البحث

التفاصيل

تفكيك منظومات الاستبداد (٤٩): اعرف عدوك.. ضد من حاربت وستحارب غزة؟

الرابط المختصر :

تفكيك منظومات الاستبداد (٤٩): اعرف عدوك.. ضد من حاربت وستحارب غزة؟   

الكاتب: جاسر عودة

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

لولا الرجاء في الله تعالى أن نستشفع بالمجاهدين في أرض الرباط في فلسطين وخاصة في غزة العزة، لما جاز لنا أن نتكلم في هذا المقام، مقام الشهداء والأسرى والجرحى والمبتورين، مقام التضحيات والصمود والشجاعة، مقام الرجولة والإباء والشرف، مقام الإيمان واليقين والصدق، فتحية إجلال وإكبار وإعجاب لكل أبناء غزة العزة أطفالًا ونساءًا ورجالًا، وتحية للشهداء وهم أحياء عند ربهم يرزقون. ودعاء لربنا الكريم الرحيم أن يعفو عنا ويغفر لنا تقصيرنا، ويلحقنا بالصالحين.

يا شباب الإسلام العظيم، اعرف عدوك! فمعركة الوعي لا غنى لأمة الإسلام عنها بالتوازي مع المعارك على الأرض، وهي معركة (الفقه) بمفهومه الشامل الواسع: (وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍۢ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا - التوبة ١٢٢)، ولذلك فأعداء الأمة الإسلامية المعتدون ومعهم المنافقون الحاقدون ينفقون أموالًا وجهودًا طائلة -تتجاوز ما ينفقونه على الحروب نفسها- من أجل تزييف الوعي. لا يمكن أن تنتصر الأمة الإسلامية وهي لا تعرف أعداءها الحقيقيين، ولا تدرك من يقاتلها ولماذا يقاتلها؟ لا يُحتمل أن نَصِف الواقع بغير مسمياتنا الأصيلة ومفاهيمنا الدقيقة وتصوراتنا الصحيحة، وإلا خسرنا المعركة التالية قبل أن تبدأ، وهي آتية لا محالة.

يا شباب الإسلام العظيم، المعركة -الحالية والتالية- هي مع الإمبراطورية العنصرية المعاصرة، والتي يمكن توصيفها عِرْقيًا بالإمبراطورية اليورو-أمريكية البيضاء، وتوصيفها اقتصاديًا بالرأسمالية، وتوصيفها سياسيًا بنظام مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وتوصيفها قانونيًا بالقانون الدولي، وتوصيفها ثقافيًا بما بعد الحداثة والتغريب، وتوصيفها عسكريًا بحروب الإبادة والتطهير العرقي الممنهج، وتوصيفها دينيًا بالمسيحية الصهيونية، مع ملاحظة أن معتقدها الحقيقي هو الإلحاد. هذا هو العدو الذي حارب ويحارب وسيحارب غزة، يريدون من خلال هزيمة غزة وفلسطين والعرب تركيع أمة الإسلام كلها ونهب خيراتها وطمس معالم دينها وثقافتها وحضارتها.

وتاريخ تلك الإمبراطورية اليورو-أمريكية العنصرية تاريخ من المذابح طويل، بدأ بمذابح محاكم التفتيش الأسبانية في الأندلس ثم في القارة الأمريكية عن طريق السفاح كولومبوس، ثم مذابح الاحتلال البرتغالي في القارات الأمريكية وجنوبي آسيا ووسط وجنوب إفريقيا، ثم مذابح الاحتلال الإنجليزي في عموم أفريقيا ووسط وشرق آسيا، ناهيك عن مذابح الغزاة المعتدين من الهولنديين والفرنسيين والألمان والإيطاليين، ويأتي على رأسها مذابح الإمبراطورية اليورو-أمريكية الحالية، بدءًا بما قام به الأمريكيون من إبادة نحو مائة مليون نسمة من السكان الأصليين في القارة الأمريكية، خاصة على يد الجنرال جورج واشنطن الذي لقبه السكان الأصليون بـ (مبيد القرى) (تاون ديستروير بالإنجليزية)، وانتهاء بالحروب في العقود الأخيرة منذ حرب فيتنام، ثم مذابح أمريكا اللاتينية، مرورًا بحرب العراق الأولى، ثم حروب (الإرهاب) منذ ٢٠٠١م، وانتهاء بالحروب الأخيرة على غزة عن طريق البلاطجة المستأجرين في الكيان، مع إسناد من مستأجرين آخرين من منافقي العرب. فلنتصور الواقع تصورًا دقيقًا، والحكم على الشيء فرع عن تصوره.

وإننا إذا أردنا أن نستشرف أفقًا رحيبًا مشرقًا لأمتنا، بدأ العمل لتحقيقه إن شاء الله تعالى، فلابد أن نعي أن القضية التي نحن بإزائها في فلسطين الحبيبة لا تقتصر على معركة (تحرير وطني)، بل هي في حقيقتها معركة وجودية بين الحضارة الإسلامية والحضارة الإلحادية المعاصرة، وهي في حقيقتها معركة اقتصادية مع الرأسمالية كنظام اقتصادي يحكم بقانون العنف، لا يصلح فيه قبول عمليات التحسين والتجميل لوجهها الربوي الاحتكاري الناهب لخيرات المستضعفين، لا سبيل للنصر التام المؤزر إلا بإزاحة طاغوت الرأسمالية عن اقتصادات عالمنا، وحماية هذا الكوكب من الانهيار البيئي والإنساني الذي تسببه الرأسمالية اليوم.

والمعركة الجارية هي أيضًا معركة سياسية ضد نظام سياسي وقانوني يسمونه (دولي) وهو في حقيقته سياسة القوة الغاشمة، وحكم الطاغوت، وقانون الغاب، يسانده غزو ثقافي يشنه الملحدون من أنصار التفكيك ما بعد الحداثي على الإسلام، التفكيك -بمعنى نزع الشرعية والهدم والتقويض- للدين، والقيم، والأسرة، والأعراف، واللغات، والجمال، والخصوصية، والبيئة، والحرية، والكرامة، بل ويهدمون الإنسان نفسه عن طريق هدم كل الفروق، حتى بين الذكر والأنثى.

ولكل من هذه العناصر حديث يطول لا يتسع له المقام، ولكن الخلاصة المتغياة في النداء التالي:

يا شباب الإسلام المقاوم العظيم، اعرف عدوك، واعلم أن قوى الأرض كلها تجمعت لتحارب ضد المقاومة المؤمنة الباسلة الشريفة في غزة -سواء بالفعل أو عدم الفعل كنوع من أنواع الفعل-، ليس لأنها ضد حركة (تحرر وطني)، بل لأنها ضد المقاومة الإسلامية في غزة التي هي الشوكة الأخيرة في حلق الإمبراطورية الغازية، والقلعة الأخيرة من قلاع الإسلام في الدفاع عن حضارة الإسلام ونظام الإسلام الديني والاقتصادي والاجتماعي، والسياسي، والثقافي، والبيئي.

المعركة الحقيقية في غزة وما وراء غزة إنما هي مع دين الإلحاد، وسياسة مجلس الأمن، والاقتصاد الرأسمالي، وهو ما يستوجب منا الوعي بكل تلك الجبهات وامتداد المقاومة إليها: مقاومة الإلحاد، ومقاومة العنصرية، ومقاومة النظام الدولي الجائر، ومقاومة الاقتصاد الرأسمالي. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون). صدق الله العظيم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يكرّم إرث علماء قطر: مقر جديد بأسماء خالدة وإرث علمي متجدد
السابق
عن جعفر بن "رشيدٍ" أطيب الخبر

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع