البحث

التفاصيل

إلى صديقي الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (5):

الرابط المختصر :

إلى صديقي الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (5):

كتبه: التهامي مجوري

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


**

اقرأ: إلى صديقي: الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (1)

اقرأ: إلى صديقي الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب(2)

اقرأ: إلى صديقي الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب(3)

اقرأ: إلى صديقي الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (4)

**


الواقع الاقليمي ومحاذيره

لا شك أن سوريا في واقع اقليمي لا تحسد عليه، ولذلك كانت سوريا عبر التاريخ محضن تناقضات كبيرة، ابتداء من الانقلاب على الخلاقة الراشدة، وحجم الفتوحات الإسلامية التي كانت على يد قيادات الشام، إلى انقلابات الستينيات التي جاءت بهذا العائلة الطائفية التي لا تعرف الله ولا أولياءه، والحركة العلمية الشعبية التي لم تتوقف، ولعل صلاة الجماعة التي شهدها العالم في جامعة دمشق أكبر دليل على ذلك، بحيث يخيل للمرء أن هذا الجمع المبارك من الشباب في صلاة جماعة، لا يمكن أن يكون في بلد مستبد به كسوريا!!

ويضاف إلى الطبيعة التي عليها المجتمع السوري، الموقع الجغرافي الذي له النصيب الأوفر من محاذير الشرق الأوسط الجديد والمؤامرات الدولية ومخاطر الوجود الصهيوني على الحدود، والأنظمة السياسية الاستبدادية القائمة التي تشعر بالخطر بلا شك ولا ريب، فلا تريد للتجربة أن تنجح في المنطقة؛ لأن نجاحها يهدد كيانها ومستقبلها في المنطقة.

فسقوط نظام صدام حسين كان لا بد منه، ولكن للأسف لم يوفق الشعب العراقي في استبعاد الاستبداد، إذ استبدل طاغية بطاغية، لظروف خاصة بالمنطقة وتأثيرات النظام الإيراني، ونظام الطائفة الأسدية كان لا بد أن يزول منذ أن ظهر إلى الوجود بسبب روحه الطائفية التي جنت على دمشق وما جاورها، ونظام السيسي لا بد من أن يزول لأن طبيعته لا تتلاءم والتحولات التي يشهدها العالم، وبصفة أقل أهمية نظام اٍلأردن لا بد من سقوطه هو الآخر أو على الأقل تطويعه.

ذلك أن ميلاد المقاومة الحقيقية الحرة لن تكون إلا في ظل نظام يحترم نفسه ويحترم شعبه... والأنظمة التي ذكرنا والتي لم نذكر لم تكن بالمستوى المطلوب الداعم للمقاومة، وقد بلغ مستوى الرداءة فيها، أن الواحد من هذه الأنظمة يريد من المقاومين أن يساعدوه على شعبه، مثلما فعل النظام السوري البائد عندما طلب من المقاومة الفلسطينية المسكينة أن تساعده في حربه على الشعب السوري، ومن لم يرض بهذا الدور هجِّر وأجبر على مغادرة الأراضي السورية؛ بل إن هذا النظام الساقط، لكم يكن وفيا حتى لمن حموه وناصروه وسلّحوه وقاتلوا معه ضد شعبه، لم يكن وفيا لإيران لسبب واحد هو أن إيران تعاملت مع حزب الله بطريقة أفضل وأعلى من النظام السوري، فكانت مجالس خامنائي تسوي بين الرئيس الأسد والأمين العام لحزب الله... لأنهما في الواقع دراعين من أذرع إيران في المنظقة.

وما قام به الصهاينة في الأيام الأولى لانتصار الشعب السوري على نظامه الفاسد، من احتلاله لبعض المواقع السورية في جو فرحة أهل الشام بسقوط نظامهم الفاسد، إنما كان في إطار استدراج الشعب لخوض معركة غير متكافئة، وإشغال للإدارة الجديدة عما ينبغي أن تنشغل به؛ لأن ما فعل الصهاينة متوقع بل ربما يفعلون أكثر؛ لأن المناسبة تقتضي أن يفعلوا أقصى ما يمكن، ما دام السوريون منشغلون بمشكلاتهم المزمنة...

والذين أرادوا من الشعب ومن منظماته الجماهيرية ومن إدارة جديدة لا تزال في الخطوة الأولى، أن يكون لهم رد فعل فوري، وهم في حالة الاصلاحات البدائية...، واهمون او مظللون اوز متآمرون، لأن المرحلة هي مرحلة استرجاع مؤسسات أفرغت من مضامينها، وليس الانشغال بما عدا ذلك، والذي هو حق وواجب طبيعي ولكن ليس زمانه المناسب.

إن ما فعله الصهاية خلال تلك الأيام الأولى التي دخل فيها الشعب بلاده ليس نهاية المطاف، ومنطق الأشياء يقول إن له ما بعده من الاجراءات... فالمحنة التي مرت بالعراق لم تفقد العراق صوابه، ولكنه تخلص من طاغية وهو يبني أيامه ولياليه بصعوبة ولكنها ممكنة... كان يوجد من الرشد العراقي ما ينهض بالعراق ولكن بكل أسف موازين القوة لم تكن في صالح الراشدين، وإنما كانت في أيدي الفاسدين، ومع ذلك فخير العراق آت لا محالة.

ليس سهلا على السوريين تجاوز محنتهم، ولكن بما لهم من رصيد ثقافي وتماسك اجتماعي -في تقديري- يمكِّنهم من التغلب على مشكلاتهم. وقد أثبتت الإدارة الجديدة لسوريا أنها في مستوى الخطاب الدولي وكشفت عن إمكانية التفاعل معه باقتدار.

ولكن لا ينتظر من سوريا أن  تحرر الأرض المغتصبة من قبل الصهاينة في عام أو عامين أو عشرة، ولكن المقطوع به أنهات ستنهض بواقعها الوطني، استثمارا في الإمكانات المتوفرة فقط، من موارد بشرية ومادية وعلاقات مع المحيط.

ومن المحادير التي تواجه سوريا أيضا الذي الغرب يفعل معنا ومع غيرنا ما يمليه عليه ضميره الاستعماري الملوث، ويدير ذلك بقدرات عالية، وبالتالي فهو لا يضطر للتآمر علينا، وإنما يستغل الثغرات الموجودة فينا، ويتمدد فيها بقدر ما تتيح له الظروف، فهو لم يدخل العراق إلا بمباركة من المعارضة العراقية ولم يغز العراق إلا بتوافق مع بعض دول المنطقة، ولم يجرؤ على دعم الضهاينة إلا بتواطؤ عربي... كل ذلك يقوم به بحسن إدارة واستغلال لضعف واقع في النخب العربية الحاكمة والمحكومة.

ومن حسن إدارة الغرب في هيمنته على غيره، هو محاولة توجيه كل الأحداث التي تقع في العالم والمساهمة فيها بما يخدم مصالحه، بما في ذلك ما كان في صالح هذه الشعوب... مثل انتفاضات الربيع العربي، اعتبرها صناغة غربية محضة وكأن الغرب حل محل الله!! لا يقع شيئا إلا وأحط به علما، بينما الحقيقة أن المتتبع لحركة التاريخ، يرى أن هناك تحولات تقع وفق قانون الله في خلقه. فعلمية التغيير الحقيقية قد بدأت مع نهاية الثمانينيات بسقوط الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، ومنذ ذلك اليوم والعالم يلملم احواله في الوقت الذي كان الأمريكان يحاول تطوير آليات للقيام بالقيادة الأحادية وسوّق لذلك بكل ما أوتي من قوة... ولكنه لم يفلح لأن قيادة العالم بأحادية اكبر منه، ولذلك بقيت الأمور تراوح مكانها إلى أن تبلورت فكرة تعدد الأقطاب التي لم تكتمل صورتها النهائية، وفي الإطار الاقليمي لم تكن الشعوب راكدة، فهي الأخرى متحركة وتتوق إلى التغيير، ولذلك كانت انتفاضات 2011، هزة إقليمية من الاهتزازات الارتدادية لحركة التغيير الدولية التي كانت في نهاية الثمانينيات، ومع ذلك رآها العبض منا أنها انتفاضات ولكنها بصناعة غربية، ولكنه اختلفوا هل هي من أجل تغيير الأنظمة التي انتهت صلاحيتها ولا بد من استبدالها بما يحل محلها في العمالة والخضوع للغرب، أما أنها مجرد تنفيس للشعوب المقهورة، ومنهم من رأى بعضها دعم مستحق للشعوب المستضعفة، ومنهم من لا يزال يصر أن على أن ذاك الحراك ما هو إلا مؤامرة على الأمة وقضاياها المصيرية، وخاصمة من يسمون أنفسهم بمحور المقاومة، ومنهم صديقي الذي اوجه هذه الرسالة.

ورغم أن تلك الانتفاضات كانت بعد أكثر من عشرين سنة من بجاية التحولات الدولية المشار إليها، أي ما يقارب الجيل، لم نر إلا القليل من له ثقة في الشعوب التي انتفضت وملت من هذه الأنظمة، وتحملت مسؤوليتها تجاه أنظمتها الحاكمة...، فثارت تريد استبدالها بما من هو أفضل منها... ولعل تجربة طوفان الأقصى 7 أمتاوبر 2023، أكبر دليل على الإبداعات التي يمكن تقوم بها الشعوب بمعزل عن أنظمتها البائدة، مثلما فعلت المقاومة في فلسطين، فقد دخلنا في طور جديد من حركة التاريخ، فالعالم اليوم قد بدت معالمه تتضح، في اتحاه التغيير الحقيقي الذي سيشهده العالم بعد اليوم، وهو إعادة صياغة المنظومة الدولية بجميع فروع نشاطاتها –معرفة وسياسية واقتصادا...- والذي لم يساهم ولو بالضغط بأفكاره وقيمه، فإنه لا حظ له في المستقبل.

وسقوط النظام السوري الذي سيعقبه سقوط أنظمة، يدخل في هذا الإطار من النضج الذي يشهده العالم الإسلامي، على مستوى الأفكار والنضال والمقاومة... ومهما تصورنا من مصاعب وبعضها يمر به بعلا، فإن المستقبل السوري لن يكون كما كان في السابق، وسوف تكون التجربة السورية أنموذجا في البناء الوطني الفعال القادر على امتصاص الصدمات وتجاوز الفخاخ التي تنصب له هنا وهناك.

لقد أثبتت المعارضة السورية القدرة على تجاوز الأزمات والمشكلات المعيقة للقوى الوطنية، وقد ظهر ذلك في استثمارهم للسنوات التي فرضت عليهم عدم المواجهة مع النظام، فاستثمروها في تصفية الخلافات التي كانت بين الفصائل والجماعات والتوجهات، بحيث تمكونوا من القيام بتجربة سياسية رائعة فأنشاوا حكومة ومؤسسات دولة ومجتمع –حكومة أدلب-، فكان لذلك الأثر الطيب الممهد للدولة السورية الحديدة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
الدكتورة سناء الحداد تناقش موضوع "الجندر وظلم المرأة في الميراث" (فيديو)
السابق
مرحباً رمضان

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع