معالم
التفسير الاقتصادي (1) مناهج المفسرين
بقـلم:
د. أحمد الإدريسي
عضو
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
مـــقــدمـة:
آيات القرآن
الكريم مترابطة ومتداخلة؛ فالمسائل العملية الفقهية لابد أن تصدر عن اعتقاد،
ونيّة، والمسائل الاعتقادية لابد أن ينبني عليها عمل وسلوك، وهذا السلوك هو
الأخلاق بمعناها الشامل.
لكن هناك تقسيم
لتفاسير القرآن الكريم؛ تفسير عام كتفسير الطبري وتفسير ابن كثير، وتفسير موضوعي،
ومنه؛ التفسير الفقهية كتفسير القرطبي، والتفسير اللغوية كتفسير ابن حيان،
والتفسير الاقتصادي للقرآن الكريم، لا نعلم حتى الآن وجود تفسير اقتصادي للقرآن
الكريم كاملا، إلا ما نجد من مقالات وتأليف في الإعجاز الاقتصادي للقرآن الكريم.
ويشير التفسير
الاقتصادي إلى الجانب الفقهي في الآية، وإلى تطبيق النظريات والمبادئ الاقتصادية
لفهم وتفسير آيات الأحكام، مع تحليل سلوك الأفراد والمجتمع، وكيفية تفاعلهم مع
بعضهم البعض في إنتاج، وتوزيع، واستهلاك السلع، والخدمات.
والتفسير
الاقتصادي أعم من الإعجاز الاقتصادي وأوسع؛ وأما منهجه فهو التفسير الموضوعي حسب
ترتيب السور والآيات في القرآن الكريم.
أولا: مفهوم تفسير، ونشأته.
1- مفهوم تفسير
القرآن الكريم:
هو علم يَهتمّ
بالأصول التي تُعرَف بها معاني كلام الله تعالى، وما تُشير إليه آياته حسب المقدرة
البشريّة، وهو من أشرف العلوم، وأجلّها؛ لأنّ موضوعه مُتعلّق بكلام الله عز وجل،
ويستمدّ مصادره من القرآن نفسه، ومن السنّة النبويّة، ومن كلام المُتخصّصين فيه.
وهذا العلم
يشتمل على قضايا الأمر، والنَّهي، والمواعظ، وبيان الأخبار الواردة في القرآن
الكريم. ويسعى إلى تحقيق الإلمام بما في كتاب الله؛ للوصول إلى الغاية العُظمى؛
وهي السعادة في الدارَين؛ الدُّنيا، والآخرة[1].
ونلاحظ أن الله
عز وجل يفتح للعلماء؛ ورثة الأنبياء معاني وأسرارا في كتابه عز وجل، لم تكن عند
المفسرين قبلهم.
2- نشأة مناهج
التفسير:
منهاج المفسر:
هو الطريق والمسلك الواضح في خطوات برنامجه وتماسك عناصره وآلياته وادواته بما
يظهر نجاح تطبيق العملية التفسيرية من خلال سلامة نتائجها. وهو يكشف عنه الدارسون
والباحثون حسب المعايير المنهجية والتفسيرية.
ويعتبر محمد
حسنين الذهبي أول من كتب معرفاً بالتفاسير وأصحابها، في كتابه “التفسير
والمفسرون”، وقد استعرض فيه أهم التفاسير ومناهج أصحابها منذ عصر الصحابة حتى
العصر الحالي.
ثانيا: مناهج المفسرين.
1- تعريف مناهج
المفسرين:
مناهج المفسرين
أو اتجاهات المفسرين أحد مباحث علوم القرآن، ويُقصد به معرفة طرق المفسرين
واتجاهاتهم التي ساروا عليها والتزموها في تفسير القرآن، وله أهمية في إبراز
القيمة العلمية للتفسير، وإبراز إيجابيات التفسير وكيفية الاستفادة منها. وبيان
الملاحظ على التفسير ليتجنبها القارئ.
وقيل هو العلم
الذي يبحث فيه عن طرق المفسرين، في تناولهم بيان المراد من النص القرآني، والحكم
على كل طريقة من طرق هؤلاء المفسرين، بالصواب أو الخطأ، كما يبحث فيه عن تتمات لا
بد منها، تتعلق بالتفسير والمفسرين، كتعريف التفسير، وأقسامه، ومصادره، وشروطه،
وفائدته، ووجه الحاجة إليه، والفرق بينه وبين التأويل، وغير ذلك.
2- أهمية مناهج
المفسرين:
تُقدم مناهج
المفسرين للباحث القواعد والآداب والضوابط والتوجيهات التي لابد منها في علم
التفسير، كما تقدم له الأسس المنهجية الموضوعية التي لابد من الانطلاق منها في
التفسير. ومن خلال مناهج المفسرين يتعرف الدارس على نشأة علم التفسير، ومدارس
التفسير واتجاهاته في العالم الإسلامي.
كما تعرفنا على
أشهر التفاسير وأئمة المفسرين، وتحدد له مناهجهم وطرائقهم في التفسير، وبذلك يكون
للباحث إلمام بعلم التفسير ورجاله وتراثه ومناهجه، وهذا يحفزه على الدراسة المفصلة
لكتب التفسير. وتتجلى فوائده فيما يلي:
– إظهار إيجابيات التفسير وكيفية الاستفادة منها.
– إبراز الفروق في العلوم التي يطرحها كل مفسر.
– معرفة الطريقة التي سار عليها المفسر والاستفادة منها.
– معرفة الفروقات بين الاتجاهات العلمية في التفسير سواء
كانت فقهية أو علمية.
3- مناهج
التفسير:
تختلف مناهج
المفسرين بحسب الوجهة العلمية لكل مفسر، ومنها:
– التفسير اللغوي؛ ومثاله: “البحر المحيط” لأبي حيان
الأندلسي، حيث يغلب عليه الاتجاه النحوي.
– التفسير الإشاري: ويغلب عليه المجاز والتأويل.
– التفسير العلمي: ومنه؛ كتاب “التفسير العلمي للقرآن في
الميزان”، مؤلفه هو أحمد عمر أبو حجر. وكتاب “التفسير والإعجاز العلمي في القرآن
الكريم ضوابط وتطبيقات”، للدكتور مرهف عبد الجبار سقا.
– التفسير الفقهي، ومن أمثلته: أحكام القرآن لابن العربي.
والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي.
– التفسير الاقتصادي: ويُـعنى بتفسير بعض الآيات القرآنية
تفسيرا فقهيا لكن يُـطبق عليه النظريات والمفاهيم الاقتصادية، ويدعمها بما يناسبه
من أحاديث الأحكام وآراء العلماء في الأحكام الفقهية المناسبة للسياق.
ثالثا: الاتجاه الفقهي في التفسير.
اهتمّ المفسرون
بالأحكام والمسائل الفقهية وقد كان هذا الاهتمام يشكل الأساس الذي قامت عليه
مناهجهم في التفسير، وكانت هذه العناية متفاوتة بين المفسرين تبعا للمنهج الذي
اختاره كل مفسر.
1- منهج التفسير
الفقهي:
– التركيز على استنباط الأحكام: اهتم هؤلاء المفسرين
باستخراج الأحكام الفقهية من الآيات القرآنية، سواء كانت هذه الأحكام ظاهرة أو
خفية.
– يركز بعض المفسرين على الأحكام الفقهية المستنبطة من
النصوص القرآنية، وكيفية عرضهم لها ومناقشتها وتوجيهها، وقد يتأثر المفسر بمذهب
معين وبعلمائه.
– عرض آراء الفقهاء ومناقشتها: يعرض المفسرون آراء الفقهاء
المختلفة في المسألة الفقهية الواحدة، ويناقشون أدلتها ويقومون بترجيح الرأي الذي
يرونه صوابا. وقد يتأثر بمذهب معين، ويظهر ذلك في اهتمامه بعرض آراء فقهاء مذهبه
وترجيحها في الغالب.
2-نماذج لمناهج
التفسير الفقهي:
– منهج ابن العربي: يركز تفسيره على استنباط الأحكام
الفقهية، ويعرضها بشكل مفصل مع أدلتها ومناقشتها، غير أنه يُظهر تعصباً للمذهب
المالكي، وقد ينتقد بشدة آراء المذاهب الأخرى.
– منهج ابن عطية: يهتم بالأحكام الفقهية المستنبطة من
الآيات القرآنية، ويعرضها بشكل موجز مع أدلتها ومناقشتها، ويلتزم بالمذهب المالكي
في الغالب، ولكن لديه آراء مستقلة في بعض المسائل.
– منهج الإمام القرطبي: يُعتبر تفسيره القرطبي مرجعاً
فقهياً مهماً عند المالكية، فهو يولي اهتماماً كبيراً بالأحكام الفقهية، ويُفرد
لها مساحة واسعة في تفسيره، ويعتمد على المذهب المالكي بشكل أساسي، ويستعرض آراء
المذاهب الأخرى مع مناقشتها وترجيح رأي المالكية.
والحمد لله رب
العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – عبد
القادر حويش، بيان المعاني. (مطبعة الترقي، دمشق. الطبعة الأولى: 1382ه-1965م).
ج:1 / ص: 6. (بتصرّف).