بين ردع العدوان وردع الفرقة
كتبه: م. أحمد المحمدي المغاوري
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
من
الحكمة والرحمة بأنفسنا وبمشاعر إخواننا في سوريا ألا نقلل من فرحتهم ومن فرحتنا لهم
ونبخسهم ونعترف بفضل الله تعالى علينا أن أخرج المظلومين من سجون المجرمين في سوريا
ونشارك الفرحين
مشاعرهم وفرحتهم بسقوط عائلة طاغية جثمت على انفاسهم
وساموهم سوء العذاب سنين ونسأله سبحانه أن يجعل لإخواننا المأسورين المعتقلين فرجا
عاجلا غير آجل في كل مكان.
ومن
الحكمة أيضا وبشكل متوازي أن يقرأ حكماء الثورة الفاعلين في المشهد السوري على الأرض
بعين متجردة وبعمق وبنظر للواقع، حتى نعرف ونفهم ما يدور حولنا وكيف نتعامل معه، ولا
نقع في فخوخ أخرى نُصبت لنا وللثورات من قبل.
فلقد
كان الإعلام الموجه ولا يزال هو الدبابة الناعمة قبل الدبابة العسكرية الخشنة الذي
يصيغ ويسيّغ العقول ويفرض ويعرض المشاهد تحت مسميات الحرية المسلوبة والأوطان المنهوبة
ورفع المجاهدين والمقاومين والثوريين فوق الرؤوس ويتم التغرير بهم ومن ثم الاستيعاب!!
ثم يتم تشويه الحالة الثورية رويداً رويدا ثم الانقضاض عليها وسرقة ثورة حرية بعد ان
تم سرقة المشهد برمته لتعود ريمه لعادتها القديمة وتبقى الفوضى!!
فمسمى
ردع العدوان بسوريا يجب أن يكون متوازنا وواقعي. فما حدث ويحدث لم يكن ردعا فقط، إنما
كان متوازيا مع تنسيقات وتفاهمات بين القوى الموجودة على الأرض والتي تحكمها المصالح
في سوريا ومنطقتنا، بدأت داخل الغرف السياسية والعسكرية المغلقة، فلا نقلل أبدا ونختزل
المشهد السوري فيما يحدث الآن إنه مشوار طويل سُرقت في حرية الإنسان التي هي أغلى ما
يملكه، طريق بُذلت فيه أرواح واُريقت فيه دماء واستُبيحت فيه أعراض وتدنت في إنسانية
الإنسان! وسيصل إلى منتهاه. بإذن الله.
لذلك
يجب على الخطاب الثوري أن يكون متوازنا ومتوائما بين واقع معقد لا يمكن البت فيه قبل
فهمه، وبين مستقبل مجهول، وظروف استثنائية ، فحركة الجماهير بعد أن نالت حريتها المسلوبة
يجب أن لا تتحول إلى تيار هادر، مليء بالمطالب بل يجب أن يلتف الشعب حول مفهوم التغيير
المتوازن، فالكثير جاهل بالمعنى الحقيقي للحرية فليست هي بزوال بشار ومن على شاكلته
فحسب وليست بمجيء المُنقذ المُخَلِص ، لكن على الجميع أن يعرف إن الثورة لن تصل بسوريا
لطموحات ميكافلي بالمدينة الفاضلة، لكنّه العمل وِفق السُنن التي لا تحابي أحدا، ولتتعلم
سوريا من دروس الماضي في تونس ومصر وغيرها
ولا تأخذنا العاطفة، لنلملم الجراح، فالتحدي الحقيقي هو في كيفية إدارة اللحظة بما
فيها من مصالح وتدخلات وتفاهمات وذلك بجمع الكلمة ووحدة الصف المُحبُ لدينه ووطنه [...إِلَّا
تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ] (سورة
الأنفال:73)، فهذا نبي الله هارون، بعد ان عاد موسى من رحلته لديار شعيب وجد قومه يعبدون
العجل فأخذ برأس هارون يجره إليه غاضبا منه يقول له كيف تركت بني اسرائيل يفعلون ذلك
فما كان من رد هارون أن قال: [قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا
بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ
تَرْقُبْ قَوْلِي] (سورة طه:94) إنها الفرقة الحالقة لكل شيء، وهكذا غلَّب هارون
الوحدة على أمر العقيدة والإيمان كيف فقه وقاس
ذلك ورجحه!؟ ذلك لعلمة بخطورة الفرقة وأثرها على قومه.
ليكن
العمل على وحدة الصف أولى الأولويات وردع الفرقة، الفرقة التي زرعها بيننا عدونا ولا
يزال دون كلل أو ملل فلنحذر من تقسيم سوريا
قال
تعالى: [وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] (سورة الأنفال:
46).
*
إن لحظات التغيير هي عمليه تراكميه ناتجه
عن عقود طويلة من الزمن، وهي ليست ثورات لإلغاء طوابير الأفران، ولا لتوزيع الخبز المجاني
ولا لتحسين قيمة العملة، بل (قيمة الحرية) التي هي أكبر من ذلك بكثير، ذلك بالحكمة
ومحاولة الاستشراف المدروس لما هو قادم والاستفادة من التجارب الماضية، بناءً على تحليل
موضوعي وإدراك مُحكم لسيناريوهات يُخطط لها عدو يتعب ويألم ويعمل عليها منذ زمن في
سبيل تحقيق أطماعه ولاستمرار الفوضى والفرقة والتي هي أشد وطئا.
[إن
دراسة النصر وتثبيته لهي أهم بكثير من دراسة أسباب الهزيمة وتداعياتها، وكلاهما مهم]
ولا شك أن فارق الامكانات بين طرفي الرهان الطامحين للحق والحرية وبين سارقي ثورات
الشعوب وحريتهم لكبير، لكنها معية الله وهو معهم ولن يترهم.
فهل
يدرك أصحاب الحق ذلك ليكن جل اهتمامهم وحدة الصف المخلص وردع الفرقة، [إِنَّ فِي
ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ] (سورة الحجر:75).
وهذا
كله لا يُنسينا أبدا أن هناك ايادا خفيه على الأرض صادقه بذلت ما لديها من أسباب تحقيقا
لسنن الله في (غزة الصامدة والثوار المخلصين بسوريا ومن يدعمهم)
فقد
هزوا النخلة وطرقوا الباب وضربوا بالعصا. وسيتحقق نصرهم بإذن الله مهما كانت التفاهمات
والمصالح، فالله من وراء كل مخططاتهم محيط، وفي نفس الوقت لا يعجبني قول أحدهم أن هناك
من يُعظِّم سيناريوهات المؤامرة [وكأنها إله يُعبد من دون الله!!!]
اختلف
معه؛ فالتفكير الإيجابي والاستشراف أمر مطلوب، ونظرية المؤامرة هي أصل أصيل في كتاب
الله في التعامل مع العدو، وايات الله في كتابه الدالة على ذلك كثيرة قال تعالى: [..وَلَا
يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا
ۚ...] (سورة البقرة:217)، وقال تعالى: [وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا
النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ..] (سورة البقرة: 117)، ووراء كل
ذلك خالق عظيم مدبر، له الخلق والأمر هو بالغ أمرة وأعلم بخلقه قال سبحانه: [..إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا] (سورة
الطلاق:3)، وقوله تعالى: [..أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ
رَبُّ الْعَالَمِينَ] (سورة الأعراف: 54).
ليكن
الصدق همَّنا وبه نعمل ونصدُق الله فيه، (فمن صدق الله صدقه).
لنتذكر
مقولة الشيخ المجاهد احمد ياسين. حين سئل ماذا تتمنى فقال: [أن يرضى الله عني!]
قال
سبحانه: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ]
(سورة التوبة:119).
لنفرح
ولتفرح سوريا الشام المليحة. وستفرح مصر الجريحة، فمصر والشام على مر التاريخ هما الطريق
لفتح القدس وتحرير الأقصى.
[..وَلَيَنصُرَنَّ
اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ..]
وسينتهى
أمر أهل الحق والصدق والصبر بمعية من الله ونصر وتبت أيدي المتلاعبين الظانين بالله
ظن السوء فيد الله فوق ايديهم، ستدور عليهم دائرة السوْء كما دارت على من قبلهم ومكر
أولئك هو يبور، [..وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]
(سورة الأنفال:30)، [إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (*) وَأَكِيدُ كَيْدًا (*) فَمَهِّلِ
الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (*)] (سورة الطارق: 15-17)
ومع
ما تم من ردع للعدوان وشرذمة الأسد لابد ردع الفرقة والفوضى ودولته العميقة، ليكتمل
النصر ويتم ردع العدوان الحقيقي هناك حيث الأراضي المباركة من دنس المجرمين الصهاينة
وبعد
فلا يزال المشهد مستمرا بكل أبعاده وخلفياته على الأرض وهو على عين الله [..وَاللَّهُ
غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] (سورة
يوسف:21).
ــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين.