مرحباً رمضان
بقلم: الشيخ فيصل نصر الشويب
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بشرى سارة لكل من اعتقد أنَّ الدنيا مزرعة الآخرة، بشرى
سارة لمن يريد بضاعة وتجارة تنفعه يوم القيامة، وتسعده في الدنيا. بضاعة ليس عليها
تأريخ نهاية، وأرباحها مدونة ومسجلة في سجل يحصي مثاقيل الذر، ولا يغادر صغيرة ولا
كبيرة إلا أحصاها.
بشرى سارة لمن أراد أوفر وأيسر غذاء للروح المحرومة طوال
العام. بشرى سارة لمن عدم البيئة الصالحة المعينة على الطاعة. بشرى سارة لمن عدم
الأجواء الإيمانية، لمن شغلته الدنيا فقسى قلبه، وفقد لذة القرب من ربه. بشرى سارة
لمن أراد أرباحاً عظيمة يودعها في بنك الرحمن، تنفعه يوم لا بنوك، ولا أرصدة، ولا
أموال. بشارة سارة لمن أغوته مردة الشياطين، ويريد التخلص منها. إليكم جميعا نزف بشرى
قدوم شهر رمضان المبارك، الذي اختصه الله من بين الشهور، فأنزل فيه أشرف كتبه، على
أشرف وخاتم رسله.
شهرٌ من صامه إيماناً واحتساباُ غفر له ما تقدم من ذنبه،
كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة
.
شهرٌ من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه،
كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
شهرٌ من قام ليلة القدر فيه إيمانا واحتسابًا غفر له ما
تقدم من ذنبه، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة
فرصة بعد فرصة، وغنيمة بعد غنيمة، من فاتته هذه الفرص، وهذه الغنائم، فقد
لحقته دعوة جبريل عليه السلام التي أمَّنَ عليها رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه
وسلم، إذْ يقول: رغم أنف
وفي رواية: أبعده الله من
أدرك رمضان ولم يغفر له.
جعل الله رمضان غنيمة عظمى لمن هو حريص على الربح
الأخروي، وإليكم بيان ذلك، جاء في الصحيحين، من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله
عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " من صام يومًا في سبيل
الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا" لفظ البخاري، ولفظ مسلم: "
من صام يوما في سبيل الله؛ باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا".
وجاء عند الترمذي من حديث أبي أمامة الباهليِّ
بلفظ" من صام يومًا في سبيل الله؛ جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين
السماء والأرض".
هذا الحديث بألفاظه المختلفة جزاء من صام يوما في سبيل
الله نافلة، فكيف بمن سيصوم الفريضة، ولا شك أنَّ الفريضة أعظم أجرًا من النافلة؛
كون الفريضة أحب إلى الله. وفي الحديث القدسي "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء
أحبَّ أليَّ مما افترضته عليه.
فيالها من غنيمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي
وأنا أجزي به" رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم.
رمضان فيه من التسهيلات والهبات من ربِّ الأرض والسموات
ما لا يوجد في غيره من الشهور، ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما، من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا
دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين". وفي
رواية: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة"، وعند مسلم في رواية: "وصفدت
الشياطين".
وجاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنها،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عمرة في رمضان تعدل حجة". وفي سنن
أبي داود " تعدل حجة معي".
لو لم يكن من رمضان كله إلا ليلة القدر لكفى، قال الله
تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر}، كيف وفيه الصيام، والقيام، وإطعام الطعام، وقراءة
القرآن، والصدق، والإنفاق، وغير ذلك من القربات والطاعات.
شهرٌ كله رحمة، وكله مغفرة، وكله عتق من النار. جاء في سنن
ابن ماجة بسند صحيح، صححه الألباني رحمه الله، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ
الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ
النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ". هنيئا لمن أدرك رمضان، وإدراكُ
رمضان نعمةٌ عظيمة، ومنةٌ جسيمة، لا يعرف عظمتها إلا من يقرأ، أو يسمع ما جاء عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في مسند أحمد، وسنن ابن ماجة، من حديث أبي
هريرة، رضي الله عنه، قال: كان رجلان من بَلِيِّ- حي من قُضاعة- أسلما مع النبي
صلى الله عليه وسلم، واستشهد أحدهما، وأُخِر الآخر سنة.
قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: فَأُرِيتُ
الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ،
فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَأَصْبَحْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم، أَوْ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ
وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ - أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً - صَلَاةَ
السَّنَةِ " رواه أحمد في المسند، بسند حسن. وزاد ابن ماجه وابن حبان في
آخره: "فَلَما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض".
والشاهد من الحديث: أليس قد صام بعده رمضان.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "خير
الناس من طال عمره وحسن عمله". اخرجه الترمذي، من حديث عبد الله بن بُسر،
بسند صحيح. سيأتي رمضان ليكون ميدان سباق، ومضمار منافسة، ورحم الله ابن القيم حين
قال: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون يوم القيامة إلى الجنات. ذكره
في كتابه حادي الأرواح وغيره.
والله يندبنا في كتابه إلى المسارعة والمسابقة، {وسارعوا
...}، ويقول: {سابقوا...}، ويرغبنا
ويشوقنا بعد ذكر نعيم الجنة فيقول سبحانه: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}، وهو
الغني عنا سبحانه. جاء في الحديث القدسي، في صحيح مسلم، من حديث أبي ذر، رضي الله
عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: (يا عبادي لو أن أولكم
وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا.
يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما
نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها،
فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه).
ــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.