موقف المسلم من المحن
بقلم: د. كمال اصلان
عضو الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين
المحن والابتلاءات
جزء لا يتجزأ من الحياة البشرية، ويُنظر إليها في الإسلام كوسيلة لتقوية الإيمان،
ورفع درجات المؤمنين عند الله.
والصبر هو إحدى
الركائز الأساسية في مواجهة المحن والابتلاءات، يقول الله تعالى:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ
إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ) (البقرة: 155- 156)، فالصبر هو أول رد فعل للمسلم عند الابتلاء،
ويقترن بالاعتراف بأن كل شيء بيد الله، وأن الابتلاء جزء من قضائه وقدره.
والتاريخ الإسلامي
مليء بأمثلة عظيمة تعكس كيف تعامل المسلمون مع الابتلاءات، من أبرز هذه الأمثلة:
موقف النبي أيوب، عليه السلام، حيث تعرض لابتلاء شديد استمر لسنوات عديدة بفقد
ماله وأهله وصحته، ومع ذلك لم يفقد إيمانه بالله بل استمر في الدعاء واللجوء إلى
الله. قال تعالى، في وصف صبره: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ
إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص: 44). كانت هذه التجربة من أعظم الأمثلة التي تُظهر صبر
المؤمن وقوة ارتباطه بالله.
ومن الأمور المهمة
التي يجب أن يتحلى بها المسلم عند مواجهة المحن هو الاحتساب، أي أن يحتسب أجره عند
الله تعالى. والاحتساب يعزز الإيمان بأن كل ما يمر به المسلم من صعاب سيؤجر عليه
إن صبر واحتسب.
ومن النماذج المضيئة
في تاريخ الإسلام، نجد الصحابي الجليل بلال بن رباح، رضي الله عنه، حيث كان عبدًا
في مكة، وتعرّض لتعذيب شديد من قِبل مشركي قريش بسبب إسلامه، كانوا يضعون الصخور
الثقيلة على صدره في حرّ مكة، ومع ذلك كان يردد (أحد، أحد)، مما يعكس إيمانه الراسخ،
واحتسابه للأجر عند الله. وقد كافأه الله في النهاية بأن أصبح مؤذن الرسول، صلى
الله عليه وسلم.
إلى جانب الصبر
والاحتساب، يُعتبر الرضا بقضاء الله جزءًا أساسيًا من موقف المسلم تجاه
الابتلاءات. المسلم المؤمن يعلم أن ما قدّره الله له هو الخير، سواء أكان ظاهرًا
أم خفيًا، قال، صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك
لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان
خيرًا له).
قصة آل ياسر تُعد من
أبرز الأمثلة على الرضا والصبر. حيث كان آل ياسر من أوائل المسلمين في مكة،
وتعرضوا لأشد أنواع التعذيب على يد المشركين، ومع ذلك ظلوا ثابتين على إيمانهم،
وقد بشرهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، قائلاً: (صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة).
المسلم يواجه
الابتلاءات أيضًا بالتوكل على الله، فالتوكل هو الاعتماد الكامل على الله مع الأخذ
بالأسباب. يقول الله تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)
(الطلاق: 3). والتوكل لا يعني الاستسلام السلبي، بل هو جهد وإيمان معًا.
مثال على هذا نجد في
سيرة النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، أثناء الهجرة، عندما كان النبي وأبو بكر
الصديق، رضي الله عنه، في الغار، وجاء المشركون بحثًا عنهما، قال أبو بكر وهو خائف
على حياة النبي: (لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لرآنا)، فرد عليه النبي، صلى الله عليه
وسلم، بكل ثقة: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما). هذه الثقة العميقة بالله
تعالى هي ما يجب أن يتحلى بها المسلم عند مواجهة المحن.
وصدق الشاعر إيليا
أبو ماضي:
إذا ألقى الزمان عليك
شرًا وصار العيش في دنياك مرًّا
فلا تجزع لحالك بل
تَذكّر كم أمضيت في الخيرات عمرًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة
عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
* المصدر: جريدة الشرق القطرية