دور الأسرة في صناعة جيل المستقبل
بقلم: د. كمال اصلان
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
تُعدُّ
الأسرة اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، فهي الحاضنة الأولى التي ينشأ فيها
الفرد، والركيزة التي تساهم بشكل كبير في تشكيل شخصيته وقيمه. وعندما يتعلق الأمر
بالشباب، الذين يُعدّون عماد الأمة وركيزة مستقبلها، يبرز دور الأسرة في إعدادهم
إعدادًا صالحًا يمكنهم من مواجهة تحديات الحياة، وبناء مجتمعات متماسكة، ومتقدمة.
وتتجلى أهمية الأسرة في تشكيل شخصية الشباب من خلال:
1.
تعليم القيم الأخلاقية والدينية، وكيفية التصرف
بطريقة أخلاقية، وغرس القيم مثل الصدق، والأمانة، والاحترام، وحب العمل، وهذه
القيم تُزرع في نفوس الأبناء منذ الصغر.
2.
تنمية الثقة بالنفس، من خلال التشجيع
المستمر والدعم، فالأسرة هي التي تمنح الأبناء الشعور بالثقة بقدراتهم، هذا الشعور
أساسي لتمكينهم من مواجهة تحديات الحياة واتخاذ القرارات السليمة.
3.
القدوة الحسنة، فالأبوان هما النموذج الأول الذي
يحتذي به الأبناء، فعندما يظهر الوالدان سلوكيات إيجابية مثل: الالتزام، والصبر،
والتعاون، فإن الأبناء يتعلمون تلك السلوكيات بشكل غير مباشر.
دور الأسرة في توجيه الشباب
فترة
الشباب هي المرحلة التي يبدأ فيها الفرد بالبحث عن هويته والانخراط في المجتمع،
لذا، فإن دور الأسرة يصبح أكثر حساسية وأهمية، من خلال:
1.
توفير بيئة مستقرة وداعمة، فالشباب يحتاجون إلى بيئة أسرية مستقرة تساعدهم على
النمو النفسي والاجتماعي، والأسرة التي توفر دعمًا نفسيًا وتفهمًا تُعين الشباب
على تجاوز التحديات والصعوبات التي قد يواجهونها، مثل: الضغوط الدراسية، أو
الاجتماعية.
2.
بناء علاقة قائمة على الحوار، فالشباب في هذه المرحلة يميلون إلى الاستقلالية
واتخاذ قراراتهم بأنفسهم. هنا يأتي دور الأسرة في إقامة حوار مفتوح معهم، حيث
يمكنهم التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم دون خوف من الانتقاد.
3.
توجيههم لاستخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول، ففي ظل الثورة الرقمية الحالية، أصبح
الشباب أكثر ارتباطًا بالتكنولوجيا، وهنا يقع على عاتق الأسرة توجيههم لاستخدام
هذه الوسائل بشكل إيجابي.
4.
تعزيز قيمة التعليم والعمل، لأن التعليم
هو المفتاح الأساس لبناء جيل صالح، وتقدير قيمة العلم يساهم في إعدادهم لمستقبل
أفضل، كما أن غرس حب العمل والاعتماد على النفس فيهم يساعدهم على أن يكونوا
أفرادًا منتجين، ومسؤولين.
5.
تحفيزهم على المشاركة المجتمعية، فالشباب
يحتاجون إلى الإحساس بأنهم جزء من مجتمع أكبر، من خلال تحفيزهم على الانخراط في
الأنشطة الاجتماعية والخيرية، لغرس روح التعاون، والمواطنة الصالحة.
التحديات التي تواجه الأسرة في إعداد الشباب
على
الرغم من أهمية دور الأسرة، إلا أنها تواجه العديد من التحديات التي قد تعيق دورها
في إعداد جيل صالح، منها:
1.
التغيرات الاجتماعية السريعة، فمع التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم، قد تجد
الأسر صعوبة في مواكبة تلك التغيرات، وتقديم التوجيه المناسب.
2.
انشغال الوالدين بتوفير الاحتياجات المادية قد يؤدي إلى تقصير في التواصل مع
الأبناء، وتربيتهم.
3.
يمكن أن تؤثر وسائل الإعلام بشكل كبير على أفكار وسلوكيات الشباب، مما يستدعي من
الأسرة مراقبة ما يتعرض له الأبناء.
4.
ضعف القيم الدينية والأخلاقية في بعض المجتمعات، قد يؤدي إلى انحراف الشباب،
وابتعادهم عن الطريق السوي.
كيفية مواجهة التحديات
للتغلب
على هذه التحديات، يجب على الأسرة:
1.
التمسك بالقيم والمبادئ الأساسية، مهما
كانت التغيرات المحيطة، فيجب أن تظل القيم الدينية والأخلاقية هي الأساس الذي
تعتمد عليه الأسرة في تربية أبنائها.
2.
تعزيز التواصل العائلي، من خلال قضاء وقت
أطول مع الأبناء ومناقشتهم في أمور حياتهم، وهذا يعزز من شعورهم بالانتماء للأسرة.
3.
التعليم المستمر للوالدين، والاستفادة من
الدورات والورش التربوية لاكتساب مهارات جديدة تساعدهم في تربية الأبناء.
4.
التعاون مع المؤسسات التربوية والاجتماعية، من خلال الشراكة مع المدارس
والمجتمعات المحلية، ويمكن للأسرة أن تحصل على الدعم اللازم لتوجيه الشباب بشكل
سليم.
إن
دور الأسرة في إعداد جيل صالح لا يمكن أن يُختصر في مجرد تقديم الاحتياجات
الأساسية، بل هو دور شامل يتطلب الحب، والفهم، والتوجيه، والمتابعة المستمرة،
فالشباب هم أمل المستقبل، والأسرة هي المنبع الذي يغذّي هذا الأمل بالقيم
والمهارات التي تمكنهم من بناء مجتمعات قوية ومزدهرة، وإذا ما أدركت الأسرة
مسؤوليتها تجاه الشباب، وعملت بجد لتقديم الدعم والتوجيه، فإنها بذلك تساهم في
نهضة أمتها وضمان مستقبل مشرق لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
المصدر: جريدة الشرق
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.