البحث

التفاصيل

مكانة المرأة وأهميتها في الدولة المسلمة الحديثة

الرابط المختصر :

مكانة المرأة وأهميتها في الدولة المسلمة الحديثة

بقلم: د. علي محمَّد الصلَّابي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

إنصاف المرأة وتحريرها من ظلم الجاهلية وظلامها من أهم ما جاء به القرآن الكريم وأقره، حيث حررها من تحكّم الرجل المطلق في مصيرها بغير حق، فكرّم القرآن المرأة وأعطاها حقوقها بوصفها إنساناً،  وكرمها بوصفها أنثى وبنتاً وأماً وزوجة وعضواً أساسياً في المجتمع، فحين جاء الإسلام كان بعض الناس ينكرون إنسانيتها؛ ويعتبرون المرأة مخلوقاً خلق لخدمة الرجل وفقط، فكان من فضل الإسلام أنه كرم المرأة وأكد إنسانيتها وضمن له حقوقها، وأكد على أهليتها للتكليف والمسؤولية والجزاء، ودخول الجنة، واعتبرها إنساناً له كل ما للرجل من حقوق إنسانية؛ وتشترك معه في كثير من الواجبات الدينية والدنيوية، لأنهما فرعان من شجرة واحدة، وأخوان من أب واحد وهو آدم، وأم واحدة هي حواء، فهما متساويان في أصل النشأة، ومتساويان في الخصائص الإنسانية العامة، متساويان في التكليف والمسؤولية، ومتساويان في الجزاء والمصير، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

 وإذا كان الناس -كل الناس- رجالاً ونساء، خلقهم ربهم من نفس واحدة، فقد جعل من هذه النفس زوجاً يكمّلها، وتكتمل به كما قال سبحانه: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف: 2]. وبث في هذه الأسرة الواحدة رجالاً كثيراً ونساء، كلهم عباد لرب واحد، وأولاد أب واحد وأم واحدة، فالأخوة تجمعهم، ولهذا أمرت الآية الناس بتقوى الله، ورعاية الرحم بينهم: (وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) [النساء: 1].

والرجل -بهذا النص- أخ المرأة، والمرأة شقيقة الرجل، وفي هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما النساء شقائق الرجال". 

فقد ساوى القرآن الكريم المرأة بالرجل في التكليف والتدين والعبادة: قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35]

وأقر المساواة في الكثير من التكاليف الدينية والاجتماعية الأساسية بقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71]

وفي قصة آدم توجه التكليف الإلهي إليه وإلى زوجته أيضاً بالقدر نفسه، قال تعالى: (يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) [البقرة: 35]. والجديد في هذه القصة كما ذكرها القرآن - أنها نسبت الإغواء إلى الشيطان لا إلى حواء - كما فعلت التوراة المحرفة، فقال سبحانه: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) [البقرة: 36]. ولم تنفرد حواء بالأكل من الشجرة ولم تكن أول من بدأ؛ بل كان الخطأ منهما معاً، كما كان الندم والتوبة منهما جميعاً: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 83]. بل إن بعض الآيات تنسب الخطأ إلى آدم بالذات وبالأصالة: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) [طه: 115].

(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) [طه: 120]. وقال تعالى (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) [طه: 121].

كما نسبت إليه التوبة وحده أيضاً في قوله تعالى: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) [طه: 122]. مما يفيد أنه الأصل في المعصية، وامرأته تابع له، ومهما يكن الأمر فإن خطيئة حواء لا يحمل تبعاتها إلا هي، وبناتها براءٌ من إثمها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة: 134]

ومن مظاهر المساواة بين الجنسين في القرآن الكريم، مساواة المرأة للرجل في الجزاء، يقول الله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) [آل عمران: 195]. فنص القرآن صراحة على أن الأعمال لا تضيع عند الله، سواء كان العامل ذكراً أم أنثى، فالجميع بعضهم من بعض، من طينة واحدة وطبيعة واحدة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]. 

وفي الحقوق المالية للمرأة، فقد أبطل الإسلام ما كان عليه كثير من الأمم -عرباً وعجماً- من حرمان النساء من التملك والميراث، أو التضييق عليهن في التصرف في ممتلكاتهن وأموالهن، واستبداد الأزواج بأموال المتزوجات منهن، فأثبت لهن حق التملك بأنواعه المشروعة، فشرع الوصية والإرث لهن كالرجال، وأعطاهن حق البيع والشراء والإجارة والهبة والإعارة والوقف والصدقة والكفالة والحوالة والرهن وغير ذلك من العقود والأعمال، ويتبع ذلك حقوق الدفاع عن مالها كالدفاع عن نفسها، بالتقاضي وغيره من الأعمال المشروعة.

 المرأة في الإسلام باعتبارها أماً:

لا يعرف التاريخ ديناً ولا منطومة أخلاقية كرّمت المرأة باعتبارها أماً وأعلت من مكانتها، مثل الإسلام، حيث أكد هذا الدين العظيم على التوصية بالإحسان إلهيا والبر بها، وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله وعبادته، وجعل برّها من أصول الفضائل، كما جعل حقها أوكد من حق الأب لما تحتمله من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية، وهذا ما يقرره القرآن، ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء ونفوسهم، وذلك في مثل قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14]. وقال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) [الأحقاف: 15].

ومن توجيهات القرآن الكريم أنه وضع أمام المؤمنين والمؤمنات أمثلةً ونماذج عن القدوة الحسنة لأمهات صالحات كان لهن أثر ومكان في تاريخ الإيمان.

·        أم موسى تستجيب إلى وحي الله وإلهامه، وتلقي ولدها فلذة كبدها في اليمّ مطمئنة إلى وعد ربها، قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7].

·        وأم مريم التي نذرت ما في بطنها محرراً لله، خالصاً من كل شرك أو عبودية لغيره، داعية الله أن يتقبل منها نذرها، قال تعالى: (فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران: 35].

فلما كان المولود أنثى على غير ما كانت تتوقع لم يمنعها ذلك من الوفاء بنذرها، سائلة الله أن يحفظها من كل سوء، قال تعالى: (وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [آل عمران: 36].

·        مريم ابنة عمران أم المسيح عيسى، جعلها القرآن آية في الطهر والقنوت لله والتصديق بكلماته، ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ (التحريم، آية : 12).

 المرأة باعتبارها بنتاً:

كان العرب في الجاهلية يتشاءمون بميلاد البنات ويضيقون به، حتى قال أحد الآباء -وقد بُشر بأن زوجه ولدت أنثى- "والله ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء وبرها سرقة". يريد أنها لا تستطيع أن تنصر أباها وأهلها إلا بالصراخ والبكاء لا بالقتال والسلاح، ولا أن تبرهم إلا بأن تأخذ من مال زوجها لأهلها.

وكانت التقاليد المتوارثة عندهم تبيح للأب أن يئد ابنته -يدفنها حية- خشية من فقر قد يقع، أو من عار تجلبه على قومها حين تكبر، وفي ذلك يقول الله تعالى منكراً عليهم ومفزعاً لهم، (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) [التكوير: 8-9].

ويصف حال الآباء عند ولادة البنات، قال تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل: 58-59]. وكانت بعض الشرائع القديمة تعطي الأب الحق في بيع ابنته إذا شاء وبعضها الآخر -كشريعة حمورابي- تجيز له أن يسلمها إلى رجل آخر ليقتلها.

جاء الإسلام فاعتبر البنت كالابن -هبة من الله ونعمة-، يهبها لمن يشاء من عباده، قال تعالى (لِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى: 49-50].

وبيَّن القرآن الكريم في قصصه أن بعض البنات قد تكون أعظم أثراً وأخلد ذكراً من كثير من الأبناء الذكور، كما في قصة مريم بنت عمران، التي اصطفاها الله وطهرها واصطفاها على نساء العالمين، وقد كانت أمها عندما حملت بها تتمنى أن تكون ذكراً يخدم الهيكل، ويكون من الصالحين.

قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) [آل عمران: 35-37].

وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة جزاء كل أبٍ يحسن صحبة بناته، ويصبر على تربيتهن وحسن تأديبهن ورعاية حق الله فيهن حتى يبلغن أو يموت عنهن، وجعل منزلته بجوار رسول الله في دار النعيم المقيم، قال صلى الله عليه وسلم "من كان له ثلاث بنات، فصبر على لأوائهن وضرائهن وسرائهن، أدخله الجنة برحمته إياهن، فقال رجل: واثنتان يا رسول الله؟ قال:واثنتان، قال رجل: يا رسول الله وواحدة، قال: وواحدة"، فلم تعد ولادة البنت عبثاً يخاف منه، وطالع نحس يتطير به؛ بل نعمة تشكر ورحمة ترجى، وتطلب لما وراءها من فضل الله تعالى وجزيل مثوبته، وبهذا أبطل الإسلام عادة الوأد إلى الأبد، وأصبح للبنت في قلب أبيها مكان عميق.

المرأة باعتبارها زوجة:

كانت بعض الديانات والمذاهب تعتبر المرأة رجساً من عمل الشيطان، يجب الفرار منه واللجوء إلى حياة التبتل والرهبنة، وبعضها الآخر كان يعتبر الزوجة مجرد آلة متاع للرجل، أو طاهٍ لطعامه أو خادم لمنزله، فجاء الإسلام يعلن بطلان الرهبانية وينهى عن التبتل، ويحثّ على الزواج، ويعتبر الزوجة آية من آيات الله في الكون، قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

وقرر الإسلام للزوجة حقوقاً على زوجها، ولم يجعلها مجرد حبر على ورق؛ بل جعل عليها أكثر من حافظ ورقيب من إيمان المسلم وتقواه أولاً، ومن حكم الشرع وإلزامه ثانياً، ومن ضمير المجتمع ويقظته ثالثاً.

وأول هذه الحقوق "الصَداق" الذي أوجبه الله للمرأة على الرجل إشعاراً منه برغبته فيها وإرادته لها، قال تعالى (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) [النساء: 4]. فأين هذا من المرأة التي نجدها في ديانات أخرى، فتدفع هي للرجل بعض مالها، مع أن فطرة الله جعلت المرأة مطلوبة لا طالبة؟

وثاني هذه الحقوق هو "النفقة"، فالرجل مكلف بتوفير المأكل والملبس والمسكن والعلاج لامرأته بالمعروف، والمعروف هو ما يتعارف عليه أهل الدين والفضل من الناس بلا إسراف ولا تقتير، قال تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) [الطلاق: 7]. وثالث الحقوق هو "المعاشرة بالمعروف"، وهي معاملة الزوجة بإحسان، ومقابلة أخطائها بالعفو والصفح قدر الإمكان، و قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].

وهكذا يتجلى بوضوح أن المرأة تُعدُّ ركيزة أساسية في بناء المجتمع من المنظور الإسلامي. فقد أقر الإسلام مكانتها وحقوقها منذ قرون، مؤكدًا دورها الحيوي في شتى مجالات الحياة، سواءً كانت أماً، زوجةً، ابنةً، أو شريكةً في الكثير من الواجبات والحقوق الدينية والدنيوية. وفي الدولة المسلمة الحديثة، يمكن أن يتعاظم هذا الدور بفضل السياسات الحكيمة ذات المرجعية الإسلامية، والتي تُمكّن المرأة من المشاركة الفاعلة في مختلف القطاعات، مع الحفاظ على أخلاقها وقيمها الإسلامية. وإن تمكين المرأة وتعزيز دورها يعكس فهمًا عميقًا لقيم الإسلام ورؤيته الإنسانية الشاملة، مما يسهم في بناء مجتمع قوي ومتوازن قائم على العدل والمساواة، وقادر على مواجهة تحديات الحاضر وتطلعات المستقبل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

الدولة الحديثة المسلمة، د. علي محمد محمد الصلابي، دار ابن كثير، دمشق، 2014.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
مجلس علماء العراق يعقد ملتقى رديف الداعيات في بغداد ويشيد بالدور الريادي للقسم النسوي
السابق
كيف تعلم النبي إقامة الصلاة؟

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع