تاريخ
النصيرية (2/4): التاريخ المظلم القديم للنصيرية
كتبه: د.
منذر عبد الكريم القضاة
عضو
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
**
اقرأ: صفحات مظلمة من تاريخ النُّصيريّة (1/4): مذابح النصيرية: مذبحة "حي بابا عمرو –حمص"
**
الحمدُ لله وحده،
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
عشرات السنيين وأهل
الشام الأحرار يبادون ويساق شبابهم إلى
معتقلات التعذيب والإبادة وتغتصب النساء وتنتهك أعراضهم، وتسرق أموالهم وتحرق
بيوتهم.
إنَّ ما تشاهدونه
وتسمعونه من مذابح النصيرين في سوريا الحبيبة، ونحر الأطفال، وهتك الأعراض، وتمزيق
الأجساد، ، وغيرها من الأحداث المحزنة والمخجلة والمؤسفة في ظلِّ سكوت عالمي
وتنديد لا يرقى لأي مستوى مؤثر على هذا النظام، هي ظلالٌ لصور في قلب التاريخ
لطائفة عاثت فساداً في قلب الأمة الإسلامية في بلاد الشام منذ أكثر من 800 عام
ولغاية الآن.
مذابح في أثر مذابح
وعذاب مهيب لقيه كرام أهل الشام خلال خمسين سنة من تاريخ حكم الطائفة النصيرية، لله
ما أعظم كبتهم، وما أفدح مصيبتهم.
اسمع إلى التاريخ الذي
لا يكذب إلى الحقيقة حقيقة هؤلاء على مرِّ التاريخ وإلى الآن.
تنتسب الطائفة النصيرية
إلى أبي شعيب محمد بن نصير الذي عاش في القرن الثالث هجري
وقد بدأت حركة مناهضة
الطائفة النصيرية لحكم الدولة الإسلامية في عصر الدولة الأيوبية التي تصدت
للصليبيين.
يقول الشيخ محمد أبو
زهرة: (وعند الهجوم الصليبي على البلاد الشامية ومن ورائها البلاد الإسلامية
والوطن العربي مالئوا الصليبيين ضد المسلمين، ولما استولى أولئك على بعض البلاد
الإسلامية قربوهم وأدنوهم، وجعلوا لهم مكاناً مرموقاً، ولما جاء نور الدين زنكي
وصلاح الدين من بعده ثم الأيوبيين اختفوا عن الأعين، واقتصر عملهم على تدبير
المكائد والفتك بكبراء المسلمين وكبرائهم وقوادهم العظام إن أمكنتهم الفرصة وآتاهم
الزمان.
وكان أن دبر النصيريون
محاولة لاغتيال القائد صلاح الدين الأيوبي وإنهاء حياته وفشلت جهودهم -، ولما أغار
التتار من بعد ذلك على الشام ما لأهم أولئك كما مالئوا الصليبيين من قبل، فمكنوا
للتتار من الرقاب، إنَّ الوفا من أهل حلب أبيدوا وهرب بقيتهم من بطش التتار، ولم
يسلم إلا النصيريون لأنهم شكلوا من رؤوس أهل حلب تلالاً، وأن القتل وهتك الأعراض
وتعذيب الناس كان منحصراً في السنين فقط ، وقد استباح تيمور باتفاق مع النصيرين
دمشق لمدة سبع أيام وأباحها لجنوده فكانوا يغتصبون النساء حتى في المساجد وقيل
أنَّه في كل دمشق لم تبق فتاة عذراء بعد الأيام السبعة.
حتى إذا انحسرت غارات
التتار، قبعوا في جبالهم قبوع القواقع في أصدافها لينتهزوا فرصة أخرى.
وقد تصدى الحاكم
المملوكي الظاهر بيبرس لحملات التتار المغول وأفلح في صد اجتياحهم الأسود للبلاد
العربية، وما أن انتهى الظاهر بيبرس سنة 676هـ من التتار وقضى على جموعهم الكاسرة
في معركة عين جالوت 1268م حتى توجه إلى حصون النصيرية وقلاعهم فعمل فيها الهدم
والتخريب، ثم ألزمهم ببناء المساجد، وتعميرها لعلهم يعودون إلى دين الإسلام إلا
أنهم جعلوا من المساجد مأوى لماشيتهم وتركوها خربة لا يدخلونها ولا يعمرونها، ثم
أعاد النصيريين الكرة ثانية وتمردوا على الحكم الإسلامي أيام الملك قلاوون 1279م،
فحمل عليهم حملة شديدة وحظر عليهم كل نشاط وكرر الأمر عليهم بتشييد المساجد
والأنفاق عليها.
لما جاء السلطان
العثماني سليم إلى بلاد الشام، قاتل النصيرية ودحرهم حتى أوصلهم إلى جبالهم، بعد
أن أفتى علماء المسلمين بأنهم كفرة ويجب قتالهم، وقد حاول السلطان العثماني
إصلاحهم ببناء المساجد وغيرها ذلك، ولكنهم بعد مدة رجعوا إلى ما كانوا عليه.
وهذا أيضاً ما فعله
إبراهيم باشا ابن والي مصر محمد علي باشا عندما سيطر على مناطق النصيريين، فحاول
جهده إصلاح المنطقة وتثبيت الأمن فيها وحمل أبنائها على ترك المعتقدات الفاسدة،
فاستعمل الشدة في أول الأمر، ثم لان لهم وبني المدارس والمساجد غير أن النصيرية
قاموا بثورة كبيرة عام 1834، وهاجموا مدينة اللاذقية ونهبوا وفتكوا بأهلها، فجرد
لهم إبراهيم باشا حملة كبيرة وعاقبهم بشدة وأحرق عدداً من قراهم، فاستسلموا
وأظهروا الطاعة التامة، فلما زالت دولته رجعوا إلى ما كانوا عليه.
وفي عهد السلطان
العثماني عبد الحميد كرر المحاولة بإرساله رجلاً من خاصته اسمه ضياء باشا جعله
متصرفاً على لواء اللاذقية في بداية القرن الميلادي الماضي، فأنشأ لهم المساجد
والمدارس، فأخذوا يتعلمون ويصلون ويصومون، وأقنعوا الدولة بأنهم مسلمين، فلم يعصوا
له أمراً، وبعد أن ترك هذا المتصرف منصبه خربت المدارس وحرقت الجوامع أو دنست، وقد
بقوا على هذه الحال ما بين ظهور واختفاء
الى حين بداية العصر الحديث وظهور النصيرية بثوبها الجديد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وأقم الصلاة.
(..يتبع..)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة
عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.