القدس وفلسطين:
شرف الأمة ومجدها
في ذكرى "أسبوع القدس
العالمي"
بقلم: عبدالحميد
مفتاح
عضو الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين
في
ذكرى *أسبوع القدس العالمي*، يتجدد الحديث عن قضية الأمة المحورية، القضية الفلسطينية،
التي تمثل رمزية تاريخية ودينية لا تقبل المساومة. وفي هذا السياق، تتجدد في أذهاننا
صورة القدس الشريف التي تُعتبر أولى القبلتين وثالث الحرمين، وما تحمله هذه المدينة
من قداسة في قلوب المسلمين، وما يمثلها من قيمة عظيمة في ديننا الحنيف.
إن
القدس هي أرض إسلامية تاريخية، هي محطّ أنظار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومع
مرور الأزمان تبقى القضية الفلسطينية في طليعة اهتمامات الشعوب المسلمة، وبقيت القدس
الحاضرة الأبدية في الدعوات والمساجد والمجالس.
*القدس في القرآن الكريم والسنة النبوية*
لقد
تحدث القرآن الكريم عن القدس بشكل صريح في قوله تعالى: [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ
بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَىٰ ٱلَّذِى
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِّنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبصِيرُ]
(الإسراء: 1).
هذه
الآية الكريمة تذكر حادثة الإسراء والمعراج التي حدثت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم،
حيث أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومنها عُرج به إلى السماوات. هذه
الحادثة تُعتبر من أعظم المعجزات التي أثبتت مكانة القدس في الإسلام، وهي لحظة تعني
الارتباط الوثيق بين المدينة المباركة والنبي صلى الله عليه وسلم.
كما
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة
مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا (المدينة)، والمسجد الأقصى) "رواه البخاري".
إن
هذا الحديث يؤكد على عظمة المسجد الأقصى وقدسيته في ديننا، ويُحث المسلمين على زيارة
القدس وأداء الصلاة فيه.
*صمود أهل غزة: إرادة لا تلين*
وفي
ظل ما يشهده العالم اليوم من أحداث وتطورات على الأرض الفلسطينية، وخاصة في قطاع غزة،
يتجسد الصمود الأسطوري لأهل غزة الذين يمثلون مثالًا حيًّا في الصبر والثبات أمام أعتى
الهجمات وأكثرها همجية.
لقد
برهن شعب غزة أنه لا يمكن لأي قوة مهما كانت أن تكسر إرادتهم أو تنال من عزيمتهم. ورغم
المعاناة التي يتكبدونها نتيجة العدوان الإسرائيلي المتكرر، إلا أن قلبهم ينبض بالأمل،
وعزيمتهم لا تعرف الانكسار. إنهم يُدافعون عن الأرض والعرض بأبسط الإمكانيات وأعظم
الإيمان، رافعين شعار الحق في الدفاع عن وطنهم وأرضهم.
ويظل
الصمود الغزاوي دروسًا في الثبات والصبر لكل من يسعى إلى الحرية والعدالة. وها هم اليوم
ينتصرون في معركة الإرادة رغم محاولات العدو المتواصلة لقتل الأمل في نفوسهم. إن صمودهم
هو رسالة للأمة الإسلامية والعالم أجمع أن فلسطين لن تسقط، وأن النصر قادم بإذن الله.
وها
هو الشعب الفلسطيني في غزة يقدم دروسًا في التحدي والصبر أمام أقوى الجيوش، وما يزداد
مع كل يوم يمر من صمود أهل غزة إلا قناعة لدى الجميع بأن الأرض لا يمكن أن تُهزم بالدمار،
وأن الحق سيعود مهما طال الزمن.
وإذا
الشعبُ يومًا أراد الحياة ** فلابد أن يستجيب القدر
ولامحالةً،
النصرُ آتٍ ** مهما تكالبت على غزة الأمم
*التمسك بالأرض: الأمل والعزيمة لا يتوقفان*
إن
تمسك أهل غزة وأبناء فلسطين بالحقوق المشروعة في أرضهم ليس مجرد مسألة جغرافية، بل
هو تمسك بالحق، والإيمان بعقيدتهم التي لا تتزعزع. لقد قدم الفلسطينيون على مر العصور
أبطالًا وقادة وأجيالًا من الشهداء الذين جعلوا من تراب فلسطين طهورًا وشرفًا.
إن
نضالهم المستمر هو دفاع عن الحق في الحياة، والحق في تقرير المصير، والحق في العيش
بكرامة على أرضهم. ولا زالوا رغم الظروف الصعبة يثبتون أن الأمل لا يُمحي، وأن الأرض
التي ارتوت بدماء الشهداء ستظل أرضًا إسلامية فلسطينية، شاء من شاء وأبى من أبى.
*ذكرى الإسراء والمعراج: ربط الأرض بالسماء*
إن
حادثة *الإسراء والمعراج* تعد واحدة من أروع وأعظم اللحظات في تاريخ الأمة الإسلامية،
حيث كانت بمثابة إشارة من الله سبحانه وتعالى على عظمة القدس والمكانة السامية التي
تحظى بها هذه المدينة المباركة. وتُعد تلك الحادثة تذكيرًا لكل مسلم بأن القدس هي جزء
من عقيدتنا وهويتنا، وأن ربط السماء بالأرض في هذه الحادثة يرمز إلى أهمية المكان.
وفي
ذكرى الإسراء والمعراج، نتذكر أن القدس كانت الوجهة التي اختارها الله عز وجل لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الأرض التي لا تزال حاضرة في قلوب المسلمين، وسنبقى دائمًا
نحمل الأمل في تحريرها.
*فتح القدس الثاني على يد صلاح الدين الأيوبي*
لا
بد من التذكير في هذا السياق بأحد أعظم الملاحم في تاريخ القدس، وهو *فتح القدس الثاني*
على يد *صلاح الدين الأيوبي* في عام 1187م. فقد كانت القدس في ذلك الوقت تحت الاحتلال
الصليبي، وكان صلاح الدين هو القائد الذي وحد المسلمين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي
لتحرير هذه المدينة المقدسة.
وفي
يوم 2 أكتوبر 1187م، تمكن *صلاح الدين الأيوبي* من دخول القدس بعد حصار طويل، وقد جرت
معركة حطين التي أسفرت عن هزيمة جيش الصليبيين، وتحرير القدس. وعُرفت القدس بعد ذلك
بأنها كانت مدينة للجميع، حيث قدم صلاح الدين الأيوبي نموذجًا في التسامح والعدل، كما
سمح للمسيحيين واليهود بالعيش في المدينة بسلام بعد تحريرها.
*الختام: عهدنا بالقدس لا يتزعزع*
إن
قضية القدس وفلسطين هي قضية إسلامية وعربية وإنسانية بامتياز. وإن الأمة الإسلامية
في جميع أنحاء العالم تقف صفًّا واحدًا دفاعًا عن القدس وأرض فلسطين. وفي ظل العدوان
الإسرائيلي المستمر، يُظهر الفلسطينيون، وبالأخص أهل غزة، شجاعة نادرة في الدفاع عن
حقهم في الأرض والكرامة. ويجب أن يكون لذكرى *أسبوع القدس العالمي* دورًا في إشعال
همم المسلمين، وتشجيعهم على بذل المزيد من الجهود لتقديم الدعم للفلسطينيين في جميع
أنحاء الأراضي المحتلة.
اللهم
حرر القدس، واجعلها في يد المسلمين، يا أرحم الراحمين.
*مواساة لأهل غزة*
إن
كلماتنا مهما بلغت من عبارات، تظل عاجزة أمام مشهد صمودكم العظيم، ومعاناتكم المستمرة.
لكن لا شك أن أملنا في الله هو الذي يُبقي قلوبنا متفائلة، ويسقي أرضنا اليائسة بالعزم.
فلن يستمر الظلم، ولن يستمر العدو في عدوانه؛ فكلما تجدد الظلم، ازداد يقيننا أن الله
تعالى يمهل ولا يهمل.
مَا
ضَاعَ حَقٌّ وَرَاءَهُ مُطَالِبٌ ** وَمَا بَخِلَتْ أيدينا بالأمل، فلا زال النصر قريبًا
اللهم
انصر أهل غزة وفلسطين، واجعل النصر قريبًا، واجعلها أرضًا سلامًا وأمانًا لكل المؤمنين.
آمين يا أرحم الراحمين.
ـــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين.