البحث

التفاصيل

رحيل محمد أحمد الراشد.. أديب ومنظر الحركة الإسلامية

الرابط المختصر :

رحيل محمد أحمد الراشد.. أديب ومنظر الحركة الإسلامية

الكاتب: عصام تليمة

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

توفي منذ أيام الأستاذ محمد أحمد الراشد، في موطن إقامته الأخير بماليزيا، رغم أنه عراقي الموطن والجنسية، وذلك لظروف حياتية اضطرته لمغادرة وطنه، ولتغيير اسمه كذلك، وقد كتب على الرجل الترحال من مكان لآخر، وكتب له أن يعيش باسم ليس اسمه، وهو ما حدث لكثيرين من أبناء الحركات الإسلامية، وغير الإسلامية، والذي أصبح فيما بعد له كبير الأثر في صياغة تفكير كثيرين من أبناء الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، خاصة بعد ترجمة عدد كبير من كتبه لعدد من اللغات الحية.

الراشد اسم حركي

عاش الرجل وعرف باسم محمد أحمد الراشد، وليس هذا اسمه الحقيقي الذي سماه به أهله، بل اسم اختاره بحكم ظروفه الأمنية والسياسية، فقد كان مطاردا من نظام البعث في العراق، وخرج من بلده، بعد أن تخرج في كلية الحقوق بجامعة بغداد، وعمل بالمحاماة ثم الصحافة، ثم تفرغ للدعوة الإسلامية والكتابة والتأليف.

ورغم أن اسمه الحقيقي: عبد المنعم صالح العلي العزي، وظل غير معروف بهذا الاسم، حتى سقوط صدام ونظامه، واحتلال أمريكا للعراق، ولا تجد له كتابا بهذا الاسم الحقيقي سوى كتاب واحد، قام بتهذيبه، وهو كتاب: تهذيب مدارج السالكين، قام بتهذيب واختصار كتاب: مدارج السالكين لابن القيم، وهو تعليق على رسالة: (منازل السائرين) لإسماعيل الهروي، لكن تهذيب الراشد للكتاب، دل على اهتمامه منذ بدايته العلمية، بالكتب التي تتعلق بالتربية الروحية والتصوف، وبخاصة التصوف الخالي من الشطحات والمجازفات.

وإذا كانت بدايته العلمية في الاختصار والتهذيب، فقد قام بعمل مثيل في أواخر حياته، فقام باختصار كتاب: (الغياثي.. غياث الأمم في التياث الظلم) للإمام الجويني، وهو في الفقه السياسي، وجعل عنوانه: (الفقه اللاهب)، وهو اختصار غير مخل، وحافظ على المعاني والأفكار التي كتبها الجويني.

وهناك أشخاص كثر جرى لهم ما جرى للراشد، أن يكتب بغير اسمه، سواء لظروف أمنية، أو لظروف أخرى، ومن أشهر هؤلاء: الشيخ حسن البنا، والشيخ محمد الغزالي، والدكتور يوسف القرضاوي، لكن كتابة البنا والغزالي بأسماء مستعارة، أو بألقاب تشير للاسم لا يعرفها الكثيرون، كانت بسبب كثرة الكتابة في المجلة الواحدة، فعرف للبنا عدة توقيعات، مثل: أبو علي، والحسن، وأبو الوفاء. وأما الغزالي فلم يكتب باسم مستعار سوى باسم: أبو حامد، إشارة لأبي حامد الغزالي الذي سمي به، تيمنا من أبيه، لأن أباه كان رجلا صوفيا. أما القرضاوي فقد فعلها للظروف الأمنية، حين كتب باسم: يوسف عبد الله، لأن اسم القرضاوي في فترة الخمسينيات كانت مشكلة كبرى له، مع حاجته للعائد المادي من الكتابة.

كاتب وأديب وفنان

يجمع الراشد مزايا قل أن تجتمع في عدد من الإسلاميين المعنيين بالدعوة والكتابة الدعوية، فالرجل يمتلك لغة أدبية عالية المستوى، برزت هذه اللغة في كل كتبه، وبين سببها في مقدمة أحد كتبه، حين ذكر مصادره التي يرجع إليها، ثم ذكر بعد الكتاب والسنة، كتب الأدب، ونوه إلى أهمها من الكتب الحديثة، وهو كتاب: (وحي القلم) للرافعي، فقد كان الرافعي بين أدباء عصره الأقرب للإسلاميين، ثم المنفلوطي.

وكانت لكتابات الراشد، بلغتها الأدبية العالية أثرا في نفوس القراء من أبناء الحركة الإسلامية، فقد كانت تقرر بعض كتبه، مثل: (الرقائق)، وغيرها، في مناهج الإخوان المسلمين، وهذا ما أعطى أثرا مهما في الأجيال التي تربت على كتبه، وبرز ضعف هذا الجانب حين تخلت المناهج عن كتبه وكتب الغزالي والقرضاوي، وتدنى مستوى التربية الثقافية لدى الإخوان في مراحلها الأخيرة، وأحد أهم الأسباب: غياب كتب المفكرين الكبار أصحاب اللغة الأدبية العالية.

جمع الراشد مع الكتابة الأدبية والفكرية المركزة والعميقة، مواهب أخرى ندر توافرها في داعية من المعاصرين، فقد كان فنانا، يحسن الرسم، ولذا لا تفاجأ حين تجد بعض كتبه وقد كتب بداخلها تنويه إلى أن الغلاف من تصميم المؤلف. وكان للأدب والفن أثر في طبيعة تعامل الرجل، في تواصله مع الناس، فتجده دون جميع الكتاب والمفكرين الإسلاميينن، يكتب على غلاف أحد الكتب، وسيلة التواصل معه، عبر البريد الإلكتروني، ثم يكتب تنويها مهما صيغته: (يمكن الاتصال بالمؤلف عن طريق البريد الإلكتروني، مع عدم التزامه بالرد على جميع الرسائل).

طرفة زواجه

وتأثر أسلوبه في التعامل الحياتي بالفن والأدب، فكان صاحب طرفة، تأتي حسب الموقف دون تكلف، ولا افتعال، أو استحضار لها، فقد توفيت زوجه أم أولاده، وكعادة من يكون أرملا، أنه يطلب بعد فترة البحث عن زوجة، فقد طلب من إخوانه ذلك، وكعادة بعض التنظيمات الإسلامية، يبحث الشخص عن زوجة بمعايير المسؤول التنظيمي أو زوجته، لا بمعايير الأخ الذي يريد الزواج، فعثروا له على زوجة بمواصفاتهم، فقالوا له: وجدنا أختا حافظة للقرآن الكريم، وهي تحفظ كتب التاريخ، ولم يسبق لها الزواج، فلاحظ الراشد أن من وقع عليها الاختيار كبيرة في السن، دونه بقليل جدا، فقال لهم مازحا: أنتم الآن تحلون مشكلة الأخت، ولا تحلون مشكلتي، لقد ركزتم على ما يناسبها، لا ما يناسبني!

نظرات نقدية

كما امتلك الراشد شجاعة انتقاد الحركة الإسلامية، بل انتقد جيله نفسه، في أنهم لا يعطون الشباب ولا الأجيال القادمة فرصة للمسؤولية، وكتب رسالة كانت قوية، وجريئة، ينتقد عددا من مسؤولي التنظيم الدولي، وكان مما قاله فيها بصراحة: إن معظمنا كبير في السن، فمن سلم من المرض المقعد، ينام معظم الوقت في الجلسات، وهذا شارد الذهن، وهذا لا يلم بما نتحدث، وقد تجاوز معظمنا الزمن والأحداث. قال هذه المعاني، بجرأة لا يقولها من في سنه ومقامه، فرحمه الله، وجزاه خيرا عما قدم.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* د. عصام تليمة؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. من علماء الأزهر، حاصل على الدكتوراه في الفقه المقارن.

* مصدر المقال: الجزيرة مباشر

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
في رثاء الشيخ محمد أحمد الراشد
السابق
عظم فضيلة الصبر في الدنيا والآخرة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع