السنوار ومستقبل المقاومة الفلسطينية
كتبه: د. كمال اصلان
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى
السنوار بالمصادفة يوم الأربعاء الموافق (16 – 10 - 2024). ويعتبر السنوار هو
مهندس عملية (طوفان الأقصى) والشخصية القوية، التي تزعّمت الحركة بعد اغتيال رئيس
مكتبها السياسي الراحل إسماعيل هنية في طهران.
ويحيى السنوار، يُعد واحدًا من أبرز الشخصيات القيادية في الحركة، وله
تأثير كبير على مستقبل المقاومة الفلسطينية، وهو من مؤسسي كتائب الشهيد عز الدين
القسام، الجناح العسكري لحركة «حماس»، ويعتبر من القيادات الأبرز في تاريخ الحركة،
واعتقلته السلطات الإسرائيلية عام 1988 وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، قبل أن يتم
الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى «وفاء الأحرار» عام 2011.
ومنذ الإفراج عنه، لعب السنوار دورًا محوريًا في إعادة هيكلة وتنظيم
«حماس» بعد الأحداث الداخلية والخارجية التي أثرت على الحركة، ويتميز السنوار
بصلابته ومواقفه المتشددة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، لكنه أظهر في الوقت نفسه
مرونة سياسية برزت في كيفية تعامله مع القضايا الداخلية، والعلاقات مع دول
المنطقة.
وشهدت «حماس» تحت قيادته، تطورًا ملحوظًا في بنيتها العسكرية، فقد عملت
على تطوير قدراتها الصاروخية والأنفاق، بالإضافة إلى التكتيكات القتالية الأخرى
التي أظهرتها خلال جولات الصراع مع إسرائيل، هذه التطورات جعلت «حماس» قادرة على
مواجهة الاحتلال رغم الفارق الكبير في الإمكانيات العسكرية بين الطرفين.
ومن ثم لعب السنوار دورًا محوريًا في تعزيز هذه القدرات، سواء من خلال
دعمه لتطوير الأسلحة، أو من خلال توجيهه للتكتيكات العسكرية التي يتم اتباعها في
الحروب والصراعات مع إسرائيل. هذا التطور أعطى «حماس» قدرات متزايدة على التأثير
في مجرى الصراع وإجبار إسرائيل على إعادة حساباتها في أي مواجهة مستقبلية.
وباستشهاد يحيى السنوار، رغم أهميته، لا يعني نهاية المقاومة الفلسطينية،
فالحركات التحررية في فلسطين أثبتت تاريخيًا أن الاغتيالات تزيد من صلابتها
وتماسكها، فحماس تعتمد على بنية تنظيمية مرنة، وتتمتع بدعم شعبي عالمي يعزز قدرتها
على الصمود في مواجهة الاحتلال. وبالتالي، فإن المقاومة ستستمر، سواء عبر قيادة
جديدة، أو من خلال تصعيد الانتفاضات الشعبية، والعمل المقاوم المستمر.
ولن يمحي الزمن بصمة السنوار، بل سيزداد صداها مع مرور الأيام، وسيبقى
استشهاده حافزًا لكل فلسطيني في مواصلة النضال والمقاومة. فاغتيال القادة المؤثرين
في الحركات الجهادية ليس بالأمر الجديد، إذ لطالما استخدمت القوى المحتلة، أو
المناوئة هذه الإستراتيجية لضرب القيادة، وإضعاف الروح المعنوية للمقاومين.
وقد شهدت المقاومة الفلسطينية محطات عديدة من اغتيال القادة المهمين مثل:
أحمد ياسين مؤسس الحركة، وعبد العزيز الرنتيسي، وصالح العاروري، وإسماعيل هنية
وغيرهم كثير، لكن تلك الاغتيالات لم تؤدِ إلى توقف المقاومة، بل كانت حافزًا لاستمراريتها.
وفي ظل التحولات الإقليمية الكبيرة، خاصة التطبيع العربي مع إسرائيل، يُعد
مستقبل المقاومة مرهونًا بقدرة «حماس» على الحفاظ على تحقيق توازن في علاقاتها مع
الدول التي لها دور في الساحة الإقليمية كوسيط مثل مصر، ومساندة ودعم من تركيا.
هذا التوازن سيحدد إلى حد كبير قدرة الحركة على الصمود في وجه التحديات.
ويُعتبر التنسيق الداخلي بين الفصائل الفلسطينية، خاصة بين «حماس» وحركة
«فتح»، عنصرًا حاسمًا في مستقبل المقاومة، رغم المحاولات المتكررة لتحقيق المصالحة
الوطنية، فلا تزال الفجوة بين «حماس» و «فتح» عميقة، ولابد أن تدرك القيادة الفلسطينية أن الوحدة هي السبيل الوحيد
لتحقيق التحرير، ومواجهة المحتل.
ومع ذلك، يبقى مستقبل المقاومة مرهونًا بتطورات المشهد الإقليمي والدولي،
وقدرة الحركة على إدارة التحديات الداخلية والخارجية، فإذا تمكنت المقاومة
الفلسطينية من تحقيق توازن بين جميع هذه العوامل، فقد يساهم بشكل كبير في تشكيل
مستقبلها لعقود قادمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة
عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.