البحث

التفاصيل

التفسير الاقتصادي لآيات الأحكام (2): معالم التفسير الاقتصادي؛

الرابط المختصر :

التفسير الاقتصادي لآيات الأحكام (2): معالم التفسير الاقتصادي؛

بقـلم: د. أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

***

**اقرأ: معالم التفسير الاقتصادي(1) مناهج المفسرين..

 

يضبط النظام الاقتصادي الإسلامي مجموعة من القواعد المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية؛ القرآن والسنة واجتهاد الفقهاء. كما أنه لا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية، بل يعمل على تحقيقها، وتتسم قواعد الاقتصاد الإسلامي بالثبات والعالمية والواقعية. وتأتي المرونة في التفاصيل والإجراءات، والأساليب، والأدوات، والوسائل. ويتجلى ذلك في ءايات الأحكام التي تضمنت مجالات اقتصادية والمعاملات المالية بين الناس.

أولا: مفهوم التفسير الاقتصادي لآيات الأحكام.

1- آيات الأحكام:

هي الآيات التي تُعْنَى ببيان الأحكام الشرعية والدلالة عليها، سواء كانت الأحكام اعتقادية، أو عملية فرعية، أو سلوكية وأخلاقية. والمراد بآيات الأحكام عند الإطلاق: "هي الآيات التي تُبَيِّن الأحكام الفقهية وتدلّ عليها نصًّا أو استنباطا" [1].

غير أن العلماء تعارفوا على إطلاق أحكام القرآن على أحكام القرآن العملية، الفرعية، المعروفة بالفقهية، وعلى نصوص الأحكام عند الإطلاق؛ "كل نصٍّ يمكن أن يستفاد منه حُكْم فقهي، بطريقٍ مباشرةٍ أو بطريق الاستنباط".

وتفاسير آيات الأحكام، أو التفسير الفقهي: "هو التفسير الذي يُعْنَى ببيان الأحكام الفقهية، والتنبيه عليها، سواء بالاقتصار عليها، أو العناية الخاصّة بها" [2].

وهذا التقسيم هو تقسيم اصطلاحي تعارف عليه العلماء، من أجل البيان والتوضيح، ولا يعني أن الآيات غير مترابطة، بل هي مترابطة ومتداخلة؛ فالمسائل الاعتقادية لابد أن ينبني عليها عمل وسلوك، وهذا السلوك هو الأخلاق بمعناها الشامل، كما أن المسائل العملية الفقهية، لابد أن تصدر عن اعتقاد، ونيّة.

2- مفهوم التفسير الاقتصادي:

هو تفسير بعض الآيات القرآنية تفسيرا يمكن أن تنطبق على النظريات والمفاهيم والمصطلحات الاقتصادية، ويدعم ذلك التفسير بما يناسبه من الأحاديث والأحكام الفقهية، يمكن أن يضاف إليها تفسير أهل العلم والاختصاص في المجالات المختلفة، ولأن علوم العصر ومعارفه لها تأثير على التفسير، إذ إن النص الشرعي يعين على فهمه الواقع أو المشاهدة أو التجربة.

وهذا النوع من التفسير يُظهر الإعجاز الاقتصادي العلمي للقرآن الكريم،

ويشير التفسير الاقتصادي لظاهرة ما وإلى تطبيق النظريات والمبادئ الاقتصادية لفهم وتفسير آيات الأحكام، مع تحليل سلوك الأفراد والمجتمع، وكيفية تفاعلهم مع بعضهم البعض في إنتاج، وتوزيع، واستهلاك السلع، والخدمات.

ثانيا: أمثلة لمجالات الاقتصاد للتفسير الاقتصادي.

- السلوك الاقتصادي للأفراد (الأخلاق)، ويتضمن: التعبد لله تعالى في السلوك الاقتصادي، والأمر بإقامة الحق، وحفظ الحقوق المالية.

- أسس النشاط الاقتصادي في الإسلام، ويتضمن: الإنتاج، الاستثمار، ومبادئ الإنتاج والعمل، والنهي عنم تضييع الإنتاج، والمال والقيم الاجتماعية.

- الاستهلاك والإنفاق، ويتضمن: الاستخلاف، الرزق، إنفاق المال وإمساكه، الإنفاق جزء من النظام الاقتصادي.

- المبادئ العامة للنظام الاقتصادي في الإسلام. ويتضمن: العدل والأخوة، والمسؤولية، والإحسان، والقيمة.

- القوانين العامة للنظام الاقتصادي في الإسلام، ويتضمن: توزيع الدخل وتوزيع الثروة كالميراث والوصية، وتوزيع الفضل من المال.

- نظام السوق في الإسلام. ويتضمن: العقود والشركات والدّيْـن.

- نظرية الاقتصاد الكلي. ويتضمن: الربا، والزكاة وربطها بتحريم الربا.

- التوازن الاقتصادي، ويتضمن: الموازنة الاقتصادية، ودور الدولة، والسياسة الاقتصادية للدولة.

ثالثا: نموذج التفسير الاقتصادي.

تفسير قوله تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (هود:84).

1- المعنى العام:

أخبر الله تعالى عن قول شعيب لقومه: أوفوا الناس الكيل والميزان، ب”بالقسط”، أي؛ بالعدل، فأمرهم أن يوفوا أهل الحقوق التي هي مما يكال أو يوزن حقوقهم، على ما وجب لهم من التمام، وألا ينقصوا الناس حقوقهم التي يجب عليكم أن توفوهم كيلا أو وزنًا أو غير ذلك. وألا يسروا أو لا تسعوا في الأرض مفسدين.

2- التفسير الفقهي:

قال القرطبي: (قوله تعالى؛ ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط أمر بالإيفاء بعد أن نهى عن التطفيف تأكيدا. والإيفاء الإتمام. بالقسط أي بالعدل والحق، والمقصود أن يصل كل ذي نصيب إلى نصيبه، وليس يريد إيفاء المكيال والموزون لأنه لم يقل: “أوفوا بالمكيال وبالميزان”، بل أراد ألا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود، وكذا الصنجات. ولا تبخسوا الناس أشياءهم أي لا تنقصوهم مما استحقوه شيئا. ولا تعثوا في الأرض مفسدين بين أن الخيانة في المكيال والميزان مبالغة في الفساد في الأرض)[3].

ثم عابوا على نبيهم؛ هود عليه السلام، فقالوا له: كيف تنهانا عن التصرف في أموالنا كيف نريد، وذلك في قوله عز وجل: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ (هود:87).

وقال ابن العربي في قوله تعالى؛ ” وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين”.(الأعراف:85)".

فيها ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: البخس في لسان العرب هو النقص بالتعييب والتزهيد، أو المخادعة عن القيمة، أو الاحتيال في التزيد في الكيل أو النقصان منه.

المسألة الثانية: إنما أذن الله سبحانه في الأموال بالأكل بالحق، والتعامل بالصدق، وطلب التجارة بذلك، فمتى خرج عن يد أحد شيء من ماله بعلمه لأخيه فقد أكل كل واحد منهما ما يرضي الله ويرتضيه، وإن خرج شيء من ماله عن يده بغير علمه فلا يخلو أن يكون مما يتغابن الناس بمثله مما لا غنى عنه في ارتفاع الأسواق وانخفاضها عنه فإنه حلال جائز بغير خلاف؛ إذ لا يمكن الاحتراز منه. وإن كان بأكثر من ذلك فقد اختلف الناس فيه، فقال علماؤنا: إذا جرى ذلك في بيع كان صاحبه بالخيار إن شاء أمضاه بعد العلم به وإن شاء رده”[4].

3- التفسير الاقتصادي: (أو دراسة اقتصادية).

في هذه الآية الكريمة إشارة إلى الأمر بإقامة الحق والقسط أثناء السلوك الاقتصادي. وفيها أمر بالوفاء لأهل الحقوق التي هي مما يكال أو يوزن حقوقهم، على ما وجب لهم بغير بَخس ولا نقص. ونهى عن السعي في الأرض بالفساد، ومنه؛ نقصان الكيل والميزان، والظلم في المعاملات المالية.

ثم عابوا على نبيهم؛ هود عليه السلام، فقالوا له: كيف تنهانا عن التصرف في أموالنا كيف نريد، وكيف نشاء، وفيه إشارة إلى الحرية الاقتصادية، وذلك في قوله عز وجل: [أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء].

والحمد لله رب العالمين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

[1] تفاسير آيات الأحكام ومناهجها، للدكتور علي بن سليمان العبيد. ج:1/ص:25. (رسالة جامعية).

[2] تفاسير آيات الأحكام ومناهجها، للدكتور علي بن سليمان العبيد. (مرجع سابق). ج:1/ص:25.

[3] القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. ج:9 / ص: 86.

[4] ابن العربي. أحكام القرآن. ج:2 / ص: 319.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
بحضور نجم كرة القدم ساديو ماني.. صديقه يعلن إسلامه في السعودية..
السابق
أثر المنظومة النسوية الغربية على الأمن الفكري للأسرة:

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع