المشروعات،
وبالتالي نجاح عملية التنمية.
-
التركيز على طاقات الفرد، ومهاراته، وإبداعاته
إن من أهم خصائص التمويل الإسلامي هي
التركيز على تنمية طاقات الفرد والتركيز على حاجاته ومهاراته الريادية، والإبداعية،
بحيث يكون التمويل الإسلامي قاعدة الانطلاق لهذه الطاقات، والإبداعات التي يعول
عليها في تقدم المجتمع، فالتمويل الإسلامي يجب أن يكون أداة للتنمية التي لن تتحقق
من غير الاهتمام بالفرد وطاقاته.
ج- آثار التمويل الإسلامي
يترتب عن التمويل الإسلامي عدة آثار إيجابية، وأهم هذه
الآثار ما يلي:
-
إلغاء التكلفة التي تكبدها المؤسسات عندما تستثمر أموالها بفوائد ربوية، بحيث تصبح
التكلفة صفرا، ومن المعروف أنه كلما انخفضت تكاليف التمويل، زادت دائرة الاستثمار،
وينعكس ذلك على تكلفة إنتاج السلع، مما يزيد من تنافسية المؤسسة، وينعكس على القوة
الشرائية، ومستوى الرواج في السوق، مما يؤدي إلى توفير المناخ، وتجديد الحافز
الاستثماري لأصحاب المنشأة.
-
إن تطبيق الصيغ التمويلية الإسلامية يؤدي إلى سهولة الربط بين عناصر الإنتاج،
وخاصة عنصر العمل، ورأس المال في أشكاله المتعددة من مضاربة، مرابحة، واستصناع....،
وهو ما سيؤدي إلى فتح مجالات العمل لأصحاب الحرف، والخبرات في كل الميادين، هذا من
جهة، ومن جهة أخرى فإن الأموال المكتنزة، أو المدخرة ستستغل وبشكل جيد في مختلف
الأنشطة الاستثمارية.
- إن
أشكال، وأساليب التمويل الإسلامي المخصص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم عديدة
ومتنوعة، ولها مزايا عديدة للمؤسسات، لا سيما فيما يتعلق بملاءمة كل صيغة، أو
طريقة لقطاعات اقتصادية معينة.
- بالنظر
إلى أن التمويل الإسلامي أكثر استقرارا ومرونة، فإنه يوفر بيئة مواتية لإنشاء،
وإيجاد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي تعمل على دفع عجلة التنمية
المستدامة في المجتمع.
- التمويل الإسلامي، ولأنه ينطلق من التعاليم الإسلامية
السمحة، لا يقتصر فقط على تلبية الاحتياجات المادية للفرد، بل على التوازن العادل
بين الحاجات المادية، والحاجات المعنوية، فهو إلى جانب تلبيته للحاجات المادية،
يربي الفرد على الصدق، والإتقان في العمل، والرقابة الذاتية، والخوف من الله عز
وجل.
- كما
أن التمويل الإسلامي يعتبر طريقة مثالية لتحقيق التوازن بين احتياجات الفرد،
واحتياجات المجتمع، حيث أنه يركز على الفرد من خلال مصلحة المجتمع ، فهو ينمي فيه
إحساسه بالانتماء إلى دينه، ومجتمعه.
ثانيا: تعريف التمويل الرقمي Finance) Digital )
يعرف التمويل الرقمي بأنه: "خدمات مالية يتم
تقديمها عبر البنية التحتية الرقمية، بما في ذلك الهاتف المحمول، والأنترنت، مع
استخدام قليل للنقد وفروع البنوك التقليدية، والتي تعمل من خلال أجهزة الهواتف، أو
أجهزة الكمبيوتر، أو البطاقات المستخدمة عبر أجهزة نقاط البيع ( pos) على توصيل الأفراد والأعمال إلى بنية تحتية رقمية للمدفوعات، مما
يتيح معاملات سلسة لجميع الأطراف".
ثالثا: تعريف التمويل الإسلامي الرقمي كمركب إضافي
وانطلاقا
مما سبق نلاحظ بأن التمويل الإسلامي الرقمي يربط بين التمويل الإسلامي والتمويل
الرقمي، لذلك فقد عرف بعدة تعريفات منها:
1- هو عملية استحداث ،وابتكار
الخدمات المالية التقليدية عبر توظيف التقنيات الرقمية الحديثة، وتكنولوجيا
المعلومات والاتصالات، وذلك بهدف تقديم كافة الخدمات والمنتجات المصرفية والمالية
من خلال القنوات الرقمية، وبما لا يخالف أحكام وضوابط الشريعة الإسلامية.
2-
مجموعة من الآليات المالية التي تسمح للأفراد بالقيام
بأنشطة الاستثمار دون انتهاك المبادئ الأساسية الإسلامية.
3- توظيف
التقنيات الرقمية، وتكنولوجيا الاتصال في المصارف الإسلامية، وذلك لتقديم كافة
المنتجات، والخدمات المصرفية من خلال القنوات الرقمية، والفروع الرقمية، وبما لا
يخالف أحكام، وضوابط الشريعة الإسلامية.
ومن
التعاريف السابقة يمكن القول بأن التمويل الإسلامي الرقمي هو: " تقديم
خدمات مالية للأفراد والشركات بطرق تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وهذا بالاعتماد
على التكنولوجيات الرقمية الحديثة لتقديم هذه الخدمات المالية."
المحور الثاني: مزايا التمويل الإسلامي الرقمي
يحقق
التمويل الرقمي العديد من المزايا سواء للأفراد أو المصارف ، أو للجتمع، ومن أهم
هذه المزايا مايلي:
- يتيح خدمات منخفضة التكلفة وسريعة
الاستجابة للأشخاص الذين لا يتعاملون مع البنوك، فالاعتماد على التكنولوجيا
المالية والبنية التحتية الجيدة، لديها إمكانات كبيرة لخفض تكاليف استلام
المدفوعات، والوصول إلى الأسر المستبعدة ماليا، خاصة في المناطق النائية والمناطق
ذات الكثافة السكانية المنخفضة. ولهذا فإن التمويل الرقمي يؤدي إلى مزيد من الشمول المالي.
-
من الجدير بالذكر أن الجهود المبذولة لتحقيق الشمول المالي من خلال التمويل الرقمي
ستسهم في تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على
الفقر من خلال توفير منتجات تمويلية مناسبة وآمنة بأسعار معقولة للفقراء في
البلدان النامية، وهذا التحسن في إمكانية الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية،
والقدرة على تحمل تكلفتها في جميع أنحاء العالم سيساعد ملايين العملاء الفقراء على
الانتقال من المعاملات النقدية إلى المعاملات المالية النقدية الرسمية على منصات
رقمية آمنة، ذلك أن هدف الحد من الفقر يتطلب إزالة القيود التي تعيق الحصول على
التمويل واستخدامه، ويحتل تعميم الخدمات المالية أولوية كبيرة، خاصة وأن الحصول
على التمويل يعد عائقا كبيرا أمام المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي عادة
ماتساعد الدول النامية على تحقيق هذا الهدف.
- يوفر
التمويل الرقمي فرصة لزيادة الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات الرقمية من خلال
إمكانية الوصول إلى مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات المالية، والتسهيلات
الائتمانية للأفراد، وكذلك للشركات الصغيرة والمتوسطة، وحتى الشركات الكبيرة،
والتي يمكن أن تعزز إجمالي الإنفاق، وبالتالي تحسين مستوى الناتج المحلي الإجمالي،
كما أن التمويل الرقمي يمكن أن يؤدي أيضا إلى مزيد من الاستقرار الاقتصادي، وزيادة
خدمات الوساطة المالية.
- إن الزيادة
في مستويات الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن يوفر مايصل إلى 95 مليون وظيفة في جميع
القطاعات، وهذا يعني أن التمويل الرقمي يمكن أن يصبح أداة قوية، ومحركا لتوفير فرص
العمل خاصة في البلدان النامية.
-
يساعد المصارف الإسلامية على خفض التكاليف التشغيلية
عن طريق الحد من طوابير الانتظار في القاعات المصرفية، والحد من الأوراق اليدوية
والتوثيق والحفاظ على عدد أقل من الفروع المصرفية ويساهم في القيام بأعمال أكثر
كفاءة وتقديم خدمات جديدة، مثل التحويلات
والمدفوعات للمبالغ الصغيرة، التي تكون مستحيلة عادة مع الخدمات المصرفية
التقليدية. ونظرا
لزيادة عدد الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى الحسابات وتحويل مدخراتهم من الآليات
غير الرسمية، يمكن أن يتدفق ما يصل إلى 4.2 تريليون دولار من الودائع الجديدة إلى
النظام المالي والتي يمكن الاستفادة منها.
- يساعد
المؤسسات المالية الإسلامية على تسويق منتجاتها وخدماتها وصولاً إلى السوق
العالمية.
-
يمكّن الدفع الرقمي
الأعمال التجارية والشركات من مراقبة سجلات المبيعات الإلكترونية، وتحسين التدفق
النقدي، ومراقبة الإنتاجية، وكذلك تمكّن تطبيقات الهواتف الذكية الشركات الصغيرة
من تتبع بيانات مبيعاتها وتقييمها، ومعالجة المدفوعات الرقمية التي تؤدي في
النهاية إلى كفاءتها وفعاليتها.
- يوفر
منصة أكثر ملاءمة للأفراد لتنفيذ المعاملات المالية الأساسية بما في ذلك مدفوعات
الكهرباء والمياه والقيام بتحويل الأموال إلى العائلة والأصدقاء. وهذا بشرط أن
تكون منصات التمويل الرقمية سهلة الاستخدام، ومن الممكن لمستخدمي الخدمات المالية
الرقمية المساعدة في إخبار وإقناع أقرانهم في القطاعين الرسمي وغير الرسمي
(الريفي) للاستفادة من الخدمات المالية الرقمية مما يؤدي إلى أن يستخدم عدد أكبر
من الأفراد التمويل الرقمي فيتحقق شمول مالي أكبر.
- يوفر سيطرة أكبر على
التمويل الشخصي للعملاء، واتخاذ القرارات المالية السريعة، والقدرة على
صنع واستلام المدفوعات فضلاً عن إدارة المخاطر المالية عبر تسهيل جمع الأموال في
أوقات الحاجة من الأهل والأصدقاء في حالات الطوارئ والصدمات غير المتوقعة مثل
المرض أو فقدان الوظائف. ففي كينيا، توصل باحثون إلى انه عند انخفاض غير متوقع في الدخل،
لم يقلص مستخدمو الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول الإنفاق على أسرهم، وهذا ما
ظهر في أزمة كورونا الحالية فقد ساعد التمويل الرقمي على إتمام كافة المعاملات
والتحويلات بين الدول مع أنه كان لا يسمح بالخروج من المنزل، كما أوصت منظمة الصحة
العالمية والدول رعاياها أن ينتبهوا إلى خطر العدوى عن طريق الأموال النقدية وهنا
أثبتت الخدمات المالية الرقمية جدواها في وقت الأزمات.
وقد استفاد من التمويل
الرقمي كل من المؤسسات المالية (المصارف الإسلامية ومؤسسات التمويل الأصغر)
والشركات غير المالية (شركات الأجهزة المحمولة ومشغلي الشبكات) ومزودو الطرف
الثالث (مديري شبكة الوكيل، ومجمعي المدفوعات) ولذا، فمن المتوقع أن يحسن التمويل
الرقمي رفاهية الأفراد والشركات. ومع ذلك، فبحسب ozile فإن الفوائد المتوقعة
من التمويل الرقمي لا يمكن تحقيقيها بالكامل إلا إذا كانت تكلفة تقديم الخدمات
المالية الرقمية طفيفة أو تكاد تكون معدومة. وأن يكون المستخدمون مطلعين جيداً
ومحميين بشكل جيد، وأن يكونوا واثقين من وجود نظام رقمي يعمل بشكل جيد.
المحور الثالث: مخاطر التمويل الإسلامي الرقمي
على الرغم من مزايا
التمويل الرقمي كما ذكرنا سابقا إلا أنه هناك العديد من المخاطر التي تواجه
المصارف الإسلامية بشكل خاص، والتمويل الإسلامي بشكل عام، ومن هذه المخاطر مايلي:
1-
المخاطر القانونية
نشأ المخاطر القانونية بسبب الفراغ
التشريعي، وعدم مواكبة التشريعات للتطورات الحديثة، فلم تصدر بعد تشريعات وقوانين
منظمة للتمويل الرقمي والإلكتروني، والقوانين المنظمة للبنوك المعاصرة لم تطبق على
البنوك الإلكترونية، لذلك يتعين على الجهات التنظيمية استصدار تشريعات وقوانين
مفصلة لحماية الأطراف المتعاملة به، وتتمثل أهم التحديات القانونية التي تواجه
التمويل الرقمي في: التواقيع الرقمية، وخصوصية العميل، والمسؤولية عن الأخطاء
والمخاطر.
2-
المخاطر الشرعية
وقد تنشأ المخاطر الشرعية من:
-
عدم
تطبيق أحكام الشريعة، وقرارات الهيئة الشرعية.
-
مخاطر
تتعلق بعدم الحفاظ على شرعية آثار العقود، والمقصود به أن الشريعة جعلت لكل عقد
آثاره وشروطه الخاصة به فلا يجوز للعاقدين التحكم فيها أو تغييرها.
-
عدم
اعتماد الإجراءات الرقمية التنفيذية.
3-
المخاطر التشغيلية
وتحدث مخاطر التشغيل من عدم التأمين
الكافي للنظام وعدم ملائمة النظم، وسوء عمل النظام الإلكتروني، وأعمال الصيانة
وإخفاق النظم، و بسبب سوء استخدام النظام، أو سوء مراقبة البرامج ، فضلا عن
الأخطاء التي قد تنتج عن سوء استعمال العميل أو الإدارة الإلكترونية.
4-
أمن
المعلومات والمعاملات
تعتبر مخاطر أمن المعلومات من أكبر المخاطر،
والتحديات التي تقف في وجه التمويل الرقمي، والصيرفة الرقمية بشكل عام، فهي تؤدي
إلى زعزعة الثقة بها، والخوف من الإقدام عليها، وهي ما زالت تهدد المصارف في ظل
التحول الرقمي والتقدم التكنولوجي وعولمة الاقتصاد، وجرائم المعلومات كثيرة، وتأخذ
عدة أشكال منها:
-
مخاطر
الاحتيال من خلال تقليد البرامج، وتزوير المعلومات بمعلومات تطابق للبرامج
الإلكترونية، أو من خلال تعديل بعض المعلومات.
-
مخاطر
الجرائم الإلكترونية، فالصيرفة الرقمية تتعرض للعديد من الهجمات الإلكترونية
المتنوعة، وتعتبر الشركات المالية هدفا للقراصنة، ومثال ذلك سرقة 21 مليون دولار
أمريكي من البنك المركزي في بنغلادش، وتعرض بنك في نيويورك (جي بي مورغان تشيش)
إلى هجمة أسفرت عن اختراق بيانات 23 مليون
عميل، ولهذا، يجب أن تكون المصارف الإسلامية مستعدة لهذا النوع من الهجمات من خلال
اتخاذ تدابير أمنية، مثل التحكم في الفيروسات، وحماية حسابات العملاء، بالإضافة
إلى التحديث المستمر لأنظمة المصرف.
-
الاختراق،
ومن أشكاله اختراق نظام المصرف الإلكتروني من خلال القرصنة، ومهاجمة الفيروسات.
-
جرائم
غسيل الأموال، فهناك عالقة بين هذه الجرائم والتقدم التكنولوجي.
5-
مخاطر
تخص العملاء، ومنها:
-
تزوير
بطاقات الائتمان من قبل القراصنة، واختراق حسابات العملاء، ولهذا اتجهت المصارف
إلى نشر قواعد وتعليمات للعملاء عبر صفاحتهم، لحماية وسلامة المعاملات المصرفية،
فيجب على العملاء اتباع هذه التعليمات بدقة للمحافظة على مستويات عالية من الأمان.
-
مخاطر
انتهاك خصوصية، وسرية المتعاملين، وحماية حقوق المستهلك.
-
لا
يتم إطلاع (تضليل) العملاء على كيفية استخدام بيانتهم ومحفوظاتهم، وبالتالي فإن
معلومات العميل يمكن أن يكون قد تم بيعها، أو تتبعها بشكل غير لائق دون موافقة
العميل.
6-
خطر السمعة
ويتمثل في محاولة تدمير النظام الأمني عن
طريق إدخال فيروس إلى نظام المصرف الإلكتروني، والذي قد يعطل نظام المعلومات،
وينشأ خطر السمعة نتيجة احتمال الخسارة، أو من أخطاء العملاء، أو من برنامج
إلكتروني غير ملائم، وكذلك في حال وقوع الهجمات السيبرانية على إحدى المصارف
وتمكنها من معلوماته، وأمواله فإنها تؤثر على سمعة المصرف، لذا يجب أن تكون
المصارف الإسلامية حصيفة من ناحية أمن معلوماتها، و ألا تتهاون بشأن المخاطر التي
تحوم حولها.
7-
خطر
البطالة وفقدان الوظائف
ساهم التحول الرقمي في زيادة الكفاءة
والفاعلية، ولكنه في الوقت نفسه، ينطوي على آثار سلبية على البشر، والرفاه
الاجتماعي من حيث تقليص عدد الوظائف، والاستغناء عن الموظفين نتيجة أتمتة العمليات
المصرفية، فإدخال الأنظمة المصرفية عن بُعد، وانتشار الفروع الرقمية، والروبوتات
يؤدي إلى خفض الوظائف، وإغلاق بعض الفروع، وتقليص عدد المكاتب.
والمصارف
الإسلامية ليست معنية فقط بالكفاءة والربحية التي توفرها الرقمنة، ولكنها معنية
بجانب هام وهو الرفاه الاجتماعي والعدالة، ولذلك يجب ألا تتخلى عن موظفيها، بل يجب
عليها أن تؤهلهم، وتدربهم، وتحولهم إلى وظائف أخرى، وتنمي مهاراتهم الرقمية التي
تواكب نمط هذا العصر، فأغلب التقارير العالمية توكد على مسألة فقدان وظائف تقليدية
ونمو وظائف جديدة (تحول الوظائف) مع التحول الرقمي، لذا وجب عليها أن تسلح
الموظفين بالكفاءات التي تواكب هذا العصر.
8-
خطر
السيولة
هناك خطر قد
يؤثر على الاقتصاد القومي ككل، ويأتي أساسا من جانب حجم السيولة في الاقتصاد،
فالتمويل الرقمي يتيح للعميل أن يقوم بتحويل أمواله، وبأية مبالغ، بضغطه على زر
الحاسوب، أو الهاتف خارج حدود الدولة إلى دولة أخرى أو العكس، وفي هذه الحالة يجعل
الدولة عرضة للتأثير بأزمات السيولة بزيادة أو نقصان.
الخاتمة
بعد
هذه الدراسة المتواضعة الموسومة بــ: "التمويل الإسلامي الرقمي: مزاياه، ومخاطره"،
تم التوصل إلى النتائج والتوصيات التالية:
أولا: النتائج
-
يعرف التمويل الإسلامي الرقمي بأنه " تقديم خدمات
مالية للأفراد والشركات بطرق تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وهذا بالاعتماد على
التكنولوجيات الرقمية الحديثة لتقديم هذه الخدمات المالية."
-
هناك العديد من المزايا والفوائد للتمويل الإسلامي
الرقمي منها: القيام
بخدمات منخفضة التكلفة، وسريعة الاستجابة للأشخاص الذين لا يتعاملون مع البنوك، كما
أنه يساعد المؤسسات المالية الإسلامية على تسويق منتجاتها وخدماتها وصولاً إلى
السوق العالمية، هذا إلى جانب كونه أداة قوية، ومحركا أساسيا لتوفير فرص
العمل، والقضاء على مشكلة الفقر خاصة في البلدان النامية.
-
إلى جانب المزايا التي يتمتع بها التمويل الإسلامي
الرقمي هناك العديد من المخاطر، والتحديات التي تواجه المؤسسات التمويلية
الإسلامية ومن هذه المخاطر: المخاطر الشرعية، المخاطر القانونية، مخاطر السيولة،
مخاطر السمعة، ومخاطر البطالة وفقدان الوظائف.
ثانيا: التوصيات
-
العمل على توعية المجتمع بأهمية التمويل الإسلامي
الرقمي.
-
ضرورة الإكثار من الملتقيات والأيام الدراسية حول
التمويل الإسلامي الرقمي.
-
إصدار قوانين وتشريعات من أجل تفعيل التمويل الإسلامي
الرقمي، وحمايته من كل الهجمات الإلكترونية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين.
*
قائمة المصادر
والمراجع
-
القرآن الكريم
-
الكتب
-
رويدة أيوب
المشني، أصول نظرية التمويل الإسلامي، وأسسها ومميزاتها وآثارها، مؤتمر الصيرفة الإسلامية
في فلسطين بين الواقع والمأمول، كلية الشريعة، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين،
26أفريل 2018م.
- زهير
غراية، مستقبل صناعة التمويل الإسلامي في ظل التوجه العالمي نحو الاقتصاد الرقمي،
مجلة أبعاد اقتصادية، م9، ع2، 2019.
-
سامي مباركي ، سامية مقعاش ، التمويل الإسلامي في مواجهة التحول الرقمي وتداعيات
جائحة كورونا، مجلة الأصيل للبحوث الاقتصادية والإدارية، م5، ع 1، 2021.
-
صلاح بن فهد الشلهوب، صناعة التمويل الإسلامي ودورها
في التنمية، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، 2007م.
-
عبد الباري مشعل، آليات التوازن الكلي في الاقتصاد الإسلامي، رسالة دكتوراه، جامعة
أم القرى، م ع س، دت.
- محمد عبدالحميد، التمويل
الإسلامي للمشروعات الصغرى دراسة لأهم مصادر التمويل، رسالة ماجستير غير منشورة،
الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، م ع س.
- منذر قحف، مفهوم التمويل في الاقتصاد
الإسلامي، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة، م ع س، 1991، ط1.
- مها خليل شحادة، تطبيقات ومخاطر التمويل
الإسلامي الرقمي، مجلة رماح للبحوث والدراسات، ع57، 2021.
- مها خليل شحاده، عامر يوسف العتوم، التمويل
الإسلامي الرقمي ودوره في تعزيز الشمول المالي، مجلة جرش للبحوث والدراسات، م 22
العدد2 ،2021.
-
نادية جودت، التمويل الإسلامي الرقمي في ظل أزمة كورونا الفرص والتحديات والآفاق
المستقبلية، المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، م 18، ع1، 2022.