البحث

التفاصيل

في ذكرى مولده ﷺ صرخة من الأعماق: النصر مع الجماعة والهزيمة مع الاختلاف

الرابط المختصر :

في ذكرى مولده ﷺ صرخة من الأعماق: النصر مع الجماعة والهزيمة مع الاختلاف

بقلم: البروفيسور محمد دمان ذبيح

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين،، ثم أما بعد

أصارحكم القول لقد كتبت هذه الكلمات بكل جوارحي، وهي تبكي دما على أمة الإسلام، التي مزقتها الصراعات، وشتتها النزاعات، حتى أصبحنا كغثاء السيل، لا بماضينا تشبثنا، ولا بحاضرنا اجتهدنا، ولا بمستقبلنا خططنا، وهو ما جعل الأمم الأخرى لا تصغي إلى شعاراتنا، ولا تهابنا، بل لا نرى منها إلا الدمار، والأشلاء، والدموع،

ولمثل هذا يذوب القلب مِن كَمَد *** إن كان في القلب إسلام وإيمانٌ

ولله درك يا مصطفى حمام عندما قلت:

قال صحبي: نراك تشكو جروحا *** أيـن لـحن الرضا رخيما جميلا

قـلـت أما جروح نفسي فقد عوَّدْ *** تُـهـا بَـلـسَـمَ الرضا لتزولا

غيرَ أنَّ السكوتَ عن جرح قومي *** لـيـس إلا الـتقاعسَ المرذولا

لـسـتُ أرضـى لأمـة أنبتتني *** خُـلُـقـاً شـائـهاً وقَدْراً ضئيلا

لـسـتُ أرضى تحاسدا أو شقاقا *** لـسـتُ أرضى تخاذلا أو خمولا

أنـا أبـغي لها الكرامة والمجـد *** وسـيـفـا على العدا مسلولا

عـلـمـتني الحياة أني إن عش *** تُ لـنفسي أعِشْ حقيراً هزيلا[1]

يا أمة الإسلام أنسيت أما تناسيت هذه الآيات؟!

·     قال الله تعالى:

-     ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران 103].

قال القرطبي رحمه الله تعالى: "فإن الله تعالى يأمر بالألفة، وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة". [2]

وقال عز وجل أيضا:

-     ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾[ الأنعام 159].

-     ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾[ الأنفال 46].

-     ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام 153].

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أمَر اللهُ المُؤمِنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبَرهم أنما هلَك من كان قبلهم بالمِراء والخُصومات في دين الله".[3]

يا أمة الإسلام أين هذه الأحاديث النبوية الشريفة في واقعنا اليوم؟!

·     قال النبي صلى الله عليه وسلم:

-     "إنَّ اللهَ يرضى لكم ثلاثًا، ويكرَهُ لكم ثلاثًا؛ فيرضى لكم أن تعبُدوه ولا تُشرِكوا به شيئًا، وأن تعتَصِموا بحَبلِ اللهِ جميعًا ولا تَفرَّقوا، ويكرَهُ لكم ثلاثًا: قيلَ وقالَ، وكثرةَ السُّؤالِ، وإضاعةَ المالِ".[4]

-     "عليكم بالجماعةِ، وإيَّاكم والفُرقةَ؛ فإنَّ الشَّيطان مع الواحد، وهو من الاثنَين أبعد، مَن أراد بُحْبوحةَ الجنَّة فليلزَمِ الجماعة".[5]

-     "ثلاثُ خِصالٍ لا يَغِلُّ عليهنَّ قَلبُ مُسلم أبدا: إخلاص العمل لله، ومُناصَحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة؛ فإنَّ دعوتَهم تُحيطُ من ورائهم".[6]

-     "الجماعةُ رَحمةٌ والفُرقةُ عذابٌ". [7]

     يوم أن كانت أمة الإسلام كالجسد الواحد، وعلى قلب رجل واحد، ذلت لها الأمم، وخضعت لها الرقاب، وكان النصر والتمكين عنوانا لها في كل آن وحين، وما استطاع أحد أن يتجرأ عليها، أو ينبس ببنت شفة من قريب، أو من بعيد.

ولكن عندما أضحت أمة الإسلام طرائق قددا، وفرقا شتى، متصارعة متناحرة، تغير حالها إلى غير محمود، وتداعت عليها الأمم من كل حدب وصوب، وكان الفشل والهزيمة يحيطان بها من كل جانب، حتى أنك ترى ذلك في كل بيت من بيوتها سكنا، وفي كل بيت من أبياتها شعرا، فكانت النتيجة اليوم أن أصبحنا نعيش على هامش التاريخ، ونتجرع كل ألوان الأذى والذل والهوان، و ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق 37].

        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه: "لله تعالى قد يُديل الكافرين على المؤمنين تارة كما يديل المؤمنين على الكافرين، كما كان يكون لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع عدوهم، لكن العاقبة للمتقين.. وإذا كان في المسلمين ضعف، وكان عدوهم مستظهرًا عليهم، كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم؛ إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنًا وظاهرًا، وإما لعدوانهم بتعدِّي الحدود باطنا وظاهرا".[8]

وأي ذنب أعظم من الفرقة والاختلاف، وأي تفريط أشد من ترك الجماعة والائتلاف؟!

يا أمة الإسلام وفي ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم أرى من الواجب علينا اليوم أن نتخذ هذا المولد فرصة لرأب الصدع، والتفرق بين أفراد هذه الأمة، التي تميزت بالخيرية قولا وعملا، وبوحدة الصف منهجا وسلوكا، وبالنصر عزة وسناما، وصدق من قال:

كونوا جميعا يا بنيَّ إِذا اعترى *** خطبٌ ولا تتفرقوا آحادا

         تأبى الرماحُ إِذا اجتمعْنَ تكسرا *** وإِذا افترقْنَ تكسرتْ أفرادا[9]

    وأخيرا أقول مهما طال الليل فلا بد من طلوع الفجر، ومهما طالت الهزائم والاختلافات بيننا فلا بد من النصر والتمكين لهذه الأمة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: 51]؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بشِّر هذه الأمة بالسَّناء، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب".[10]

                                  تم بحمد الله تعالى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* البروفيسور محمد دمان ذبيح: جامعة محمد العربي بن مهيدي أم البواقي/ الجزائر. عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


[1] - أبيات من قصيدة  ّعلمتني الحياة " للشاعر محمد مصطفى حمام رحمة الله تعالى عليه ، والذي عندما فرغ من قراءة القصيدة كلها أجهش بالبكاء.

[2] - تفسير القرطبي 4/ 102.

[3] - أخرجه الطبري في التفسير 13392.

[4] - أخرجه مسلم برقم 1715.

[5] - أخرجه الترمذي برقم  2165.

[6] - اخرجه ابن ماجه برقم 230.

[7] - أخرجه أحمد 18472.

[8] - مجموع الفتاوى 11/645.

[9] - من قصيدة " كونوا جميعا يا بني إذا اعترى" للطغرائي.

[10] - أخرجه أحمد برقم  21220.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
السيرة النبوية نموذج للتغيير الإيجابي
السابق
اكتمال تطور المسيرة البشرية على يد النبي محمد ﷺ

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع