البحث

التفاصيل

رمضان: فن استثمار الوقت واغتنام الفرص

الرابط المختصر :

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.

رمضان: فن استثمار الوقت واغتنام الفرص

بقلم: الأستاذ بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

"من لم يضع لنفسه برنامجا لرمضان دخل في برنامج غيره وحرم الفضل الكثير"

 

للفوز بالعطاءات الربانية الرمضانية لابد من تخطيط مسبق لرمضان

إن مجرد الأماني المعسولة لا يتحقق بها شيء في كل المجالات، لا في أمور الدين، ولا في أمور الآخرة، فإذا لم تكن للفرد إرادة قوية أولا، وخطة محكمة مكتوبة ثانيا، وعزيمة ثالثا، وتطبيق رابعا، ومتابعة خامسا، ومحاسبة سادسا، فسيحرم من العطاءات الربانية في رمضان.

عظمة شهر رمضان تقتضي وضع خطة مكتوبة ومحكمة والتعاون على تطبيقها.

هذا شهر رمضان، شهر التوبة والغفران، لا يعود هو نفسه مرة أخرى، وإنما يشترك مع غيره في الاسم فقط، وحتى لا يمر علينا رمضان هذه السنة مثل السنوات الفارطة، في الغفلة والتسيب، والاشتغال بالطعام والشراب فقط، والسهر والسمر والتسكع في الشوارع والطرقات بالليل، والنوم بالنهار. وقلة الذكر والصلاة وتلاوة القرآن وحفظ الجوارح واللسان، وتحري الحلال في الطعام والشراب. لابد لكل واحد منا أن ينتقل من العادات والتقاليد المخالفة للشرع، والفوضى واللامبالاة، إلى الجد والاجتهاد، وذلك بوضع برنامج شخصي محكم، وإلا دخلنا في برنامج غيرنا؛ وضاعت منا فرصة ثمينة لا تعوض، ولعظمة شهر رمضان، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البيهقي في شعب الإيمان، والحاكم، وقال : صحيح الإسناد: (...إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامِ عَرْضَ لِي فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ)[1]، وحتى نستفيد من هذا الشهر المبارك ولا نندم على رحيله، لابد من كتابة خطة محكمة، والتعاون مع مجموعة من المؤمنين والمؤمنات لتنفيذها على أرض الواقع، فالفرد ضعيف بنفسه قوي بأخيه، فقير بنفسه، غني بأخيه، والله تعالى في محكم الكتاب في سورة المائدة يقول:  (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ ، إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[2].

وضع البرنامج الرمضاني ينبغي أن يكون قبل رمضان

إذا كان غيرنا في إطار التدافع بين أهل الحق والباطل، قد أعدو الأفلام والمسلسلات مسبقا، وآخرون أعدوا الحلويات، فلا تكونوا إمعة وتنجرفون مع الموجة العارمة، بل خططوا لشهركم، واثبتوا على خطتكم حتى تحققوا نجاحكم ونجاتكم. ولتكن خطتكم قبل رمضان، لتكونوا بعد رمضان أفضل مما كُنْتُمْ عليه قبله لا أثناءه.

إن من أكبر أسباب فشل الخطط، عدم التخطيط للتخطيط، فخصصوا على الأقل ساعتين قبل بدء رمضان، إن لم تكن أياما لكتابة خطتكم، وتأكدوا من أن يكون كل هدف قابل للقياس. وراجعوا هذه الخطة عدة مرات، قصد تحسينها وتجديد النية وتصفية الإخلاص لله تعالى.

واعلموا أن الأهداف المكتوبة تتحقق أكثر من التي في الذهن فقط، فاكتبوا أهدافكم التي تنوون تحقيقها في رمضان.

بعض البنود المساعدة لإنجاح العبادة في شهر رمضان

هذه بعض البنود المساعدة لإنجاح العبادة في شهر رمضان، ونيل رضا الله تعالى، وتحقيق الفرحتين الدنيوية والأخروية التي قال فيها الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام فيما رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ: (...لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ).

1- إن الأهداف القابلة للقياس تتحقق أكثر من الأهداف العامة، فلا تكتبوا مثلاً: سأقرأ في رمضان أكبر كمية من القرآن، بل اكتبوا مثلا، سأختم القرآن 3 مرات بنسبة ستة أحزاب في اليوم، وختمة في كل عشرة أيام.

2- حددوا خمسة أمور فقط تريدون أن تتحسنوا فيها، واكتبوها، وتابعوا وحاسبوا أنفسكم فيها، ولا تتوقعوا أن تتحسنوا في كل شيء دفعة واحدة.

3- من أكبر مضيعات رمضان، السهر بالليل، والنوم بالنهار، والاشتغال بالتلفزيون أو الهاتف النقال...، فحددوا لكل منهما وقتا وجيزا لا تتجاوزونه أبداً، فرمضان يمر بسرعة، والمحروم من ضيعه وحرم فضله.

4- رتبوا جدولاً يومياً بتحديد ساعة الاستيقاظ، والتزموا بها، ولا تحددوا ساعة النوم، بل لا تذهبوا للفراش إلا عند النعاس.

5- حددوا فترة زمنية للخلوة اليومية مع القرآن بدون مقاطعات. مع المحافظة على قراءة سور وآيات فاضلة يوميا. فإنها حصن حصين، وفيها ثواب عظيم، وإذا كان البعض يرى أن الأهم كمية قراءة القرآن، والبعض يرى أن القيمة هي للفهم، فإن الجمع بينهما أفضل، بحيث يخصص كل واحد منا ربع الوقت القرآني للتفسير، فالقرآن نزل للفهم قصد التطبيق. وحددوا 3 أنواع من التعامل مع القرآن:

أ - كمية محددة للحفظ.

ب - كمية أكبر للقراءة.

ج - تحديد أجزاء أو سور ترددونها كثيراً لقراءة تفسيرها.

6 - كونوا حريصين على الانضباط بالثوابت اليومية التي لا يطرأ عليها تغيير طيلة أيام رمضان وهي كالآني:

أ- الصلوات الخمس في الجماعة للرجال ما أمكن، وخصوصا الفجر والمغرب. والحفاظ على أدائها في الوقت للنساء.

ب- صلاة التراويح كاملة: تراويح العشاء والفجر.

ج- المحافظة على النوافل التي تكون قبل الصلوات المفروضة وبعدها وتسمى الرواتب.

د- المحافظة على صلاة الضحى، من ركعتين إلى ثمان ركعات يوميا.

ه- المحافظة على الأذكار الثلاثة المأذون فيها من قبل الشرع، وغير المؤقتة بوقت، والمطلوب الإكثار منها يوميا، وهي:

* الاستغفار: والذي به تصقل القلوب وتطهر، والاستغفار هو طلب المغفرة، والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها، أي أن الله عز وجل يستر على العبد فلا يفضحه في الدنيا، ويستر عليه في الآخرة فلا يفضحه في عرصاتها، ويمحو عنه عقوبة ذنوبه بفضله ورحمته. وقد كثر ذكر الاستغفار في القرآن الكريم:

- فتارة يؤمر به، كقوله تعالى في سورة المزمل: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[3]. - وتارة يمدح أهله كقوله تعالى في سورة آل عمران: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)[4].

- وتارة يذكر الله عز وجل أنه يغفر لمن استغفره كقوله تعالى في سورة النساء: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً)[5].

 وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد المستغفرين في كل فترة وحين:

- روى أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ؛ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)[6].

- وروى أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، عن ابن عمر رَضِي الله عنهما قال: (كُنَّا نَعُدُّ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في المَجْلِسِ الواحِدِ مئَةَ مَرَّةٍ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ")[7].

 * الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم: التي يتنور بها القلب، وبأية صيغة اخترت، وهذه صيغة المكيال الأوفى، روى أبو داود في سننه، والبيهقي في الكبرى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه،  عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِىِّ، وَأَزْوَاجِهِ أَمُهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آل إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)[8]. وحتى يتحقق الإكثار من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ينبغي ألا يقل العدد عن 300 مرة في اليوم، وأن يزاد على هذا العدد في يوم الجمعة وليلتها.

* الكلمة الطيبة: التي يتجدد بها الإيمان، وهي (لا إله إلا الله). روى أحمد، وقال الهيثمي: إسناده جيد، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)[9]. وحتى يتحقق الإكثار؛ ينبغي ألا يقل العدد عن ثلاثة آلاف مرة في اليوم. وبهذه الثلاثية يتحقق التطهير والتنوير والتعمير لقلوبنا التي هي محط نظر الرب جل وعلا.

و – الأذكار المؤقتة بوقت أو مكان: وهذه فرصة سانحة للتعرف على أذكار الصباح والمساء، والتي تسمى أدعية التحصين. وعلى الأذكار المؤقتة بزمان أو بمكان، كذكر الإفطار، وذكر دخول المنزل والخروج منه...، وغيرها قصد المحافظة عليها يوميا، وحفظها ما أمكن.

ز – الدعاء: لو كانت لديكم زيارة لملك كريم، لفكرتم وحددتم ماذا ستطلبون، ولله المثل الأعلى، فدعوة الصائم لا ترد، فخططوا للدعاء بتحديد ماذا ستطلبون، فالله يحب العبد الملحاح. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إني لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء. فإذا وفقني الله للدعاء فقد وعدني بالإجابة)، فخططوا للدعاء، واجعلوه أقساماً:

- الدعاء للنفس.

- الدعاء للأهل، والأحباب.

- الدعاء للأمة الإسلامية جمعاء، ولا تغفلوا عن دعاء الرابطة. الذي تبدؤونه بالثناء على الله تعالى، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وأن تذكروا أسماء المعروفين بأسمائهم، وأن تترضوا على الصحابة أجمعين، وأمهات المؤمنين، وتترحموا على العلماء العاملين، وعلى المجاهدين، وعلى من تربطكم بهم علاقة القرابة والدين من الوالدين والأبناء والأقارب والإخوان والأحباب مع ذكر الأسماء.

وحرصا على عدم تضييع الوقت، التزموا بمسجد واحد للتراويح، وحبذا أن يكون مما يُختم فيه القرآن كاملاً.

واعلموا أن من هم بحسنة فعملها كتبت له عشراً، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فارفعوا من طموحاتكم في رمضان؛ فأنتم الرابحون على كل حال.

أهمية العمل الجماعي لإنجاح مواد البرنامج الرمضاني

لإنجاح البرنامج الرمضاني، لابد أن نعرف أن العمل الجماعي بما فيه العبادة، أسهل على النفس، فابحثوا عن مجموعة تتفقون معها على تفعيل مواد البرنامج، والمتابعة فيه، والتنافس عليه، والتعاون على أنشطة جماعية بعد رمضان، سواء عبادية أو اجتماعية. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.



[1]  - [ رواه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 134، ح 1471)، والحاكم (4/170 ، رقم 7256)، وقال : صحيح الإسناد]

2 - [المائدة: 2].

[3]  - (المزمل/20).

[4]  - (آل عمران/17).

[5]  - (النساء/110)

[6]  - أخرجه أبو داود (2/85، رقم 1518)، وابن ماجه (2/1254، رقم 3819)، والبيهقي (3/351، رقم 214).

[7]  - [أخرجه : أبو داود ( 1516)، وابن ماجه (3814)، والترمذي (3434)، والنسائي في " الكبرى " (10292)].

[8]  - [أخرجه أبو داود في سننه ج1/ص258،ح982، والبيهقي في الكبرى (2/151، رقم 2686) . وأخرجه أيضًا: البيهقي في شعب الإيمان (2/189، رقم 1504)].

[9]  - [أخرجه أحمد (2/359، رقم 8695)، قال الهيثمي (1/52): إسناده جيد؛ وفيه سمير بن نهار وثقه ابن حبان. وعبد بن حميد (ص 417، رقم 1424)، والحاكم (4/285، رقم 7657) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: أبو نعيم في الحلية (2/357)].


: الأوسمة


المرفقات

التالي
أوقات الصلاة في المصحف
السابق
الإنسان أساس المعادلة الاقتصادية في فكر مالك بن نبي

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع