البحث

التفاصيل

أوقات الصلاة في المصحف

الرابط المختصر :

أوقات الصلاة في المصحف

بقلم: أ.د. عبد الرحمن شط

 

لا خلاف بين المسلمين في وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة، وهو من ضروريّات الإسلام التي لا ينكرها مسلم، اتفق عليها جميع المذاهب من السنة والشيعة سلفا وخلفا، والدليل عليه الكتاب والسنة. ذكر اسم الصلوات الخمس في المصحف بحيث لا يمكن إنكاره، والنبي صلى خمس صلوات والصحابة صلوا معه، وهكذا صلوا بعده خمس صلوات بلا خلاف، وبذلك صار متواتراً بين المسلمين.

والمسلمون متفقون أيضا على أن للصلوات أوقات محددة، لقوله تعالى: {إنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إن للصلاة وقتا كوقت الحج. وعن ابن عباس (موقوتا) معناه أنه مفروض في أوقات معلومة معينة.

ولكن المسلمون اختلفوا في عدد الأوقات. فمنهم من قال عدد الأوقات أيضا خمس أوقات، لكل صلاة وقته الخاص به، وأكثر أهل السنة على هذا القول، ومنهم من قال: خمس صلوات في ثلاث أوقات. وهو مذهب الشيعة ورأي بعض أهل السنة. جعلوا وقت الظهر والعصر وقتا واحدا، من الزوال إلى الغروب، وجعلوا وقت المغرب والعشاء وقتا واحدا، من الغروب إلى الفجر. بدليل أن النبي ص جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. وأما قت الصبح لم يتغير عند الجميع.

وعلى هذا نعرض الآيات التي ورد فيها ذكر وقت صلاة المفروضة، ونذكر الآيات التي ذكر فيها الصلاة والتسبيح بشكل عام، وعلى هذا ينقسمون إلى قسمين:

القسم الأولى: هي الآيات التي ذكر فيها وقت الصلاة واقترنت بفعل "أقيموا" وهي تشير إلى الصلاة التي تقام وهي الصلاة المكتوبة. وهي آيتين. الآية الأولى وهي: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ}[1]  من سورة هود، والثانية هي: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}[2]  من سورة الإسراء.  وهذين الآيتين هي التي ذكر فيهما كل أوقات الخمسة. 

الآية الأولى: تشير إلى صلاة الصبح والعصر والمغرب. وهي{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ}[3]  {طَرَفَيِ النَّهَارِ} الطرف: هو الناحية والجانب من الشيء إلى منتهاه، ليس آخره، أطراف المدينة، نواحيها.  كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}[4]  طرف الأرض جوانبه، في بعض المناطق يعلوا مستوى الماء بالمد والجزر على الأرض فينقص ساحته، كما هو نراه في بعض الجزر يعلو عليها الماء وتختفي تلك الجزر.  الماء يعلو ويأخذ من الشواطئ.

قال الطبري: قال أبو جعفر {أقم الصلاة} يا محمد، يعني صلِّ {طرفي النهار} يعني الغداةَ والعشيَّ. أي الصبح والعصر. وفي الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، في قوله {أقم الصلاة طرفي النهار}، قال: صلاة الفجر، وصلاة العشي. وفي الطبري أيضا: حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أبو رجاء، عن الحسن في قوله: {أقم الصلاة طرفي النهار}، قال: صلاة الصبح وصلاة العصر.

وعلى هذا، النهار له طرفين. طرف الأول، وهو صلاة الصبح والطرف الآخر، هو من العصر إلى ما قبل المغرب.

{وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ} الزُّلَفُ: قال الطبري: هي جمع "زُلْفة"، كغُرْفَة غُرف، و"الزلفة"، الساعة، والمنزلة، والقربة، وعلى هذا الزلف: هو الساعة القريبة من الليل، أي صلاة المغرب. ليس ليلا وليس نهارا. ما سماه الفقهاء مدة الشفق الأحمر.  لقوله تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[5] أي منزلة قريبة، يعلون في درجات الأيمان، كلما حرموا شيئا قالوا إن الله يرفعنا بها درجات ونقترب إليه. {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}[6]  أي قربت الجنة للمتقين، أي تبدأ يعلو فيها الفواكه والأشجار {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}[7] أي له منزلة قريبة منا.

والآية الثانية: تشير إلى صلاة الظهر والعشاء، وهي: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}[8] 

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ودلوك الشمس هو زوالها عن كبد السماء، والزوال هو وقت صلاة الظهر. ذكر مجاهد عن ابن عباس: لدلوك الشمس قال: إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر.

وفي الطبري: قال: سيار بن سلامة الرياحي، قال: أتيت أبا برزة فسأله والدي عن مواقيت صلاة رسول الله ص، قال: كان رسول الله ص يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ثم تلا {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}.

وفي الآلوسي: [وأخرج ابن جرير واسحاق بنُ راهَوَيْه في مسنده وابنُ مَرْدَوَيْه في تفسيره، والبيهقي في المعرفة عن أبي مسعود عَقَبَةَ بنِ عامر قال: [قال رسول الله ص أتاني جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت فصلّى بي الظهرَ.][9]

{إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} والغسق: إذا أظلم واشتدَّت ظلمتُه، أي إذا اسود كلياً، ظلمةً ساحقةً، ليس هناك أثر من ضوء النهار، وهو الوقت الذي صوروه الفقهاء بزوال الشفق الأحمر. قال جمهور الفقهاء: هو قت صلاة العشاء. ووقته يبقى ويدوم إلى أن ينتهي الغسق، وهو الفجر. والمعتمد عند جمهور المفسرين أن دلوك الشمس وقت الظهر، وغسق الليل وقت العشاء. {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} قال بعض المفسرين: إن قرآن الفجر ليس له علاقة بصلاة الفجر، القراءة ليست التلاوة، بل هي الدراسة والفهم. وقال بعضهم هو يعني صلاة الصبح، قال الرازي على الآية: [قَوْلُهُ: {وقُرْآنَ الفَجْرِ} أجمعوا على أن المراد منه صلاة الصبح، وانتصابه بالعطف على الصلاة في قوله {أقم الصلاة} والتقدير أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر.

يرى من تفسير الآيتين واضحا أن هناك خمس أوقات لخمس صلوات.

القسم الثاني: هي الآيات التي جاء فيها ذكر الصلاة، ولكن غير مقترنة بفعل " أقيموا ". هذه الصلوات قد تكون صلاة غير المكتوبة، كالصلة بالله، والدعاء، والتسبيح، والاستغفار. وقد تشير إلى الصلاة المكتوبة، مثالا: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[10]

قال الطبري: عن أبي رَزين، قال: سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الصلوات الخمس في القرآن، قال: نعم، فقرأ {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ} قال: صلاة المغرب {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} قال: صلاة الصبح {وَعَشِيًّا} قال: صلاة العصر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صلاة الظهر، ثم قرأ: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ}[11].

وهكذا الآيات التالية: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ / وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}[12] {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}[13]  {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}[14] {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}[15] {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}[16] {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}[17] {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}[18] {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[19] {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}[20] {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ / وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}[21] {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا / وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا}[22]

سنعرض ما جاء في المصحف حول أوقات الصلاة المفروضة صريحا مباشرة وما جاء إشارة وتلميحا، لكل صلاة على حدته:

صلاة الصبح:

 {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}[23]  قال الطبري: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، قال: صلاة الفجر طرف، وصلاة العشي طرف، أي صلاة العصر. {مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ}[24]، ودلالة الآية صريحة على صلاة الفجر في ذلك.  {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[25]  نُقل عن ابن عباس استدلاله بها على وقت صلاة الفجر.[26]  {وَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ}[27]  نُقل إشارة النبي الكريم إلى دلالتها على وقت صلاة الفجر، في حديث جرير بن عبد الله.[28]  ، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}[29]  العشيّ: هو العصر، والإبكار: هو الصبح. 

صلاة الظهر:

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قال أبو عبيدة: ودلوك الشمس من عند زوالها إلى أن تغيب،[30]   والزوال هو وقت الظهر. ذكر مجاهد عن ابن عباس: لدلوك الشمس قال: إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر.

 {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[31]  نُقل عن ابن عباس استدلاله بحين ولا تظهرون على وقت صلاة الظهر. وبعشيا على العصر، {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} قيل هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، وقيل هي صلاة العصر.

صلاة العصر: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَار}[32]  صلاة الصبح طرف الأول وصلاة العصر طرف الآخر {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} عشيا أي العصر، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}[33]  وقوله (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) هو صلاة العصر، {لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا}[34] هَذِهِ صَلَاةُ الْعَصْرِ، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}[35]  العشيّ: هو العصر.

صلاة المغرب:

الآيات التي تشير إلى وقت صلاة المغرب: {وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ}: والزلفة: هي الساعة القريبة من الليل، أي صلاة المغرب. ليس ليلا وليس نهارا. ما سماه الفقهاء مدة الشفق الأحمر، وقته من غروب الشمس إلى غياب الشفق، وهو الظاهر عند مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد واسحاق وداوود {حِينَ تُمْسُونَ}، نُقل عن ابن عباس استدلاله بها على وقت صلاة المغرب. {إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}، يعني ظلام الليل، وبعضهم فسّره بأوائل الليل، وبعضهم فسّره بنصف الليل، قال الفراء: أول ظلمته لوقت المغرب والعشاء.[36]

صلاة العشاء: {إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}، أي إلى شدة الظلام، وهو وقت العشاء، نُقل عن الفراء أنَّ أول وقت صلاة العشاء داخل فيه، ويدوم حتى يزول الغسق بالفجر، {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ}[37]، دلالته ظاهرة على صلاة العشاء. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ص أنَّهُ قالَ: {أوَّلُ وقْتِ العِشاءِ حِينَ يَغِيبُ الأُفُقُ}[38]

وجاء في السنة أيضا خمس أوقات بالتفصيل:

إن الله بين أوقات الصلاة  والوضوء في القرآن بعد الهجرة في المدينة المنورة، لكن الروايات تدل على أن النبي ص تعلم أوقات الصلاة قبل ذلك عن جبريل كما روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس، وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي يعني المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر» ثم التفت إلي فقال: «يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين][39].

أوقات الصلاة عند الشيعة ثلاثة:

الشيعة يصلون خمس صلوات في ثلاثة أوقات. يجمعون بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، ويصلون الصبح في وقته. وحملوا آيات أوقات الصلاة على ثلاثة أوقات: قال إبراهيم الزنجاني في كتابه "العقيدة الإمامية": {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ}[40]  [فالطرف الأول من النهار لصلاة الصبح، والطرف الثاني منه لصلاة الظهر والعصر، وزلفا من الليل لصلاة المغرب والعشاء. {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}[41]  ودلوك الشمس زوالها، وهو وقت صلاة الظهر والعصر، وغسق الليل، ظلمته، وهي وقت صلاة المغرب والعشاء، وقرآن الفجر يعني صلاة الصبح يشهدها الناس.][42]  وقالوا: [لكل من الصلوات اليوميّة وقت محدد لا يجوز تخطيّه، فوقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. ووقت صلاة الظهرين «الظهر والعصر» من زوال الشمس إلى غروبها، ويختص أوّل الوقت بصلاة الظهر وآخره بصلاة العصر بمقدار أدائهما. والزوال هو منتصف الوقت بين طلوع الشمس وغروبها.
 
أما وقت صلاة العشاءين «المغرب العشاء» فهو من أول المغرب إلى منتصف الليل، ويختص أول الوقت بصلاة المغرب وآخره بصلاة العشاء بمقدار أدائهما.] [43].

بعض علماء أهل السنة أيضا يقولون: أوقات الصلاة ثلاثة:

وقال العلامة الشنقيطي في تفسيره على الآية: [أنه أشار بطرفي النهار إلى صلاة الصبح أوله، وصلاة الظهر والعصر آخره أي: في النصف الأخير منه، وأشار بزلف من الليل إلى صلاة المغرب والعشاء][44] عن مالك وابن حبيب: الصبح طرف، والظهر والعصر طرف [45] ويقول الإمام السعدي رحمه الله: [يأمر تعالى بإقامة الصلاة كاملة طرفي النهار أي: أوله وآخره، ويدخل في هذا صلاة الفجر، وصلاتا الظهر والعصر، وزلفاً من الليل ويدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء، ويتناول ذلك قيام الليل فإنها مما تُزَلَّف العبد، وتقربه إلى الله تعالى][46]  قال الحسن البصري: زلف الليل: هو وقت المغرب والعشاء. وفي الطبري: حدثني المثني قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح بن سعيد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: {أقم الصلاة طرفي النهار}، قال: فطرفا النهار: الفجرُ والظهرُ والعصرُ. وفي الطبري أيضا: حدثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيع، واللفظ ليعقوب قالا حدثنا ابن علية قال، حدثنا أبو رجاء عن الحسن {وزلفًا من الليل}، قال: هما زُلفتان من الليل: صلاة المغرب، وصلاة العشاء. وحدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن في قوله: {وزلفًا من الليل}، قال: المغرب، والعشاء.

قال ابن جُزَي في تفسيره: [هذه الآية إشارة إلى الصلوات المفروضة فدلوك الشمس زوالها، والإشارة إلى الظهر والعصر، وغسق الليل ظلمته وذلك إشارة إلى المغرب والعشاء، وقرآن الفجر صلاة الصبح]

قال الشوكاني في تفسيره على الآية: قال الفرّاء: دلوك الشمس: من لدن زوالها إلى غروبها. فيدخل فيه الظهر والعصر، وصلاتا غسق الليل، وهما الِعشاءان.

وقال الواحدي في تفسيره: {لدلوك الشمس} من وقت زوالها {إلى غسق الليل} إقباله بظلامه فيدخل في هذا صلاة الظُّهر والعصر والعشاءين {وقرآن الفجر} يعني: صلاة الفجر سمَّاها قرآناً لأنَّ الصَّلاة لا تصحُّ إلاَّ بقراءة القرآن.

وقال السمعاني في تفسيره: فَإِن قَوْله: {لدلوك الشَّمْس} يتَنَاوَل الظّهْر وَالْعصر، وَقَوله: {إِلَى غسق اللَّيْل} يتَنَاوَل الْمغرب وَالْعشَاء.

قال الألباني: [قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}، هذه الآية هي التي ... أنها تضمَّنت أوقاتًا ثلاثة، دلوك الشمس، أي: زوالها ومَيَلانها عن وسط السماء. إلى غسق الليل: دخول الليل لصلاة المغرب، وقرآن الفجر: صلاة الفجر، هذه ثلاثة أوقات، الوقت الأول الذي قُيِّد بدلوك الشمس يدخل فيه صلاة الظهر والعصر، ولذلك جازَ الجمع بينهما في السفر قطعًا بأحاديث كثيرة وفي حالة الحضر للضَّرورة غسق الليل ظلام الليل دخل فيه صلاة المغرب وصلاة العشاء، لذلك - أيضًا - ثَبَتَ الجمع بينهما في حالة السفر إطلاقًا وفي الحضر لرفع الحرج. وقرآن الفجر أي: صلاة الفجر، هذه ثلاثة مواقيت. استمرَّ الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - يصلي بالمسلمين في مسجده خمسَ صلوات في خمس أوقات، ولكنه قد صلَّى ذات يوم بالناس جميعًا صلاة الظهر والعصر في المدينة من غير خوف ولا سفر ولا مطر، صلَّى الظهر والعصر جمعًا، وصلى العشاء مع المغرب جمعًا، روى ذلك ابن عباس لأصحابه التابعين، قالوا له: يا أبا العباس، ماذا أراد بذلك؟ أراد ألَّا يحرج أمته. أي: لما جمع الرسول - عليه السلام - بهم في المدينة وليس هناك مطر ولا سفر ولا خوف من الأعذار التي تُبيح الجمع، إذًا قيل له: لماذا فعل الرسول - عليه السلام - ذلك؟ قال: أراد ألَّا يحرج أمته. فيجوز للمسلم دفعًا للحرج أن يجمعَ بين الصلاتين في حالة الحضر، لكن بشرط أن يكون عادته أن يفصل بين الصلوات ويؤدِّي كلَّ صلاة من الصلوات الخمس في وقتها المعروف في السنة، هكذا ينبغي أن نفعل نفرِّق حيث فرَّق الرسول فنصلي كل صلاة في وقتها، ونجمع حيث جمع الرسول - عليه السلام - ترخيصًا أو رفعًا للحرج.][47] 

هؤلاء من علماء السنة جعلوا للظهر والعصر وقتا واحدا، وللمغرب والعشاء وقتا واحدا، لكن جمهور أهل السنة ذهبوا إلى أن الأوقات أيضا خمسة أوقات، بداية وقت كل صلاة ونهايته معين، كما علمه جبريل.

الخلاصة:

إن الرسول صلى الله عليه وسلم داوم على الصلاة بالمسلمين في المدينة المنورة خمسَ صلوات في خمس أوقات، طول حياته الا أنه جمع في أوقات قليلة للتيسير على أمته، وهذه هي السيرة الصحيحة لمحمد صلى الله عليه وسلم.

الصلاة من شعائر أمة محمد ص، وعلى المسلمين أن يقتضوا بنبيّهم ص في الشعائر كلها. ولم يعرف عن النبي ص أنه كان مواظباً على الجمع في كل الأوقات، وهكذا نتبعه، لقوله {صلوا كما رأيتموني أصلي..}[48]  لأن الجمع رخصة عارضة.

أما الجمع في السفر: الأئمة والمذاهب من الشيعة والسنة سوى أبو حنيفة، متفقون على أن النبي ص جمع بين صلاة الظهر والعصر، وبين صلاة المغرب والعشاء في السفر، لأحاديث كثيرة واردة من الذين شاركوا النبي ص في السفر. لا داعي لذكرها.

وعمل النبي هذا في الجمع، يدل على أن وقت صلاة العصر والظهر، ووقت صلاة المغرب والعشاء متداخلان في بعضها. لأن النبي ص حينما جمعهما، جمعهما في وقت واحد. إذا قدم العصر على الظهر إنه صلى العصر في وقت الظهر، وإذا أخر الظهر على العصر فإنه صلى الظهر في وقت العصر. وهكذا المغرب والعشاء.

وأما في الحضر: إما لعذر كالمطر والثلج والبرد والمرض، فيجوز الجمع عند الجمهور بخلاف أبي حنيفة. قال الإمام النووي في المجموع: [إذا لم يكن عذرا كالمرض والمطر والخوف لا يجوز الجمع عند الجمهور، وحكى ابن المنذر عن طائفة جوازه بلا سبب، قال: وجوزه ابن سيرين لحاجة أو ما لم يتخذه عادة][49].  

يجوز الجمع بين الصلاتين للحاجة ما لم يتخذه عادة كالمشغول وهو قول بعض المالكية، وبعض الشافعية، ومذهب الحنابلة، وغيرهم.[50]  المطر الذي يبلّ الثياب يكون عذرا للجمع: مغني المحتاج الشافعي ص.1/534، منح الجليل المالكي ص.1/420، كشاف القناع الحنبلي ص.2/7.  قال الإمام المرداوي الحنبلي: [يجوز الجمع بين الصلاتين لأصحاب الأعمال الشاقة، كالطباخ والخباز ونحوهما مما يخشى فساد ماله، أو تضرر في معيشة يحتاجها بترك الجمع ونحوه،][51]  وقال الإمام البهوتي: [في بيان أعذار الجمع بين الصلاة، كخوف على نفسه أو حرمته أو ماله، أو تضرر في معيشة يحتاجها بترك الجمع][52]  وهكذا الموظفين الذين لا يسمح لهم ترك محل العمل. وكالذين يكونون في السيارة ويصعب عليهم الوقوف، أو كالذين يكونون في السوق ويصعب عليهم وجود محل الصلاة، لهم الجمع للضرورة.

وإما لغير عذر:

قال بعضهم: يجوز الجمع في الحضر بلا سبب لمن لا يتخذه عادة:

قال ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري، (2/24)  هو قول بنِ سِيرينَ وأشْهَبَ من أصحاب مالك، وحكاه الخطابيُّ عن القفّال الشّاشيّ الكبير من أصحاب الإمام الشافعيّ، وعن أبي إسحاق المِرْوَزِيِّ، وعن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابنُ المِنْذِرِ ويؤيده ظاهر ما صح عن ابن عباس {جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ والمَغْرِبِ والعِشاءِ بِالمَدِينَةِ في غَيْرِ خَوْفٍ ولا مَطَرٍ فقيلَ لابنِ عبَّاسٍ ما أرادَ إلى ذلِك قالَ أرادَ أن لا يحرجَ أمَّتَه}[53] وفي رواية: {أنَّهُ صَلّى ثَمانِيًا جَمِيعًا وسَبْعًا جَمِيعًا مِن غَيْرِ خَوْفٍ ولا سَفَرٍ}[54] 

هذه الأخبار تدل بصراحة على جواز الجمع بين الصلاتين وأنه مشروع، وعلة تشريعه هي التوسع على الأمة وعدم احراجها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.



[1] هود 114

[2] الإسراء 78

[3] هود 114

[4] الرعد 41

[5] الروم 3

[6] العراء 90

[7] ص 25

[8] الإسراء 78

[9] على الآية

[10] الروم 17-18

[11] النور 58

[12] ق 39-40

[13] الأعراف 205

[14] النور 36

[15] الرعد 15

[16] طه 130

[17] آل عمران 41

[18] مريم 11

[19] أحزاب 42

[20] غافر 55

[21] طور 48-49

[22] الإنسان 25-26

[23] هود 114

[24] النور 58

[25] الروم 17

[26] عبد الرزاق الصنعاني المصنف ص 454

[27] ق 39

[28] بخاري رقم: 545

[29] غافر 55

[30] مجاز القرآن ص 387

[31] الروم 18

[32] هود 114

[33] ق 39-40

[34] الروم 18

[35] غافر 55

[36]  الطبري جامع البيان ص 509

[37] النور 58

[38] رواه الترمذي

[39] الترمذي رقم: 149، أبو داوود رقم: 393، أحمد 1/333

[40] هود 114

[41] الإسراء 78

[42] العقيدة الإمامية، إبراهيم الزنجاني ص 298

[43] كتاب عقائد الإمامية، ص 296

[44]  أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/280) للعلامة محمد الأمين الشنقيطي،

 

[45] محمد خضر الشنقيطي كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح الباري ص 458

[46] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (1/391) لعبد الرحمن بن ناصر بن السعدي،

 

[47] في بوابة تراث الإمام الألباني صوتيا إنترنت:

[48] الجامع الصحيح رقم: 893، بخاري، رقم: 6008

[49] المجموع لإمام النووي ص 2/336

[50] بدية المجتهد 1/173

[51] الإمام المرداوي الحنبلي، في كتابه "الإنصاف" ص 2/336

[52] في "كشاف القناع" (2/ 6، ط. دار الكتب العلمية)

[53] أخرجه مسلم، رقم: 705، أبو داوود، رقم: 1211،

[54] مسلم رقم 706  


: الأوسمة


المرفقات

السابق
رمضان: فن استثمار الوقت واغتنام الفرص

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع