ذهب كثير من الفقهاء إلى أن الأصل فى الطلاق الحظر ، ولا ينقطع إلا لحاجة وضرورة ، ولذلك كان الطلاق ( أبغض الحلال إلى الله – عز وجل - ) رواه أبو داود والحاكم .
وقد وجهت السنة إلى تحريم الإفساد بين الزوجين من أى طرف ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ) رواه النسائى .
كما حذرت السنة من طلب المرأة الطلاق من غير سبب ( أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها الجنة ) رواه الترمذى والنسائى .
وفى ضوء هذه التوجيهات النبوية جاءت اجتهادات وفتاوى كثير من الفقهاء ، تتغيا الحفاظ على الأسرة ، وتتوخى دوام ائتلافها وترابطها متى كان هناك مخرج وسعة، لأن الزواج تحقق بيقين ، ولا يزول اليقين بالشك ، ولا يزول اليقين إلا بيقين مثله ، فلزم أن يقع الطلاق يقينا حتى تترتب عليه الحقوق والواجبات .
فقد تحوطوا فى إيقاع الطلاق بألفاظ الكناية فقالوا : لا يقع الطلاق بها إلا مع النية ، فلو سئل الناطق بالكناية عما أراد بكلامه فقال : لم أنو الطلاق ، بل نويت معنى آخر ، فإنه يصدق قضاء ، ولا يقع طلاقه لاحتمال اللفظ معنى الطلاق وغيره ، فلا يصار إلى الطلاق حتى يتحقق من مراد الناطق وقصده . وقد ضرب فقهاؤنا لذلك بعض الصور منها : لو قال الزوج لزوجته : الحقى بأهلك ، أو أنت حرة ، أو قد أعتقتك . فهذا أمر محتمل ، هل يقصد الطلاق أم مجرد الاعتزال ، وبناء عليه لابد من الاستيثاق من قصد الزوج ونيته حتى يقال بأن الطلاق يقع أو لا يقع .
وفى الطلاق بالكتابة اشترط الفقهاء أن تكون الكتابة واضحة وقاطعة على الدلالة بأن يكتب إليها فيقول : يا فلانه أنت طالق . فإن لم يوجه الكتابة إليها والتبس الأمر فقال : أنت طالق فقط ، فلا يقع الطلاق إلا بالنية . وعللوا لذلك بقولهم : لاحتمال أن تكون كتابته من غير قصد إيقاع الطلاق ، كأن يكون كتبها لتحسين خطه مثلا .
وفى وقوع طلاق الأخرس بالإشارة اشترطوا ألا يكون عارفا بالكتابة ، ولا قادرا عليها ، فإذا كان عارفا بها وقادرا عليها ، فلا يكفى الإشارة ، لأن الكتابة أدل على المقصود ، فلا يعدل عنها إلى الإشارة إلا لضرورة العجز عنها .
وذهب كثير من الفقهاء إلى أن الطلاق المقترن بعدد كأن يقول : طلقتك ثلاثا ، لا يقع إلا طلقة واحدة ، وعللوا لذلك أيضا بالحرص على رباط الزوجية ، والحفاظ على الأسرة .
وذهب بعضهم إلى أن الطلاق البدعى لا يقع كأن يطلق الزوج زوجته فى طهر جامعها فيه ، وعللوا لذلك بأن هذا عمل مخالف للسنة ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) ، والسنة أن يطلق الزوج زوجته فى طهر لم يمسها فيه حتى لا تطول عليها فترة العدة .
وذهب بعضهم إلى أن الحلف بالطلاق لا يقع ، لأن الله تعالى لم يشرع الطلاق بمثل هذه الألفاظ ، والحلف إنما يكون بالله لا بالطلاق، ورأوا أن فيه كفارة اليمين أى يطعم عشرة مساكين أو كسوتهم ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام .
وذهب كثير منهم إلى أن الطلاق لا يقع فى حالتى الإكراه أو الغضب الشديد - الذى يفقد فيها الزوج السيطرة على نفسه بحيث لا يعى ما يقول –، لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا طلاق فى إغلاق ) والإغلاق يعنى الإكراه أو الغضب أو كليهما.
رحم الله فقهاؤنا كانوا يحتاطون كثيرا فى وقوع الطلاق للحفاظ على أقوى لبنة فى بناء المجتمع المسلم ألا وهى لبنة الأسرة .
وللأسف بعض من يتصدر للفتوى اليوم جاهز بالرد على كل مسألة ومعضلة فى الطلاق وغيره دون أن يتريث أو يراجع أو يتثبت ، مما لو عرضت أمثالها على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر .